قد يعتقد البعض أن قضايا حقوق المرأة والتي قتلت بحثًا على مدار عقود بداية من فيلم الأفوكاتو مديحة في عام 1950 مرورًا بفيلم مراتي مدير عام والأستاذة فاطمة وحتى مسلسل القاصرات، والذي يجسد نموذجًا حيًا لقتل وانتهاك الطفولة والبراءة مما جعل البعض ينصرف عن مشاهدته من شدة قسوته، وحتي وقتنا هذا، وبعد ما إعتلته المرأة من مناصب قيادية وأصبحت تمثل حكومات ودول، إلا أنه لا يزال هناك عوالم منعزلة ومنغلقة على نفسها تعتبر المرأة مواطنة درجة ثانية أو ثالثة، ولا تزال هذه المجتمعات أسيرة لأفكار ومعتقدات عفى عليها الزمن.
وفي فيلم بين بحرين والذي ربما جاء اختيار اسمه كنوع من التعبير عن الفجوة أو المسافة التي بيننا وبين هذا العوالم والممثلة في المعدية بينها وبين القاهرة أو أن البحرين هما عالمان متناقضان ما بين الفقر والجهل، وبين العلم والنور، وقد سأل البعض: هل هذا الفيلم يتحامل علي الرجل؟
والاجابة لا، فالفيلم لا يتحامل على الرجل لأن العمل مثلما قدم النموذج السيء للرجل مثل ابن شيخ الجامع والذي ينظر لزوجته كخادمة منحصرة واجبتها في خدمة والده وتربية أولاده ويضربها ويسبها بلا سبب، بل على الصعيد الأخر يقدم نموذج الرجل المنفتح والممثل في والد ثراء جبيل والذي يسمح لابنته باستكمال دراستها حتى أصبحت طبيبة دون وضع قيود الزواج والانجاب على عاتقها، وكذلك رجل الدين الأزهري المعتدل، والذي يحاول تصحيح الخطاب الديني في مقابل شيخ الجامع المتشدد مدعي العلم، بل العمل يمثل صرخة استغاثة على الأفكار والعادات الخاطئة التي لا زالت تعاني منها المرأة لكونها امرأة في هذه المجتمعات العشوائية منذ يوم ولادتها لتجد نفسها منبوذة لكونها أنثى مرورًا بانتهاك براءتها وطفولتها في عملية الختان، والتي لا تزال الكثير من الأسر متمسكة بها ليس في الريف والصعيد فقط وإنما حتى في القرى الصغيرة في ضواحي القاهرة مثل القرية المشار إليها في فيلم (بين بحرين) وهى منطقة جزيرة الدهب ما بين المعادي والجيزة، وقد نجح المخرج أنس طلبة في تصوير مشهد الختان بشكل يمس القلوب دون الشعور بالاشمئزاز في نفس الوقت وحتى الزواج في سن الطفولة. وقد اختارت الكاتبة مريم نعوم أسماء البنات جميعها تمثل البراءة والطهارة مثل زهرة وشهد كما أشار المخرج في مشاهد ركوب المراجيح واللعب في الملاهي كنوع من التعبير عن الحرية أو أنها المتنفس الوحيد لهولاء الفتيات للهرب من جحيم المعيشة. يتناول الفيلم قصص لمجموعة فتيات في هذه المنطقة يعانين جميعهن من القهر وقلة الحيلة، وتبدأ أحداثه بزفاف إحدى الفتيات التي تجد في الزواج طوق نجاة للهرب من قسوة والدتها وتحكمها في كل شيء في حياتها وشقيقتها فاطمة عادل والمقيمة مع والدتها بسبب سفر زوجها كثيرًا إلى طنطا بحكم عمله والتي تحاول العبور بابنتيها لبر الأمان بإصرارها على استكمال تعليمهن ورفضها زواجهم في سن مبكر والتي تتعرض ابنتها لحادث مأساوي وتفقد حياتها نتيجة عملية الختان والتي تمت دون علمها لتترك منزلها وتقيم مع صديقتها الطبيبة، والتي تقوم بدورها ثراء جبيل، وهى الوجه الأخر والإيجابي لفتيات هذه المنطقة والتي تعمل كطبيبة في القرية، وأما الثالثة وهى الأكثر معاناة، فهى تعاني من التميز الشديد ظوال حياتها بينها وبين شقيقها حيث لا تزال والدتها تسير علي اعتقادات قديمة بأن الولد هو السند و الملجأ الأول والأخير للأسرة حتى بعد سفره واختفاؤه لسنوات ومرة أخرى من زوجها ابن شيخ الجامع والذي يمتنع عن الإنفاق عليها وعلى أولادها.