678 .. بداية مقبولة لمخرج جيد وأداء استثنائي لممثل عظيم

  • مقال
  • 05:00 مساءً - 22 ديسمبر 2010
  • 6 صور



صورة 1 / 6:
محمد دياب مع نيللي كريم أثناء التصوير
صورة 2 / 6:
الكدواني في لقطة من الفيلم
صورة 3 / 6:
بشرى .. منتجة وممثلة
صورة 4 / 6:
ماجد الكدواني ونيللي كريم في لقطة من الفيلم
صورة 5 / 6:
بشرى وباسم سمرة في لطقة من الفيلم
صورة 6 / 6:
بشرى في "678"

أردتُ بدء المقال من نقطة تُتِيحُ لي - قبل كُل شيء - التأكيد على أن ماجد الكِدواني مُمثّل عظيم ، ووجدتُ الأفضل أن أنتهِي منها قبل أن أبدأ : ماجد الكِدواني مُمثّل عظيم . نقطة ومن أوّل السّطر .

العمل الأول للكاتب محمد دياب كمخرج ، يُظْهِر مُنذ اللحظة الأولى مُحاولته للوفاق بين شيئين ، الأول هو تقديم فَن مُوَجّه لنقد المُجتمع وعِلاج قَضيّة من خلال السينما ، والثاني هو الحفاظ على القيمة الفنية لفيلمه الذي يُظْهِر فيه تأثراً واضحاً - منذ اللحظة الأولى - بالمُخرج المكسيكي أليخاندرو جونزاليس إيناريتو والكاتب/المخرج الأمريكي بول هاجيس ، وتظهر مشاكل "678" واضحة حين تطغى النقطة الأولى تماماً على الثانية في بعض الأحيان ، وإن بقى في النهاية مُحتفظاً بعالم مُغلَق ذُو إيقاع داخلي مُتماسك بما يكفي لاعتباره فيلماً جيداً رغم كُل عيوبه .

يَعرِض الفيلم ثلاث قِصص لنساء من طبقات إجتماعية مُختلفة تدور كلها حول التحرّش ، فايزة ( بشرى) من طبقة اجتماعية تحت المتوسّطة ، تعمل موظفة بالشهر العقاري وتتعرّض للتحرّش في الأتوبيس بشكل يومي ، مما يؤدي لمشاكل نفسية عنيفة تؤثر على تواصلها الجنسي مع زوجها ( باسم سمرة) نتيجة لشعورها بالمهانة اليومية وعدم الأمان ، صبا ( نيللي كريم) من طبقة راقية ، تَحضر أحد مباريات المُنتخب المصري بصُحبة زوجها ( أحمد الفيشاوي) وتتعرض للتحرّش أمام عينيه ، وهو ما ينتج عنه تدهور العلاقة بينهم بسبب ابتعاده عنها بعد الحادثة لدرجة فقدها لحملها ، البنت الثالثة هي "نيللي رشدي" ( ناهد السباعي) وهي القصة الحقيقية لنهى رشدي صاحبة القضية الشهيرة كأول فتاة مصرية تحصل على حكم في قضية تحرُّش جنسي ، ويتناول الفيلم الضغوط الإجتماعيّة التي تَعَرَّضت لها من أجلِ التنازل عن القضية .

تقول القاعدة الفيزيائية الأبسط أن الضّغط يولّد - بالضرورة - الانفجار ، وهو ما يُحْدُث عند هُروب المُجتمع من مواجهة قضيّة كالتحرّش ، يَعتمد الأفراد على العنف لحماية أنفسهم ، يتحقّق ذلك حين تَطْعَن "فايزة" مُتَحَرَشاً بها في عُضوه الذكري ، ثم تكرر الفعلة مرة ثانية وثالثة ، بشعور يتزايد بالانتقام ، مما يؤدّي لتدخُّل الدولة في محاولة لحفظ الأمن (!!) عن طريق الظابط عصام ( ماجد الكدواني) ، ﻷن أعضاء المُتَحَرش التناسليّة أهم عندَ الدولة ربما من كَرامة هؤلاء السيّدات ، قبل أن يصل الفيلم إلى نقطة مُضِيئة حين تستمر نيللي/نُهى في قضيتها ، وتحصل على الحُكم القضائي الأول ضد التحرّش وصمت المُجتمع .

دياب يبدأ وينتهي عند نُقطة التحرُّش ، ورغم امتلاكه لساعتين إلا ثُلث يتناول فيهم قصّته ففي أحيانٍ كثيرة يتعرض للقضية والشخصيات من على السطح ، خصوصاً في مُحاولة رَبط كُل مشاكل المجتمع بالتحرّش رغم أنه نتيجة بأكثر كثيراً مما هو سبب ، ولكنه لا يتناول الأسباب أو يحلّلها بقدر ما يصل للنتائج الأبسط ، ويُبالغ أحياناً في تناول الأمر ليُزِيد من أثر قضيّة كبيرة في ذاتها ولا تحتاج للمبالغة ، أزعجني كثيراً مثلاً مشهد يعجز فيه الأب عن دفع مصاريف مدرسة أبناءه التجريبية فيخبر الأم أن ركوبها للتاكسي عوضاً عن الأتوبيس الذي تتعرض فيه للتحرّش هو السبب، الرّبط ساذج ولا علاقة له بواقع تِلكَ الطبقة ، كذلك تعرُّضه لعائلة نِيللي التي ترفض قضيّتها رغم أن القصة الحقيقية كان الأهل فيها داعماً رئيسياً لابنتهم ، أو نظر سائق التاكسي في المرأة لـ"فايزة" بشهوانية عند ركوبها معه، وغيرها من مُبالغات (كادت) أن تَخْنُق الفيلم ، خصوصاً مع حِوار هو أسوأ ما في العمل ، يَنْتَهِج المُبَاشرة والتوجيه على مدار الأحداث ، وتبدو فيه الشخصيات أحياناً جزءً من برنامج أو حملة توعيّة بأكثر من كونها شخصيات طبيعيّة .

ورغم ذلك فهو فيلم مقبول جداً ، ﻷن طموح دياب الفني يَسْنِد أفكاره أحياناً ، بدءً من اتخاذ أحد المَشاهد كنقطة مركزية تتلاقى عندها الأحداث - تأثراً بالفيلم المكسيكي Amores perros لإيناريتو - ، ليخلق من خلال ذلك عالماً مُغلقاً حول قضيّته تبدو فيه المدينة أصغر كثيراً من حقيقتها - تأثراً بـ Crash لبول هاجيس - مما يسمح لشخصياته بالتلاقي دون افتعال ، خصوصاً مع امتلاكه سيناريو مُتماسك بعيداً عن لحظات "الزّعيق" فيه ، وينجح - كمخرج - في الإضافة إليه حين يَخْلِق إيقاع مُميّز يجعله مُمتعاً في مُُشاهدته رغم قتامته ، وهو كذلك فيلم جيد ﻷن دياب امتلك مُمثلاً كماجد الكدواني واستطاع أن يُدِيره إلى أفضل أداء في مسيرته .

ماجد الكدواني يُحرّر الفيلم من سِكُونه ويعطيه روحاً مُختلفة منذ لحظة ظهوره الأولى ، يُمسك بكل مُفردات الشخصية الخارجية والداخليّة ، ويبدو واضحاً محاولته لتجاوز التناقض بين مسئوليته وبين تعاطفه مع الفتيات ، لا أذكر أنني شاهدت منذ فترة طويلة في السينما المصرية أداءً يحمل كل تلك التلقائية والسلاسَة ، ولا أذكر ممثلاً التقط "تون" شخصيته وحافظ على الخط الفاصل والدقيق جداً بين الدراما/الكوميديا فيها بقدر أداء الكدواني في هذا الفيلم ، دور عظيم وأداء هو الأفضل لممثل مصري في 2010 .
إلى جانب ذلك ، هناك أداء ممتاز وناضج جداً من "بشرى" ، جيد ومُقنِع من ناهد السباعي ، مُفتعل من نيللي كريم ، مُبالغ فيه من باسم سمرة ، ولا يتجاوز العادية لأعلى أو ﻷسفل من أحمد الفيشاوي .

تماماً كأغلب التجارب الأولى ، يحاول دياب أن يقول كل شيء من خلال فيلمه ، ليبدو مُرتبكاً أحياناً ومباشر جداً في أحيانٍ أخرى ، ورغم ذلك فهو عمل يُبَشّر جداً بمخرج جيد ، سيحمل في القادم أفضل مما حمله في فيلمه الأول .

  • التقييم : 5.5 من 10


تعليقات