الممثلون الحقيقيون نوعان، نوع موهوب ينتظر أن تأتيه فرصة جيدة، ليستعرض موهبته، من خلال دور مكتوب جيداً، أو مخرج عبقري يتمكن من إخراج أقصى طاقاته، أو لحظة تألق تبرز موهبته، أما النوع الآخر فهو نوع عبقري، يستطيع أن يمنح الدور، أي دور بعداً جديداً من خلال موهبته الفذة - بالطبع أتحدث هنا عن الفنانين الحقيقيين أصحاب الموهبة، لا المدعين ولا المزيفين -، و جورج كلوني خليط غريب من هذين النوعين، إن كان أكثر قرباً من النوع الأول.
واتته الفرصة في فيلم Up in the Air فقدم دوراً مبهراً عن شخصية رجل مهنته ابلاغ الناس بفصلهم من العمل وتأهيلهم للرحيل ، وإنقلاب حياته نتيجة قرار إداري بإستخدام التكنولوجيا الحديثة في إبلاغ الناس، ليكتشف صناع السينما في هوليوود تلك المنطقة المبهرة في أداء كلوني، والتي تتمثل في تقديم ذلك الصراع النفسي الذي يعتمل الشخصية، ما بين نجاح وفشل، ما بين حب وجرح، ما بين عطاء وخيانة، ليكون أحد أفضل ممثلي السينما الأمريكية في تلك النوعية من الأفلام.
و في فيلم الأحفاد ومن خلال قصة حريرية تتحدث عن زوج لاه بعمله مشغول عن بيته، تصاب زوجته في حادث، فيقرر بعدها أن يعود للبيت، وأن يعطيه ما يستحق، لكن بعد فوات الآوان، حيث يكتشف أن زوجته لن تعود للحياة من الغيبوبة، ويزيد الطين بلة أنه يكتشف أنها كانت تخونه، ليقدم جورج كلوني Concerto Solo ، أو عزف منفرد على وتر شخصية معذبة ممزقة، ما بين إستعادة ابنتيه التي كادت إحداهن أن تصل للإدمان في مرحلة المراهقة، وما بين رغبته في الإنتقام كزوج مخدوع، وما بين إدارته لأكبر صفقة عقارية في بلدته، وخلال ذلك يقدم master seen مرتين في الفيلم، خلال معاتبته لزوجته الراقدة في غيبوبة وكأنها ترد عليه، وخلال لقائه بعشيق زوجته في بيته بصحبة أطفاله، في أداء هو الافضل لكلوني على الإطلاق، مما يثير الدهشة والحنق لعدم فوزه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل هذا العام، خاصة وأن الجائزة اتجهت لـ جان دوجردان عن فيلم " الفنان" بسبب عظمة الفيلم وليس أداء الممثل.
استحق جورج كلوني الأوسكار ولم تذهب له، ولكنه قدم فيلماً عظيماً يبقى كثيراً في مخيلة مشاهديه، وتسكن روحهم رسالته.