فقدت الدراما المصرية قوتها في السنوات الماضية وكان عدم ظهور مسلسلات قوية أو ذات شعبية أمامها آخر ورقة توت تداري بها عورتها، لكن مع دخول الدراما السورية الساحة وانطلاق سهم الدراما التركية المدبلجة ليخترق قلوب العربيات، ظهرت الدراما المصرية على حقيقتها، خالية من أي جماليات فنية، سيناريوهات مكررة كتبت لنجوم بأعينهم، ممثلين يحصلوا على الملايين مقابل أداء باهت، تكتفي فيه النجمات بمشهد عصبي وحيد تكسر فيه زجاج المرآة حتى تنال إعجاب نقاد ماتوا إكلينيكياً.
لكن هذا العام يبدو أن شيئاً قد تغير، ارتفاع عدد الأعمال الدرامية بشكل قياسي، سمح بخروج سيناريوهات ونجوم ومخرجين أفضل بسبب الاحتياج لمئات منهم حتى ينجزوا تلك الأعمال، التي مازال العمل فيها جارياً حتى الآن.
ظهر في رمضان مجموعة جيدة من المسلسلات بعضها جاء بأفكار جديدة يمكن أن تكون ثورية مثل " الكبير قوي" و " شغل كايرو" في الأول نجح أحمد مكيفي السخرية من مسلسلاتنا الكلاسيكية ودراما الصعيد المكررة، وفي الثاني قدم بلال فضل حالة خاصة جداً بقصة تبدو تقليدية، جريمة قتل يتم التحقيق فيها، لكن بلال اختار أسلوب سرد وتفاصيل هي ما تميز المسلسل للغاية، بالإضافة لإخراج جيد من محمد على في ثاني تجاربه التلفزيونية.
مسلسل " كليوباترا" تمتع بديكور مميز وإكسسوارات جيدة ساعدت في خروجه بصورة مختلفة، ولولا فشل بعض الممثلين في أداء أدوارهم لكان للمسلسل شأن آخر، هند صبري نجحت في دور كوميدي جديد عليها في مسلسل " عايزة أتجوز"، أعتقد أنها قدمته بطريقه رائعة رغم النقد الموجه للمسلسل نفسه، لكن تبدو تجربة هند الخفيفة ممتعة وجميلة دون تكلف.
" الجماعة" ورغم كل السلبيات التي سقط فيه - حتى الآن – مؤلفه وحيد حامد إلا أن الصورة التي قدمها مخرجه محمد ياسين جيدة جداً وتؤكد أن لديه ما يقدمه بعد فيلم الوعدمع نفس المؤلف، كما أن أداء الفنان الأردني إياد نصار متميز للغاية.
نتيجة لذلك وللكثير من العوامل الأخرى المتعلقة بقوة الجمهور المصري وسيطرته علي الكثير من وسائل الإعلام، عادت السيطرة المصرية بشكل كبير في رمضان على الساحة العربية، حيث حرصت كل المحطات العربية على إذاعة المسلسلات المصرية وأحياناً في نفس مواعيد المسلسلات التركية التي استحوذت على أفضل التوقيتات من قبل، قناة مثل خليجية التابعة لمحطة روتانا تذيع تقريباً عدد من المسلسلات المصرية يفوق عدد أي مسلسلات أخرى رغم طابعها وجمهورها الخاص، الخليجي.
ورغم أن هذا الاستحواذ يبدو مؤقت وقد يتوقف بانتهاء شهر رمضان وعودة المشاهدين لمتابعة مفضلاتهم المدبلجة والمترجمة، لكن جزء من الثقة قد عاد للمشاهد المصري ومن بعده العربي في الدراما المصرية، هذا بالإضافة إلى ضعف احتمال مشاهدة كل المسلسلات المعروضة في رمضان في شهر واحد فقط، فقد تستمر الحالة الرمضانية لفترة طويلة بعد رمضان مستندة لقوة الدفع الذاتية لانجذاب المشاهدين لهذه المسلسلات، وهو ما قد يمكن الدراما المصرية مرة أخرى من استعادة السيطرة ولو حتى لشهور معدودة في العام على الساحة العربية الشقيقة.