فاتن حمامة تطرق باب الثمانين

  • مقال
  • 04:44 مساءً - 29 مايو 2010
  • 4 صور



صورة 1 / 4:
فاتن حمامة
صورة 2 / 4:
فاتن حمامة وهى طفلة صغيرة
صورة 3 / 4:
فاتن حمامة
صورة 4 / 4:
فاتن حمامة

اكملت فاتن حمامةسيدة الشاشة العربية عامها التاسع والسبعين وتنطلق إلىالثمانين من عمرها المديد بإذن الله لتشع دائما إبداعا ونورا على حياتنا.
لست من أنصار حزب زمن الفن الجميل.. أقصد هؤلاء الذين دائما ما يبخسون حقالحاضر من أجل الماضي.. يعتقدون أن الجمال كأنه زرع ينبت في زمن ثم يتغيرالمناخ فلا تعد أرض الإبداع تطرح جمالا.. إنها بالتأكيد نظرة قاصرة جداتظلم الحاضر وتؤكد في نفس الوقت أن الماضي لم يكن يحمل بداخله جيناتالاستمرار أي إنه ماض عقيم غير قادر على الإنجاب وهذا بالطبع يتنافى معحقيقة الحياة.. لأن لكل زمن إيقاعه ومفرداته وقانونه ونجومه وأيضا جماله،إلا أنه تظل دائما هناك استثناءات، إنه الفنان الذي يعيش معنا في زمن ويظلمحتفظا بمكانته في زمن آخر.. الفنان الذي لا ننتظر منه حضورا مباشرا ليظلحاضرا.. هذا التوصيف يتجسد أمامي دائما في فاتن حمامة!! إنها الطفلةالصغيرة في فيلم « يوم سعيد» التي لم تبلغ التاسعة عام 1940 حتى وصلت إلىمسلسل « وجه القمر» في آخر ظهور فني لها قبل نحو 10 سنوات.. نعم طال زمنالغياب ولكن مثلما عرفها الناس وهي طفلة ونضجت معهم فإن غيابها لا يعنيأبدا أنها لم تعد تشغل مساحة في أعماقهم إنها لا تزال أيضا في القلب.. عرفالجمهور فاتن حمامة باعتبارها طفلة خفيفة الظل قادرة على الاستحواذ علىاهتمامه فكان الحب من أول لقطة فالجيل الذي شاهدها وهي طفلة كبر معهاوالأجيال التي لم تشاهدها أصبح لديها سجل كامل حافل بكل سنوات عمر فاتنحمامة.. إنها السينما عندما تحفر في ذاكرة الناس ملامح وأحاسيس تكبر معهممثلما هم أيضا يكبرون.. هذا هو ما حدث بالضبط مع فاتن حمامة، بالطبع لميطلب منها أحد التخطيط لذلك، ولا هي فكرت في أنه مع الزمن سوف تدعم تلكاللقطات، وهي طفلة مشوارها عند الناس إلا أن المؤكد أن وقوفها مبكرا أمامالكاميرا منحها حميمية ودفئا في كل لقاءاتها التالية مع الجمهور.

نعم، الطفلة لم تعد طفلة.. فقد أراد لها الناس أن تنمو بينهم سينمائيا..إن هناك مواهب أخرى تبرق في زمن الطفولة ثم يخفت بريقها ولدينا الأمثلةالكثيرة «شيرلي تمبل» الطفلة المعجزة، النموذج العالمي، « فيروز» الطفلةالمعجزة، النموذج العربي، لكن الناس في أحيان كثيرة تريد أن تثبت ملامحالطفل عند عمر محدد كأنه «دمية» لا تكبر.. هم يكبرون ولكنهم لا يريدونلهذه الدمية أن تكبر معهم بل تظل رمزا لطفولتهم!!.

فاتن حمامة هي نموذج للطفلة الاستثناء التي سمحوا لها بأن تواصل مشوارهامعهم وبنفس البريق، لأنهم اعتبروها فنانة من لحم ودم وليست مجرد حالةمرحلية وشاهد حي على زمن طفولتهم.. إنها واحدة من العائلة ولهذا بمجرد أنتعدت سنوات الطفولة واصل مكتشفها ( محمد كريم) مشواره معها لتشارك في بطولةفيلمه « دنيا» ثم قدمها « حسن الإمام» في أول أفلامه الروائية « ملائكة فيجهنم» وهي في الخامسة عشرة من عمرها ثم « اليتيمتين» بعده بعامين وتتواصلالرحلة مع الناس ولا تتوقف إلا لأسباب قهرية ولمدة لم تتجاوز 4 سنوات منعام 1966 إلى عام 1970.

فاتن حمامة هي حلم المخرجين من جيل نهاية الأربعينات والخمسينات.. وحتىجيل التسعينات.. مثل حسن الإمام، و صلاح أبو سيف، و هنري بركات، و كمالالشيخ، و يوسف شاهين، الذين تعودنا أن نطلق عليهم مخرجو العصر الذهبيللسينما.. وحتى تصل لجيل داوود عبدالسيد، و خيري بشارة من نجوم مخرجيالثمانينات والتسعينات، وكانت لها أيضا مشروعات لم تكتمل مع كل من عاطفالطيب و محمد خان و شريف عرفه.

كان محمد كريم هو مكتشفها في طفولتها عندما قدمها في «يوم سعيد» أمامالموسيقار محمد عبد الوهاب ثم وهي تقف على أبواب المراهقة في فيلم «دنيا»ثم بدأت مشوارها مع حسن الإمام وتجسد في فترة المراهقة مع فيلمه الأول«ملائكة في جهنم».. أما باقي المخرجين فإنهم جميعا كان حلمهم مع أولتجاربهم في فاتن حمامة.. وليس صدفة أن في أول أفلام يوسف شاهين « باباأمين» يفكر على الفور في فاتن حمامة.. وأول أفلام كمال الشيخ يصعد علىالفور اسم فاتن حمامة في « المنزل رقم 13» وعندما يريد صلاح أبو سيف أنيغير مساره الفني - أو بتعبير أدق - عندما يعثر أبو سيف على موجتهالسينمائية الصحيحة، وهي الواقعية، يجد على الفور أحلامه في التغيير تتجسدمع فاتن حمامة من خلال فيلم « لك يوم يا ظالم».

ثم مع عز الدين ذو الفقار هذا المخرج الذي نسج مع فاتن أجمل أفلام تاريخهوتاريخها أيضا.. حيث كانت مع تباشير البداية لعز الدين ذو الفقار وبعد عامواحد من تلك البداية في فيلم « خلود» عام 1948.

واللقاء بين عز وفاتن هو حالة خاصة.. إنه لقاء لا يعترف إلا بالنجاحالطاغي مثل « موعد مع الحياة»، « موعد مع السعادة»، « بين الأطلال»، « نهرالحب» وهو لقاء فني - أو التقاء فني - لم يتأثر إطلاقا بالطلاق والانفصالالشخصي الذي وقع بين فاتن وعز في منتصف الخمسينات.. بل إن «بين الأطلال»و«نهر الحب» وهما ذروة نجاح هذا الثنائي ثم إنجازهما بعد الانفصال!! فاتنحمامة هي صاحبة أعلى أجر بين نجمات جيلها وأكثرهن تحقيقا لإيرادات الشباكورغم ذلك لم تقع أسيرة لأرقام إيرادات الشباك فقد كان لديها دائما شيءأبعد من مجرد أن يحقق فيلمها أعلى الأرقام.. لم تصنع الأرقام حاجزا بينهاوبين أن تراهن على المجهول.

لقد استطاعت أيضا أن تقهر تلك الصورة الذهنية التي كانت هي الطابع المميزلمرحلتي الأربعينات والخمسينات وحتى الستينات.. إنها الصورة التي يتمتصديرها إلى الجمهور وترتبط بالفنان دائما في كل أدواره، عندما تراه تتجسدأمامك فورا تلك الصورة، وهكذا مثلا تجدها في مرحلة مبكرة جدا من عمرها فيمنتصف الخمسينات تلعب بطولة فيلم « طريق الأمل» لعز الدين ذو الفقار وتؤديدور «فتاة ليل» صحيح أنها ضحية قهر اجتماعي فرض نفسه عليها وتظل متعاطفامعها باعتبارها تنويعة درامية على شخصية «المومس الفاضلة».. إلا أنها ولاشك جرأة منها أن تكسر نمط الفتاة المثالية المنكسرة الملائكية في سلوكهامهما كان للمجتمع وللظروف الاقتصادية التي تعيشها من سطوة.. كما لعبت بعدبضع سنوات دور زوجة خائنة في «نهر الحب» لعز الدين ذو الفقار وحطمت للمرةالثانية الصورة الذهنية التي تسيطر على الفنان ولا تسمح له بالخروجعليها.. هذه الصورة تفرض ملامح محددة على الشخصية الدرامية.. والجمهورعادة لا يتجاوز الخط الفاصل بين الدراما والإنسان لهذا فإن فاتن التي جسدتكل قيم التضحية والوفاء في أفلامها لا يقبل منها الجمهور ببساطة أن يراهافي دور المرأة الخائنة.. صحيح أن السيناريو في فيلم «نهر الحب» كان حريصاعلى ألا يشاهد الجمهور اللقاءات مباشرة بين البطلين للدلالة على الخيانة..فرغم سفرهما ضمن أحداث الفيلم معا إلى بيروت إلا أن كلا من عمر الشريفوفاتن حمامة كان يقيم بغرفة منفصلة.. كما أن السيناريو حرص على أن يظلالجمهور متصاعدا في كراهيته ل زكي رستم (الزوج)، ورغم ذلك فالناس عادة لاترضى للبطلة التي يحبها أن تمارس حتى حقوقها الطبيعية، إنما يريدها دائمامثالية ملائكية لا تعرف شيئا اسمه الرغبات حتى المشروع منها فما بالكمبغير المشروع.. ولولا أن فاتن لديها كل هذه المصداقية ولولا أن عز لديه كلهذه الحساسية كمخرج لما استطاعا عبور هذا المأزق.

لم تتوقف فاتن عند جيل واحد من المخرجين.. لقد التقت بكل الأجيال بداية منرائد السينما المصرية الأول محمد كريم ثم تتابع مع مشوارها أحمد كاملمرسي، و بركات، وحسن الإمام لتصل إلى مرحلة هامة في مشوارها لتلتقي مع حسينكمال في « إمبراطورية ميم» عام 1972.. ثم بعد ذلك تلتقي مع سعيد مرزوق في« أريد حلا» وذلك عام 1977.. وبعد ذلك عام 1988.. في « يوم مر ويوم حلو» معخيري بشارة، ثم آخر أفلامها « أرض الأحلام» عام 1993 مع داود عبد السيد.

فاتن تعلم تماما أن النجم يتجدد من خلال عين جديدة للمخرج تكتشف شيئا أبعدمما يراه الآخرون.. وأعتقد أن فاتن بصمودها كل هذه السنوات باعتبارهاالنجمة الأولى في التوزيع الداخلي والخارجي أكبر دليل على أن القيمةالأدبية لفاتن حمامة كان لها مردودها المادي في أوراق شركات الإنتاجومكاتب الموزعين.. لأنه مع كل موجة سينمائية جديدة تقتلع هذه الموجة كل ماهو سائد وتنشأ قيم وقوانين جديدة ونجوم جدد إلا أن فاتن كانت هي الاستثناءفلقد حافظت على قانونها ففاتن في «أرض الأحلام» 1993 إخراج داود عبد السيدهي فاتن التي شاهدها الجمهور في «اليتيمتين» لحسن الإمام 1948.

عندما يقع اختيار أهل السينما على لقب «سيدة الشاشة العربية» ليمنحوه«فاتن حمامة» ويقع اختيار أهل الغناء على اختيار أم كلثوم«سيدة الغناءالعربي» وأهل المسرح يطلقون على يوسف وهبي «عميد المسرح العربي» وأهلالأدب على طه حسين «عميد الأدب العربي».. ألا يعني هذا دلالة ما؟ وهي أنهؤلاء في مواقعهم تجاوزوا حتى المنطقة الجغرافية والوطنية ليمتد تأثيرهمإلى كل عالمنا العربي.. ألا يعني هذا أيضا أن الزمن هنا منح أسماء هؤلاءدلالة أكبر من كونهم فنانين كبارا ليصبحوا رموزا دالة على الإبداع كله.

إنها الفنانة التي اختارها الجمهور والنقاد بإرادة حرة لتحمل لقب «سيدةالشاشة العربية».. لم تسع هي إلى ذلك ولكن عطاءها هو الذي حقق لها تلكالمكانة، وفي عام 1996 عندما أقيم أول استفتاء لأفضل مائة فيلم في تاريخالسينما المصرية حظيت فاتن حمامة بالمركز الأول ولها رصيد 10 أفلام..الوحيدة التي كانت تلاحقها في الأرقام هي سعاد حسني بـ9 أفلام.. الأفلامالعشرة حسب أسبقية عرضها جماهيريا هي « ابن النيل» ليوسف شاهين، «لك يوم ياظالم» لصلاح أبو سيف، «المنزل رقم 13» لكمال الشيخ، « صراع في الوادي»ليوسف شاهين، « أيامنا الحلوة» ل حلمي حليم، «بين الأطلال» لعز الدين ذوالفقار، « دعاء الكروان»، و« الحرام» لبركات، «إمبراطورية ميم» لحسين كمال،«أريد حلا» لسعيد مرزوق.

آخر ظهور لفاتن حمامة كان أثناء تكريمها في افتتاح «مهرجان دبي السينمائي»في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما منحها عبد الحميد جمعة رئيسالمهرجان درع تكريمها.. لم تحضر فاتن إلى دبي ولكن تم تصويرها في بيتهابالقاهرة.. كانت هذه الإشارة تحمل لي دلالة واضحة ومعنى مباشرا هو أن فاتنحمامة لم تعتزل الفن ولكنها لن تلتقي بالجمهور من خلال عمل فني تلفزيونيأو سينمائي فهي قد اعتذرت عن عشرات من الأعمال الدرامية طوال السنواتالسابقة، ولكن من الممكن أن نرى تلك العودة عبر فقط الميكروفون إذا وجدتمسلسلا إذاعيا يحرك بداخلها تلك الطاقة الكامنة وسوف تلعب البطولة.. فيهذه الحالة فقط ستعود فاتن حمامة إلى جمهورها.

فاتن حمامة، «كل سنة وأنت طيبة»، نقولها لها غدا وكل يوم!

وصلات



تعليقات