دراما صادقة أعادت الجمهور لما ينقصه منذ سنوات

في وقت أصبحت فيه الدراما المصرية تميل إلى المبالغة، وإلى الاعتماد على “وصفات جاهزة” من بلطجة وإدمان وكوميديا مصطنعة وإيحاءات رخيصة، يأتي مسلسل "كارثة طبيعية" كعمل يرفض الكذب، ويقدم نفسه بصدق شديد وبساطة لافتة، لا يحاول جذب المشاهد من خلال الصدمة أو العنف، بل من خلال واقع نعيشه فعلاً، وحكايات يعرفها كل بيت، وقدرة عالية على تقديم الكوميديا الإنسانية التي لا تستهين بالمشاهد ولا بعقله.

وهنا تظهر قيمة المسلسل الأساسية التي تكمن في الواقعية، لا بطل خارق، ولا شرير أسطوري، ولا عالم من الحشيش والبلطجة المعتاد الذي استهلكته الدراما في السنوات الأخيرة، هنا نحن أمام حياة عادية، لكنها مكتوبة بوعي شديد يجعل تفاصيلها الصغيرة أكبر وأكثر تأثيراً من أي حبكة مفتعلة. وقد نجح المسلسل في نقل حالات اجتماعية حقيقية: من خلال قصة شروق ومحمد والسبعة توأم ونقل معهم مخاوف الناس، ضغوط الأسرة، العلاقات المتوترة، والبحث عن الاستقرار… كل هذا من دون افتعال نكد أو جرعات زائدة من الحزن التي أصبحت موضة مكررة. الكوميديا هنا نابعة من الموقف، ومن التعامل الإنساني مع المصاعب، فلا تشعر للحظة أن هناك "إفيه" مقصود أو مشهد تم تصميمه فقط ليضحك، إنها كوميديا مُريحة، تُشبه الجلسة مع أشخاص حقيقيين، وليست كوميديا “شو” مصطنع. ولا يمكن الحديث عن "كارثة طبيعية" دون الوقوف أمام أداء محمد سلام الذي أثبت في هذا العمل أنه قادم بقوة ليكون بطلاً حقيقياً....قدم شخصية مركبة بين الكوميديا والدراما والواقعية، وخلق حالة من التعاطف والضحك في آن واحد، دون أن يفقد الصدق ولو للحظة، سلام أثبت أنه يمتلك القدرة على قيادة عمل كامل، وأنه ليس مجرد ممثل داعم، بل ممثل يحمل روح البطل وإيقاعه ومساحته. ولا ننسى أن الإدارة الإخراجية هي التي صنعت عملاً متكاملاً، فالمخرج حسام حامد في أول أعماله الدرامية، يستحق مكانة خاصة في نجاح المسلسل، فرؤيته الواضحة ﻹيقاع هادئ بعيد عن الفوضى، وتركيز على الشخصيات لا على الاستعراض، واهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع عملاً كبيراً. وطبعا لا ننسى عبقرية المؤلف أحمد عاطف فياض صاحب مسلسل بالطو الذي لا يقل أهمية وقيمة عن مسلسلنا هذا.


في النهاية: "كارثة طبيعية" ليس مجرد مسلسل خفيف، بل عودة إلى الدراما النظيفة التي تبحث عن الإنسان قبل الحدث، وتُضحك المشاهد من قلبه، عمل يثبت أن الجمهور، مهما تغيرت اتجاهاته، ما زال ينجذب للصدق قبل أي شيء.