محمد سعد يعود للمسار في تتح

هو شخصية محيرة بالفعل. حينما تظن أن بئره جف وخلت جعبته ونضب معينه تجد أنك لم تكن صائباً تماماً. أنها المرة الأولى منذ سنوات التي أجد ما أذكره إيجابياً عن "زيبق" السينما المصرية.. محمد سعد.

اتخذ محمد سعد خطاً مختلفاً منذ ظهوره المؤثر الأول فى فيلم الناظر، عن أبناء جيله الذين اختار معظمهم الكوميديا، وإن تنوعت أشكال هذه الكوميديا مثل هنيدى وأشرف عبدالباقي وآدم و الراحل الرائع: علاء ولى الدين.

إلا أن سعد صعد بسرعة الصاروخ حينما اختار الكوميديا السهلة الصارخة أو ما يدعى بـ" الفارس". الكوميديا المباشرة الموجهة التى غالباً ما تثير قهقهات صالات العرض والجالسين أمام شاشات التلفزيون بلا أدنى مجهود عقلى. وقد راهن سعد و–غالبا – كسب رهانه؛ أن الشخصيات الصاخبة ذوات الـ"كاركترات" التى قد تصل فى معظم أحيانها إلى عاهات بدنية وعقلية قادرة على انتزاع الضحكات وتكديس الإيرادات والتاكيد دوماً على أنه "عارف بيعمل أيه".

محمد سعد والسبكي فيلم خلطة لم تخطىء وإن زادت حدتها أحياناً وانقسم عليها غالباً الجميع واستقر فى وجدان كل من يحب الفن عموماً والسينما بشكل خاص إنها خلطة "العيد" و"السبوبة" وسينما "اللاشىء".

كمشاهد عادى ومنذ أن أطل عليك الليمبى وأنت تضحك ولا تفهم. تقضى وقتا هيستيرياً صاخباً ولا تكاد تذكر حتى أسامي الأبطال الأخرين ولا قصة الفيلم ولا تعرف له هدفا. لكنك كنت تضحك دوماً..أو غالباً.

و هذا وإن اختلفنا أو اتفقنا مع جدواه ودوامه إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنه نجاحاً واضحاً.

وإن كنت ممن أصابهم الإحباط وتوقفوا منذ مايقرب على الخمس سنوات من توقع أى جديد أو أى "إبداعية.. أى افتكساية" كما قال خالد –الذكر- الصاوى.. بلعوم فى كباريه؛ إلا اننى ورغم ذلك لم اتوقف عن الإيمان بموهبة وقدرات سعد الواضحة..والجامحة.

وكانت مفاجأتى التى أثلجت صدري إلى حد كبير فى "تتح" فهو وإن بدا فيلماً بسيطاً عادياً "ستيريو تايب" محمد سعد. ذلك الشخص ذو العاهة الواضحة الساذج الكادح اللى دائما وابداً من "عابدين" :).. يقع فى مشكلة لم يقصدها ولم يتسبب فيها بشكل مباشر إلا أنه يجد نفسه مطالباً بالتعامل معها وحلها. الفرق هنا عن "كركر" و"بوحة" و"اللى بالى بالك" والذى منه.. أننى شعرت للمرة الأولى أن هناك سيناريو !! هناك مواقع تصوير مختارة بعناية.. مشاهد وزوايا كاميرا يظهر فيها "شادى علي" مهارته بوضوح". وكذلك لم يخن مونتاج أحمد شحم وديكورات عماد الخضرى، الحالة العامة للسيناريو والأحداث بل حافظا عليها، ودعماها. وبدا سامح سر الختم مختلفاً وجاداً وحريصاً على خلق حدوتة ليست عظيمة ولا مبتكرة ولا مثالية بلا أخطاء. لكنه وبالمقارنه مع أعماله السابقة مع سعد تجد أنه قد كتب سيناريو بالفعل هذه المرة. رغم وجود بعض الثغرات والأحداث التى غاب عنها المنطق. فالحوار بالذات فى هذا الفيلم مليىء بالرمزية ومتعدد الأبعاد وهو ما لم نعتاد عليه من سعد وسر الختم. وأعلى تلك المشاهد رمزية كانت الجزار الظالم المعتد يجبر "تتح" البسيط على توقيع عقد تنازل عن بيته على وعد بـ"كيلو لحمة ضانى" فى اشارة لاستغلال فقر الجماهير فى الوصول لأهداف سياسية مشبوهة. وكذلك مشهد "وضوء" المعلم حصوة وإشارته لتتح انهم قد يعينونه "إمام جامع" ذلك الوغد الوصولى الرأسمالى !

واستكمالاً لمحاولات الجميع فى ذلك العمل لتقديم إنتاج مختلف. فقد حرص سامح عبدالعزيز على اختيار "كاست" لا يشبه كثيراً من اعتاد سعد العمل معهم فيما عدا مروى، التى لم تحاول حتى أن يخيب ظن الجميع فيها وقدمت الدور الذى ولدت لتقدمه، ولكن فى إطار رأته هى كوميديا ورأيته أنا "مهيـــنا" لانوثتها التى تحتفى بها بمناسبة.. وبدون.

وبشكل عام فقد أجاد سعد للغاية حتى فى تلك الشخصية الفارس الذى اختارها للمرة المليون ولمع نبيل عيسى فى مشاهده القليلة وبدا أنه "واخد الموضوع بجد" وكذلك احببت "سيد رجب" كما احببته دائما "غير أنى لم أر لهياتم أثراً غير كمية ظلال العيون البهلوانية التى اعتمدتها و ابنتها "مروى".

سيناريو الفيلم مليىء باﻹسقاطات السياسية والاجتماعية التى أخذت منحى الكوميديا السوداء معظم وقت الفيلم. والتى حاول سعد أن يفعلها من قبل وفشل فى "تك تك بوم" إلا أنه هذه المرة نجح إلى حد كبير فى إيصال وجع صار يتأصل يوما بعد يوم فى نفوس المصريين عن السياسة والمظاهرات والثورة التى كانت. أضحكنى الفيلم كثيراً بعد ما كان لى فترة ليست بالقليلة لا شىء ينجح فى إضحاكى.. إلا أن تتح أثار قهقهات عالية استغربتها أنا نفسى. وعلى الرغم من الكثير من "الافيهات" ذات الايحاءات الخارجة التى امتلأت بها جمل حوار محمد سعد إلا أنه وفى هذه اللحظة المصرية الأنية حيث الفجاجة والابتذال عنوان كل شىء لم أشعر أنه "خارج" للدرجة. وعلى هذا فقد استمتعت كثيراً.

ملحوظة أخيرة: أصابنى الإحباط وخفت ابتسامتى للمرة الأولى خلال أحداث الفيلم فى مشهد ظهور النجم الأستاذ سمير غانم.. فعلى الرغم من أنه مشهد تمثيلي فى سياق الفيلم والأحداث إلا أننى شعرت بمرارة حقيقية يتحدث بها أ.سمير عن التجاهل والتهميش وافتقاده لقرع الضحكات على خشبة مسرحه الذى أضاءه ببهاء كوميدياه الخاصة جداً لسنوات.. أ.سمير.. أحنا بنحبك أوى.