Hercules.. هرقل الزناتي!

  • مقال
  • 12:44 مساءً - 14 اغسطس 2014
  • 1 صورة



Hercules, 2014

[Hercules، أو Heracles أي "مجد هيرا".. ويسميه البعض Alcides، وعَرّبه العرب: هِرَقل]

***
"كان هرقل لا يخشى شيئًا من خصومه العجماوات، بل كان يقبل على محاربتها بثغرٍ بَسّام وقلبٍ طروب، فلا يدعها حتى يلقيها على الأرض معفرة بالتراب! وخشيته الحيوانات جميعًا، فكانت تجفل من طريقه كلما رأته مقبلًا نحوها، لطول ما جربت من بطشه وشديد بلائه! ولم يبرح ينصر الفضيلة أنَّى سار، ولم تبرح الفضيلة تمشي في أثره أيان ولى، حتى ضاقت الدنيا بهيرا ولم تحتمل هذا الغار من المجد يكلل هامة خصمها العظيم."

دريني خشبة، أساطير الحب والجمال

***

لطالما كانت أسطورة البطل الإغريقي هرقل سليل الألهة الذي لا يشق له غبار مَعِين لا ينضب للسينما والتلفزيون، ينهلان منه ببذخ ليقدمان أعمالًا مُسلية للجمهور لكن بلا أية أصالة أو جودة حقيقية. لم يستطع أي فيلم قام بتناول الشخصية حتى الآن أن يفيها حقها ولا أعلم لماذا. الفيلم الجديد Hercules لبطله دوين جونسون يسير على نفس النهج.. فلا تُمني نفسك بعملًا فائقًا، فالتناول هنا هزلي إلى درجة كبيرة.

كمقدمة لابد منها يجب سرد معلومة مهمة بالتأكيد يعرفها الكثيرون. الفيلم المصري الشهير شمس الزناتي للمخرج سمير سيف والذي أنتج عام 1991 مقتبس عن الفيلم الأمريكي السبعة الرائعون The Magnifecint Seven، الأخير مُقتبس بدورة عن الفيلم الياباني الساموراي السبعة Seven Samurai للمخرج أكيرا كوروساوا الذي أنتج عام 1954. فيلم Hercules هو خليط من الأفلام الثلاثة السابقة، ورغم أنه أقلهم فنيًا - حتى من النسخة المصرية - إلا إنه مُطّعَم بالعديد من النِكات التي تجعل منه على الأقل فيلمًا مُسليًا خصوصًا في نصفه الثاني.

لكن إذا كنت تعد نفسك لمشاهدة عملًا يستعرض المجازفات الخارقة الإثنا عشر لهرقل فلن يكون هذا هو العمل المناسب لك، فالسيناريو تنويعة Spin off على أسطورة هرقل من منظور مغاير تمامًا. ربما كانت إعلانات الفيلم خادعة للغاية - وهي كذلك بالفعل - خصوصًا مع تركيزها على معارك البطل الشهيرة مع سبع نيميا وخنزير غابات إرمنثيا والهيدرا الليرنيانية ذات السبعة رؤوس، في الواقع سترى كل هذه المجازفات في أول خمس دقائق في الفيلم (لا مزاح هنا)، أما باقي الساعة ونصف التي هي مدة عرض الفيلم فتعرض قصة مختلفة تمامًا. هنا ستقابل سامبو، وسلامة الطفشان، وجعيدي، وسبرتو وكل الشخصيات التي أحببتها في النسخة المصرية من الساموراي السبعة، بما فيهم شمس الزناتي الذي هو هرقل ذاته!

هرقل في الفيلم مُرتزق، محارب لا يشق له غبار يؤجر مجهوداته للأخرين مقابل الذهب (وهي أولى النِكات)، وهو هارب من ماضِِ غامض وذكرى شبحية مبهمة قتل فيها زوجته وأطفاله الثلاثة. يهرب هرقل من موطنه ويهيم في أراضي اليونان وينضم له محاربون أخرون من أصول مختلفة. أتلانتا، مقاتله أمازونية تجيد الرمي بالسهام.. أمفيريوس، عرّاف يعلم ميعاد موته لذا لا يخشى شيئًا.. إيولوس، قصاص المجموعة وناسج أساطيرها.. تيديوس، طفل آبد لا يستطيع الكلام عثر عليه هرقل هائمًا بين الموتى يشب ليُصبح مُحاربًا مسعورًا.. وأخيرًا أوتوليكس، لص محترف وصديق هرقل المقرب الذي يحارب بالسكاكين. سويًا يكونون عصبة من القتلة المأجورين يقودهم هرقل، وينسج إيولوس الأساطير المختلفة حول قائدهم الضخم ليقذف الرعب في قلوب أعدائهم ليهزموهم قبل دخول أي معركة من الأساس، فمن ذا الذي ستحمله قدماه ليواجه ابن زيوس الذي قتل سبع نيميا الهائل، وحرر برومثيوس من عذاب الرُخ الأبدي، وأباد طيور ستيمفالوس ذوات المخالب النحاسية، وساعده أطلس في الحصول على تفاحات الهسبريد الذهبية.

الفيلم هزلي جدًا ويحمل جرعة عالية من الكوميديا، كما يضم أيضًا تتابعات معارك عديدة جيدة التنفيذ، يأتي هذا في وقت لم يعد من السهل إبهار الجمهور بأي شيء من كثرة ما شاهد. اعتمد تنفيذ المعارك في الفيلم على الابتكار وليس على ضخامة المشاهد التي اعتادها الجمهور في السنوات الأخيرة منذ ظهور الجزء الثاني من ثلاثية سيد الخواتم، هذه نقطة تحسب للفيلم، فعندما لم تكن هناك إمكانية لتقديم معارك جبارة نظرًا لميزانية الفيلم المحدودة نسبيًا (100 مليون دولار ذهب منها 20 مليون دولار أجرًا لدوين جونسون)، جائت الاستعاضه عن الضخامة في التنفيذ بخلق تتابعات مبتكرة للغاية.

المشكلة الرئيسية في الفيلم هو تضليل المُشاهد بمقدمات إعلانية جعلت ترقبه يذهب كاملًا في إتجاه أنه سيشاهد أسطورة هرقل ومجازفاته كما وردت في كتب الميثولوجيا الإغريقية، وفي دار العرض يُصدم من اللحظة الأولى حين يقتل المخرج هذا الأمل بداخله، فيفقده الفيلم مبكرًا جدًا مما يجعله عاجزًا عن الاستمتاع بخفة الظل التي تغلفه، فكل شيء من وجهة نظره سيكون مزهودًا فيه. لو تم التركيز على أن الفيلم تنويعة كوميدية بعض الشيء لتيمة العظماء السبعة لكن الجمهور قد ذهب وهو مهيأ نفسيًا بشكلٍ أفضل.. لا يمكن أن إغفال أهمية عنصر التقبل بهذا الشكل وألا يغرس له صناع العمل مُسبقًا من خلال مواد الدعاية، لأن هذا يضر بالفيلم جدًا، وهو ما حدث هنا بشكلٍ كامل.

بعض الأدوار كانت جيدة جدًا وخصوصًا دور العراف الذي جسده الممثل البريطاني إيان ماكشين، فهو الوحيد الذي ستخرج من دار العرض وعباراته لا تفارق عقلك، وستضحك كثيرًا معه. دوين جونسون لم يقدم جديد لدور هرقل وقام بتناوله بنفس الطريقة النمطية التي تناوله بها كل من قام بالدور من قبل، عن طريق العضلات المفتولة والجسد الحديدي والأداء البارد، ربما باستثناء الممثل كيفن سوربو الذي قدم هرقلًا خفيف الظل في المسلسل الشهير Hercules: The Legendary Journeys الذي حظى بشعبية كاسحة في مصر في فترة التسعينات.

الأمر الغريب أن أكثر ما سيمتعك - كمُشاهد مصري في الأساس - هو المقارنات التي لن تنفك عن عقدها بينك وبين نفسك طيلة مدة المُشاهدة، من حيث التشابه الشديد بين شخصيات هرقل وجماعته وعصابة شمس الزناتي.. وستجد إيفيهات سامبو وجعيدي والطفشان وغيرهم تتداعى إلى ذهنك بشكل لا واعي مما سيضاعف تلقِّيك لجرعة الكوميديا.. وهو الأمر الوحيد تقريبًا الذي سيجعلك تخرج من دار العرض وأنت تشعر ببعض السعادة و(التهييس) إذا جاز التعبير، خاصةً إذا شاهدت العمل مع أصدقائك.. فيما عدا هذا فالفيلم إجمالًا غير مهم ولا يحمل أي تميز من أي نوع، وستنساه بمجرد خروجك من دار العرض.. وإذا لم تكن من مُحبي شمس الزناتي، فلا أنصحك بمشاهدة الفيلم.



تعليقات