خالد يوسف يكتب : كنـــــا رجــــــــالة‏

  • مقال
  • 10:25 صباحًا - 24 يوليو 2010
  • 4 صور



صورة 1 / 4:
خالد يوسف مع يوسف شاهين
صورة 2 / 4:
خالد يوسف
صورة 3 / 4:
خالد يوسف
صورة 4 / 4:
خالد يوسف مع يوسف شاهين

من فينا لم يترب علي كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة مقولة حسن فؤاد والتي نطق بها العظيم محمود المليجي في تحفة يوسف شاهين الخالدة الأرض‏..‏؟ لم أكن أتخيل وأنا في صباي وأشاهد تلك اللقطة واستمع لهذه الكلمات أنها ستكون فيما بعد هي المشهد الأهم والأعظم تأثيرا في حياتي‏..‏وكي لا أطيل في المقدمات سأروي ما حدث‏.
‏كنت طالبا بالسنة الثالثة بكلية الهندسة وإبتدأ العام الدراسي بمعركة انتخابية شرسة بين التيار الناصري وكنت أحد قياداته الطلابية وبين التيار الديني وأسفرت عن فوزي برئاسة إتحاد الجامعة‏،وكان علينا ــ وقد واتتنا الفرصة ــ أن ندحض كل الأفكار المتخلفة والظلامية التي كرس لها التيار الديني عبر سنوات سابقة كان فيها هو الفائز برئاسة الاتحادات الطلابية وكان أول ما فكرنا فيه هو الاستعانة بكتائب ومدفعية وصواريخ هذا الوطن من أدباء ومفكرين وفنانين ينشرون النور يحاربون خفافيش الظلام‏ ، وكان علي رأس هؤلاء المخرج السينمائي يوسف شاهين‏..‏فذهبت إلي مكتبه برفقة صديق عادل لطفي كان له معرفة سابقة بالمخرج يسري نصر الله وكان يسري وقتها مساعدا لشاهين ولكم كان مدهشا لي أن يلبي طلبي في غضون دقائق قليلة وأجد نفسي وجها لوجه أمام شاهين بشحمه ولحمه‏،ويأخذني التأمل لبضع ثوان وهو يسلم علي وأدقق في عينيه لأجد عينا قناوي في باب الحديد بكل هوسها وجنونها وتطرفها ويستمر هذا اللقاء زهاء النصف ساعة وتواتيني الفرصة أكثر لمزيد من التأمل في عيني شاهين لأقرأ أبجديات الحزن المستقر والمقيم في داخل هاتين العينين ولأجد تفسيرا لها بعد سنين طويلة تربو علي العشرين من ملازمتي له تلميذا وإبنا وصديقا لا مجال الآن للغوص بها‏، ويوافق شاهين علي لقائه مع طلاب الجامعة وعرض فيلمه العصفور‏،وخرجت من لقائي بالأستاذ وتعتمل بداخلي مئات بل آلاف الأسئلة‏..‏ ما هذا الساحر الذي ما أن تلقاه لا يمكنك أن تشرد أو تسرح بعيدا عنه وعن عالمه‏..‏؟‏!..‏ ما هذه النظرات الأخاذة التي يطلقها من حين لآخر فيخترقك ويكشف ما بداخلك بكل سهولة ويسر‏..‏؟‏!..‏ ما هذه الرقة والعذوبة والإنسانية والتواضع التي يتحدث بها مع طالبين من الجامعة كان هذا أول لقاء له بهما‏..‏؟‏!‏ما هذه الدهشة الساكنة أعماقه والتي تحيل ملامح وجهه إلي ملامح طفل مندهش دائما برغم الصرامة والجدية الشديدة التي تقفز من عينيه‏..‏؟‏!‏أزعم أن الأسئلة التي سألتها لنفسي أو لصديقي عن هذا الرجل‏.

‏أزعم أن لدي الآن الكثير من الإجابات عليها‏..‏ولكن أيضا ليس هذا هو المجال للحديث عنها‏..‏ولكن ما أريد أن أحكيه اليوم هو ذلك الذي حدث يوم مجيئ الأستاذ للجامعة فقد رأت إدارة الجامعة والجهات الأمنية المنسقة معها أن هذا اللقاء قد يكون خطيرا وفي أقل التوقعات لقاء ليس مستحبا ولا يخدم أيا من أهدافهم فقد كان شاهين في ذلك الوقت ممنوع من دخول الجامعات ومعه زمرة من المفكرين والشعراء والأدباء وكان منطقهم أن نجاح حفنة من الطلاب أمثالنا في الانتخابات ليس معناه أن نفرض عليهم دخول هؤلاء غير المستحب سماع كلامهم لطلاب في عمر الفوران‏. لذا فقد قررت الجامعة منع هذا اللقاء وأبلغوني به مساء اليوم السابق للقاء حاولت الاتصال بالأستاذ في ذلك اليوم ولم أوفق‏..‏فما كان علي إلا الذهاب لمكتبه في الصباح الباكر للقائه لإبلاغه بما حدث‏..‏فما كان عليه إلا أن سألني عندك رجالة‏..‏؟‏..‏فبدت علي وجهي علامات البلادة و اللافهم‏..‏فاستطرد‏:‏ عندك رجالة يقدروا يقفوا وقفة رجالة‏..‏؟ قلت له نعم‏..‏قال إذن أنا سأحضر معك‏..‏ فقلت له والإدارة والأمن‏..‏؟‏!..‏فقال أنا تلقيت دعوة من الطلاب ولبيتها ولن تستطيع قوة أن تمنعني من لقائهم ما داموا هم يمتلكون الإرادة للدفاع عن قراراتهم‏..‏ولن أستفيض في حجم الدهشة التي علت وجهي وأنا أستمع لكلمات مليئة بفوران الشباب وجموحه بنبرة حماسة لا يمكن أن تكون لرجل قد تخطي الستين من عمره‏ ،‏وسأكتشف فيما بعد أن هذا الحماس وهذا الشباب ظل محافظا عليه وكان أكثرنا شبابا وتهورا وجنونا في الكثير من المواقف إلي أن وافته المنية وهذا أيضا له مجال آخر للحديث عنه‏.

المهم ذهب شاهين معي للجامعة في سيارته التي ما زلت أذكر تواضع نوعها ولونها الأبيض المرصع ببقع سوداء هي من أثر تساقط الدوكو من علي سطحها‏،‏وما أن وصلنا لباب الجامعة حتي هبط شاهين برفقتي ودخلنا البوابة مترجلين ومررنا أمام أفراد الأمن وما أن شاهدوا شاهين حتي أسقط في أيديهم فلم يتوقعوا أبدا هذا الاقتحام ولم يحضروا أنفسهم للتعامل مع هذا الإحتمال‏..‏ودخلنا‏..‏وإذا بآلاف الطلاب المتجمعين أمام القاعة التي أغلقت في وجوههم يجدون شاهين أمامهم فيتجمهرون حوله ويحملوه وتدوي الهتافات ترج أرجاء الجامعة لتجد إدارة الجامعة نفسها مضطرة لفتح القاعة ودخول شاهين ووراءه الطلاب ويعرض فيلم العصفور الذي تنتهي أحداثه بصرخة بهية هنحارب‏،هنحارب ويصفق الطلاب ويغنون مع الشيخ إمام‏:-‏مصر يا أمه يا بهيه‏..‏ يا أم طرحة وجلابية‏..‏الزمن شاب وانتي شابه‏..‏هو رايح وانتي جايه‏..‏جايه فوق الصعب ماشيه‏..‏فات عليكي ليل وميه‏..‏وإحتمالك هو هو وإبتسامتك هي هي‏.
ويجئ دوري لتقديم الأستاذ بعد هذا الحماس الجياش لأجد أن الكلمات التي كنت قد حضرتها لتقديمه لا يمكن أن تستوعب الحالة التي أراها وأشعر بها‏..‏كنت أنوي أن أقول عنه كلاما كبيرا وإذا بي لم أنطق إلا بعبارة واحدة قدمته بها‏..‏قلت‏:-‏إنه العصفور الذي ما زال يغرد برغم وجود محترفي إغتيال أصوات البلابل‏..‏إنه الأستاذ يوسف شاهين‏..‏

وصلات



تعليقات