عيار ناري: رحلة للبحث عن حقيقة الحقيقة

  • نقد
  • 02:13 مساءً - 10 اكتوبر 2018
  • 6 صور



من أين تظهر الشمس؟ سؤال ساذج إجابته حقيقة مؤكدة، لكن ماذا لو اجتمع الناس على أن الشمس تظهر من الغرب لا الشرق عندئذ هل تصبح الحقيقة ما نعرفه ونراه أم ما أقرته الأغلبية؟ من هنا يأخذ دبور بأيدينا لنبدأ الرحلة مع عيار ناري يضع طبيب سِكير ابن لوزير صحة فاسد في مواجهة حشود ثائرة!

في ثاني تجارب الكاتب هيثم دبور السينمائية فالفكرة المستهدفة يصبها في قالب شائك يؤجل دبور ظهوره على الشاشة لدقائق لنجد ياسين المانسترلي (أحمد الفيشاوي) الذي يعمل كطبيب شرعي ماثل أمام جثة لا تمت للحدث الرئيسي بصلة سوى أنها تساهم في بلورة الفكرة؛ فالجثة لزوجة خائنة يضبطها زوجها في وضع مخل فتفيد التحقيقات باعتراف الزوج بقتلها بينما "الحقيقة" يجدها المانسترلي في الجثة التي تخبره بكون الزوجة هي من قامت بقتل نفسها! لينضح بذلك الشريط السينمائي بتساؤل عن مصير الحقيقة في مجتمع له حسابات خاصة تضغط بدورها على أفراده فتدفعهم نحو اللاإنساني أو حتى اللامعقول تمامًا كالزوج الذي فضل إعدامه على أن يعيش مطعون في شرفه، كذلك ينضح بحقيقة أن الحقيقة لأكثرنا ليست سوى ما نريد أن نصدقه ولاسيما إن كان ذلك سيتيح لنا الاندماج الجالب للراحة مع الأغلبية التي تقرر الحقيقة ويتضح لنا ذلك من موقف مديرة المشرحة (صفاء الطوخي) من قضية الخيانة تلك وقضية الجثة التالية التي تكن البداية الحقيقية لأحداث الفيلم.

علاء أبو زيد (أحمد مالك) شاب عشريني ترقد جثته أمام المانسترلي، الأغلبية تقرر أن علاء شهيد سقط برصاص قناصة في اشتباكات مع الشرطة عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، بينما الحقيقة التي يملكها الطبيب الِسكير هي أن علاء جاءته الرصاصة من مسافة قريبة لا تتعدى السنتيمرات ليكتب بيده تلك الحقيقة التي تفتح عليه أبواب الجحيم المحتشدة خلفها الأغلبية الثائرة. لكن هنا سرعان ما يبرز تساؤل وهو: هل أحسن دبور في انتقاء الحكاية؟ ثم بالتساؤل عن مدى اقتراب القصة للواقع؛ فهل كانت الثورة حتى وهي في ذروة قوتها بقادرة على جعل أتباعها هم من يفرضوا الحقيقة بشكل يضغط على كل مؤسسات الدولة؟! مثل تلك الأسئلة تجعل دبور في صدام مع متفرج يرى في الفيلم تدليس للحقيقة رغم محاولات دبور للتدارك كجعل القوة الضاغطة في الفيلم ليست قوى ثورية من الأساس وإنما مجرد قوة شعبية تتألف من أهالي حي القتيل يحركهم ثوري صديق لعلاء يساهم في جلب التعاطف لقضيتهم ومدها بالغطاء الثوري، كذلك يقدم دبور علاء في خبر يضعه كشهيد من بين 11 آخرين قٌتلوا في الاشتباكات مع الشرطة، لكن تجاهل هذا الخط تمامًا والاهتمام بتقديم بجانب واحد يقره الفيلم كحقيقة -سواء لأسباب فنية كانت أو لأسباب تتعلق بالخوف من الرقابة-، فذلك يٌزيد من الاحتقان لدى العديد من المتفرجين الذين يصلون لنهاية يجدون فيها علاء حقيقته تمامًا كالصورة السيئة لشهداء الثورة التي طالما روج كارهي الثورة لها رغبًة في فرضها كحقيقة.

ومع العودة لما قبل النهاية فالفيلم كتابيًا يتأرجح بين الحسن والسيء؛ فتكن أبرز حسنات دبور حُسن اجترار الفيلم لمنطقة تجعل من أحداثه أشبه بالپوليسية للحظات قليلة في رحلة البحث عن هوية القاتل رغم إتضاح هويته في أغلب الأوقات، كذلك أجاد في إيجاد المناطق المنيرة والمظلمة لمعظم شخصيات الفيلم تقريبًا رغم نمطيتها على عكس رسمه المتميز لشخصية خالد (محمد ممدوح) شقيق علاء، إلا أن من أكبر المشاكل التي تخللت الفيلم كان ضعف الجمل الحوارية واقترابها في أحيان كثيرة لشكل أقرب للمقالي وقد يكون لجأ لذلك من أجل خدمة الفكرة لكنه قد أضر بشكل كبير بالعمل وسرب الملل بين جنباته.

أما عن الصورة فتجربة إخراجية أولى لا بأس بها للمخرج كريم الشناوي الذي في مواضع متفرقة ظهر تأثره بالعمل كمخرج منفذ في فيلمين مع آل دياب؛ كتنفيذه لمشاهد الاشتباكات بشكل يقترب بصورة كبيرة لأسلوب محمد دياب في فيلم (اشتباك)، كذلك استخدامه المفرط أحيانًا للإضاءة الملونة ذات الدلالات كما الحال مع خالد دياب في (طلق صناعي)، إلا أن لمساته في العديد من الكادرات كانت بارعة تُظهر تمكنه من استخدام أدواته، وقد ساهم في ذلك انتقاء أماكن تصوير مناسبة وموحية لتكوينات متميزة، أما عن قيادته لطاقم التمثيل فلم يستطع أن يخرج بجديد من الفيشاوي لكن لا يمكن وصف الأداء بالسيء، كذلك الحال مع روبي، وأسماء أبو اليزيد، إلا أن ما يمكن وصفه بالجيد بشكل يقترب من الممتاز يكن أداء محمد ممدوح الذي بدا اندماجه مع عارفة عبدالرسول فاتن للأعين؛ الأستاذة عارفة التي لايمكن وصفها سوى بأنها غول تمثيل، وعلى النقيض خرج مالك في مشهده الأهم بأداء مخيب للغاية؛ فانفعالاته كانت غير منضبطة على الإطلاق بالتحديد في لقطاته مع أمه (عارفة عبد الرسول) التي بدت كلقطات مرتبكة للغاية بدا فيها مالك كمن سيتحرش جنسيًا! ويبدو أن حظ مالك كان عَاِثر للغاية فطغى على المشهد ضعف في السرد على الرغم من تميزه في الدقائق الأولى من الفيلم، كذلك ضعف في التنفيذ الإخراجي.

عيار ناري فيلم ساده التخبط وكان يحتاج لجهد أكبر من صناعه للضغط على الزناد وإطلاقه؛ لذا فيمكن القول بأنه عيار ناري طائش لم يُصِب لكنه أحدث ( دوشة).


وصلات



تعليقات