الأعمال الدينية بين الحقيقة واللا

تعمق الروائي والأديب الكبير عبدالحميد جودة السحار في كتابة السيرة النبوية والدراسات الإسلامية طوال فترة حياته، وعمله وقدم العديد من المؤلفات اﻹسلامية التي قٌدمت فيما بعد سواء تلفزيونيًا، أو سينمائيًا فكان منها (مجموعة محمد رسول الله) الذي قدمها المخرج أحمد طنطاوي من خلال الدرامة التلفزيونية، والفيلم السينمائي (نور الإسلام)، كما شارك الكاتب (توفيق الحكيم) تأليف فيلم (الرسالة). ولم تتوقف إبداعاته في مجال الكتابة فقط بل قام بالإنتاج حيث أنتج فيلم (درب المهابيل) عام 1955، وأيضا قدم مجموعة كبيرة من الأفلام الروائية الدرامية مثل (ألمظ وعبده الحامولي، أم العروسة، الحفيد،،،، وغيرها من التراث السينمائي الذي يعد من الكلاسكيات الهامة في السينما المصرية،

ويعد فيلم (فجر الإسلام) للمخرج صلاح أبو سيف من ضمن هذا التراث الذي قدمه عبدالحميد جودة السحار للسينما المصرية؛ وبالرغم من أن الفيلم يشير لبعض الأشياء الغير حقيقية عن فترة الجاهلية قبل ظهور الإسلام، وأثناؤه وذلك من خلال الشخصيات الدرامية بالفيلم، إلا أنه استطاع أن يقدم عرضا دراميا وتاريخا دينيا هاما، وتمكن من إقناع القطاع العام وقتها من إنتاجه بعد أن فشل المصور (عبدالعزيز فهمي) كمنتجا في تحمل نفقة إنتاج مثل هذه الأعمال الدرامية التي تحتاج إلى تكلفة عالية،

ولو نظرا إلى الأحداث الدرامية بالفيلم نلاحظ أنها اعتمدت بشكل كبير على إظهار فترة الجاهلية فترة سوداء، قاتمة مشيرا بخطوط عريضة إلى الاضمحلال الأخلاقي للمجتمع الجاهلي من خلال مشاهد الاغتصاب، والزنا والدعارة، والقتل والسرقة ولم يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى الزعامة الحقيقة لهؤلاء القوم وعظمتهم، وأن الدين الإسلامي جاء ليمحو هذا الضلال وينهي هذا الصراع؛ حتى أنه قدم سادة قريش بحواجب كثبة ووجوه وملابس سوداء كأنهم أشباح، ونسى أنهم كانوا يملكون تجارة وحضارة عريقة بالإضافة إلى أن الرسول (صلى الله وعليه وسلم) قد خرج من بينهم بصفاته الحميدة العظيمة، وتربى فيهم؛ ولكن هذا ما يحدث في جميع الأفلام الدينية التي تتناول هذا الموضوع إذًا لا جدال عليه، ولا محال من ذكره للتركيز على البناء الدرامي الأساسي للفيلم وهو عظمة الإسلام ونوره!!!

وقد حاول عبدالحميد جودة السحار الزج بإحدى القصص الرومانسية بين الأحداث كحدث عارض للخروج من الشكل الدرامي الدائم لمثل هذه النوعية من الأفلام والتي تقتصر دائما على تعذيب المسلمين والصراع القائم بينهم وبين قريش؛ وقد نجح في ذلك وقدمها بطريقة سالسة بسطية، من خلال قصة الحب التي نشأت بين ابن زعيم قريش وإحدى الفتيات المسلمات.

ويعتبر فيلم (فجر الإسلام) أول فيلم ديني يخرجه مخرج الواقعية صلاح أبو سيف بعد سلسلة طويلة من الأفلام الدرامية التي نفذ فيها الرؤية البصرية وركز على العمق الفني والملامح الواقعية بدأت بفيلم (دائما في قلبي) عام 1946، وقد نجح في اختيار ممثليه ليقدموا الأدوار الفنية بالفيلم لتتناسب أشكالهم واحجامهم وقدراتهم الفنية مع الشخصيات الدرامية فاختار محمود مرسي بكريزمته القوية المعروفة لدور زعيم القبيلة، واختار الممثل الشاب عبدالرحمن علي وقتها لدور فتى القبيلة والذي وقع في حب وعشق الفتاة المسلمة نجوى إبراهيم.

الفيلم كما ذكرنا يعد من كلاسيكيات السينما المصرية ومن الأفلام التاريخية الدينية التي يفتخر بتقديمها بهذا الشكل في وقت كانت السينما المصرية عاجزة عن تحمل تكاليف إنتاج ضخمة هكذا. ويسمح بمشاهدة الأطفال مع التأكيد على مباشرة شخص بالغ لتوضيح بعد المعلومات، وﻹحتواء الفيلم على بعض المشاهد العنيفة والتي تمثلت في تعذيب المسلمين.