المانجا هي أسلوب ياباني في الرسم يمكن تميزه بسهولة لو تذكرت مسلسل كابتن ماجد، مازينجر، ولاحظ الاختلاف بينهم وبين توم أند جيري واللوني تونز.
كانت أفلام الرسوم المتحركة سواء المانجا منها أو أي نوع آخر أحد طرق التسلية والاستمتاع المضمونة، فأفلام الرسوم المتحركة مهما كانت درجة سوءها ففي النهاية يمكن أن تقول "ما هو فيلم كارتون"، لكن بعد أن بدأت في مشاهدة أسطورة الرسوم المتحركة الياباني هاياو ميازاكي، بدأ الأمر يتغير كثيراً، اكتشفت أن هناك من وجد طريقة أخري للاستفادة من الرسوم المتحركة.
ميازاكي يتمتع بفلسفة وخيال مرتفعان للغاية، ربما كان السبب فيها عمل والده وعمه في بناء الطائرات، وصداقته وإعجابه بالكثير من الكتاب الفرنسيين، الأهم أن النتيجة كانت مخرج رسوم متحركة بفلسفة فرنسية، ونبل وقصص يابانية، وأفلام لا يمكن أن تشاهدها إلى لدي هذا الرجل.
بدأ ميازاكي عمله في فترة الستينات وكان يعمل كرسام في أحدي شركات إنتاج الرسوم المتحركة، واستطاع ميازاكي أن يحقق سمعة طيبة في الشركة وكانت أول أعماله الإخراجية (The Castle of Cagliostro) ولاقي الفيلم نجاحاً جيداً، ثم توالت أعماله والتي شاهدت منها أهمها في بداياته (Princess Mononoke) عام 1997 والذي ساهم دوبلاج شركة ميراماكس له أن ينقل نجاحات ميازاكي من اليابان إلى العالم كله.
الأميرة مونونوكي، رسم الخطوط العريضة لإبداعات ميازاكي، القصص الفلسفية، قبيلة يتم نفيها ويحكم عليها بالنسيان فلا يجوز لها أن تذكر في التاريخ للأبد، وحرب بين البشر والحيوانات، الطرفان يحاولا استخدام الطبيعية لصالحهم، وقائد شجاع على طريقة الأسطورة اليابانية يحمي كل قبيلته من أي شر، وفتاة هي بطلة القصة.
لطالما كانت الفتيات بطلات لأفلام ميازاكي ومنذ هذا الفيلم وتقريباً كل ما شاهدته للأسطورة الياباني كانت بطلاته من الفتيات الشجاعات، كما هو الحال مع الأميرة مونونوكي التي تكره البشر بعد أن ربتها الذئاب وتحاول إعادة التوازن للطبيعة.
طريقة رسم الشخصيات في الفيلم كانت رائعة للغاية، كل شخصية تبدو دوافعها وخلفياتها واضحة جداً، العديد من الشخصيات يمكن أن يتم إسقاطها في الواقع على المئات من حيوانات أيامنا المتحكمين في شئون حياتنا.
الفيلم صاحبه ضجة كبيرة للغاية، وحقق نجاحاً ساحقاً في اليابان واستطاع أن يكون الفيلم الأعلى إيرادات في تاريخ اليابان حتى قدوم ( Titanic)، والآن هو في الترتيب الثالث خلف فيلمين لميازاكي ضمن أكثر أفلام الرسوم المتحركة تحقيقاً للإيرادات.
شاهدت بعدها اكتمال نضوج أفكار وفلسفة ميازاكي في رائعته الفنية الحقيقية "Spirited away" عام 2001 والتي حصد عنها جائزة الأوسكار كأفضل فيلم رسوم متحركة، الفيلم عبر كالعادة عن فلسفات ميازاكي وخلط بين الطبيعة والخيال والفلسفة باستخدام الرسوم المتحركة لينتج مشاهد متفردة جداً، تستطيع تميزها بين آلاف من الأفلام.
اختار ميازاكي فتاة شجاعة لتكون بطلة فيلمه الجديد الذي قام بكتابته وإخراجه ورسمه، "تشيهيرو" هي بطلته التي تذهب مع والديها للانتقال لمنزلهم الجديد وتضل الطريق وتدخل مع أبواها في مدينة غريبة رائعة الجمال دون وجود لأي شخص داخلها، يتناول أبواها الطعام بجشع شديد حتى يتحولا لخنزيرين وتكتشف أنها في قرية للأرواح.
الفيلم عالج مفاهيم الجشع، الشهوة، الشجاعة، والأهم الحب، وكلهم بطريقة جديدة ومختلفة للغاية، تشاهد الشهوة لدي والدي تشيهيرو وهما يتناولا الطعام ليتحولا لخنازير وهي فكرة تبدو رائعة كعقاب مناسب لكل خطيئة، الخوف والرعب على ملامح الفتاة وهي تحاول منع أبويها من الاستمرار فقط لأن حدسها يشعرها بالخطر مؤثر للغاية، ورغم عدم معرفتي كمتفرج أن الأبوان سيتحولان، إلا أن مشاعر الفتاة التي لمستني جعلتني كدت أن أصرخ فيهما أن يتوقفا عن الأكل، وهذا من أهم ما يميز ميازاكي، القدرة على نقل مشاعر شخصياته بكل صدق لمشاهدة حتى لا تستطيع التفريق بين ما تريده البطلة وما ترغب فيه أنت، هل الإرادة لك أم أنك انجرفت وراء دهاء ميازاكي وفلسفته العبقرية.
قرية الأرواح من الداخل عالم رائع على المستوي البصري والفلسفي، رسم الشخصيات فريد جداً، مجموعة غريبة من التكوينات، يظهر على كل شخصية تفاصيلها الداخلية من ملامحها فقط، لن تحتاج لأكثر من مشاهدة كل شخصية لتعرف هل هي طيبة أم شريرة؟، غنية أم فقيرة؟، ولكن دون أي تنميط للشخصيات، فالشر في أفلام ميازاكي قليلاً ما يكون مجسد في شخصية واحدة، تكون الظروف هي أحد أهم الأطراف الشريرة في اللعبة، وتعميم الشر هنا جاء كجزء من فلسفة ميازاكي ونظرته للشر التي لا تراه مطلقاً في أشخاص معينين بل أمر فرضي علينا يجب أن نواجه مع حياتنا حتى لو تجاوزت بعض الشخصيات عن شرورها.
تسير أحداث الفيلم بقصة محكمة جداً، دون أن يتيح ميازاكي طول مدة الفيلم التي تخطت الساعتين، أي فرصة لمشاهدي الفيلم للاستدارة أو الاعتدال في الجلسة، الفيلم مبهر للغاية، وأعتبره من أكثر الأفلام التي عبرت عن فلسفة ميازاكي في صناعة الأفلام وأعتبره من أفضلهم إن لم يكن الأفضل على الإطلاق.
ميازاكي استمر في العمل ليقدم سلسلة من الإبداعات الفنية بعد (Spirited Away)، منها (Howl's moving Castle) الذي حصل به على ترشيح ثاني لجائزة الأوسكار، لكن الجائزة ذهبت إلى المبدع على الجانب الآخر من العالم في الولايات المتحدة فيلم بيكسار (Finding Nemo).
وأخيراً أقدم أكثر أفكاري تطرفاً حول ميازاكي وأدعي أن خدمة أفكاره سبب كافي لوجود الرسوم المتحركة في حياتنا.