العلبة دي فيها فيل.. أزرق!

  • مقال
  • 04:23 مساءً - 2 سبتمبر 2014
  • 1 صورة



العلبة دي فيها.. فيل

إذن فقد حان الوقت كي تُنسب الأعمال لأصحابها، لا يهتم الرأي السائد بعناء لينين الرملي كما يصفقون لـ صبحي، يُجهِد نادر عبد الله ذهنه ويقال أن كلمات وائل جسّار رائعة! فمن المثير للاهتمام أن يشير الجمهور إلى ( الفيل الأزرق) على أنه فيلم أحمد مراد، وأنه فيلم مروان حامد، وليس فقط فيلم كريم عبد العزيز الجديد. هذه مسألة صحية صحيحة لا تحدث كثيرا، إلا في حالة مثل يوسف شاهين الذي يعرفه كل الناس لأن شخصيته الجبارة تهيمن على كل عناصر الفيلم. والمشاهد معذور طبعا، فهذا فعلا (فيلم ياسمين) لأن الإنتاج مسخّر لهزارها في السوبر ماركت وتجنيد الذكور للتخديم على دورها، وذاك حقا هو (مسلسل عادل إمام) لأن مؤلفه الملّاكي ينتظر الإرشادات ويكتب بالأمر المباشر.

نقطة أخرى شديدة الأهمية، هي إنتاج أشياء باهتة سمجة مكررة بحجة التكلفة العالية لأفلام الــماورائيات، بينما تجد شباب الإعلانات يبرعون في الأفكار والسيطرة على أدوات الجرافيك بمهارة لخدمة أكياس البطاطس المقلية، والحقيقة هي ضعف المكتوب، وكسل المخرج المنفِّذ، وتكريس المال لملابس الفنانات وتي شيرتات أحمد عز والامتثال الوديع لأوامر هنيدي و السقا. طبعا الإنتاج هنا شديد الضخامة، لكن كنوز جود نيوز لم تجعل الناس تحب " حليم" و" ليلة البيبي دول" بالعافية، وستدرك بسهولة أن الفضل الأول لنجاح العمل يعود إلى نجاح الرواية التي كتبها مؤلف شاب في حجرة منزله القديم بالسيدة زينب على رزمة ورق لا يتجاوز ثمنها قيمة تذكرة واحدة تدفعها عن طيب خاطر لتشاهد صافيناز وهي ترقص في أحد اﻷفلام!

ليس من الضروري أن تعجبك الرواية، ومن حقك أن تمصص الشفتين متمتما (أرزاق!)، لكن الشاهد هنا أنه بمقدورنا خلق شيء من لا شيء، أن نحيي الحراك الثقافي والفني برمية حجر في قلب الركود الآسن لبركة عفنة بدوامات لا تنتهي من مسلسلات ابن البلد البلطجي والمعارك الحريمي وأثداء أطاطا واكسسوارات غادة عبد الرازق، فأرجو ألا تستخف بالفيلم قبل أن تشاهده لمجرد أنك (سمعت) عن قصة الجن والمجنون الملبوس، فأنا وأنت نعرف أنك لا تجلس الآن في قصرك الذهبي تقرأ شكسبير على أنغام فيروز، هذا التعنّت قد أوردنا موارد التهلكة كثيرا من قبل. يهاجمون الأفكار الجديدة لـ خيري بشارة ترحما على زمن الكلاسيكيات فلا طُلنا هذا ولا ذاك وانتهينا إلى مغامرات علاء مرسي في الصرف الصحي. حلمي بكر يبكي على الأطلال ولا يقدم أي جديد سوى ظهوره في البرامج ليسب الملحنين الجدد، لا هو أخبرنا بالمفروض ولا هو عايز رحمة ربنا تنزل، فاختفى حميد الشاعري ورفاقه بأغانيهم البريئة الخفيفة ولم تظهر من العدم تلك الروائع التي يتمناها بكر، فأرجو أن يخبرنا بحكمته العظيمة عن كيفية التخلص من أنشودة الشبشب الذي ضاع مع إنه كان بصباع!

هذه النصيحة طبعا موجَّهة للنقاد في كل مكان، الرجاء يا سادة أن تقوموا بعملكم كما ينبغي، علينا أن نحتفي بالتجربة وبأصحابها بكل ما لدينا من فكر، فلا الهجوم غير المبرر يفيد، ولا التهليل بروعة الفيلم وعبقرية المؤلف وشطارة المخرج، كل هذا تطرف مرزول لا طائل من وراءه إلا سد خانة عواميدكم في الصحف. الناقد الحصيف يشجّع العمل المبشّر حتى لو لم يعجبه، ثم يبدأ مهنته الفعلية وهي فرز عناصر الفيلم ومتابعة ردود الأفعال ومقاربة ظروف الإنتاج وربط كل هنا بالمناخ الحياتي للجمهور وطرح أفكار لتكرار العمل إن كان جيدا، أو تحديد عيوبه إن كان ثمة أمل، أو رفضه بحجج منهجية مقبولة وواضحة. أما أن يكتب ناقد كبير صفحة ونصف في مجلة حكومية عن عظمة الفيلم وأنه الأروع خلال عقود كاملة، فهذه آراء عامة أرجو أن يتركها لبقية الناس في الشارع وعلى الفيسبوك، ما دام لا يجد أي نقد فني يقوله، وليلتزم بحقه كمواطن في قوله رأي مختصر ظريف: فيلم جميل أو فيلم بشع. أنت ستدفع في المجلة عدة جنيهات لتقرأ تفاصيل مهمة تجعلك تفهم السينما وتحبها، ومن حق مراد ومروان أن يعرفا ما لهما وما عليهما، فلا يغضب أحد فيما بعد إذا عرج أحدهما على أعمال سهلة أو كرر نفس الأخطاء إن وجدت هنا. إذا استمرت الحالة النقدية بهذا الشكل العشوائي فسوف يبقى الحال على ما هو عليه، فلا تقدّم ولا يحزنون، وعلينا أن نختار ما بين أفلام السبكي أو أفلام المهرجانات التي يقول عنها الجميع أنها فاخرة ومهمة لكن لم يشاهدها أحد سوى تلاميذ المخرج وهواة المنتديات المجانية.

قبل أن تنتظر رأيي النقدي في الفيلم نفسه، أخبرك أن الذي تقرؤه هنا هو مناقشة عامة، وإشارة إلى قضية محددة هي: كيف يجب أن نتداول الأفلام. وهذا يعيدنا إلى رأس المقال، ويجعلك تفكّر في صندوق بندورا الذي تحمله في رأسك، وليس بالضرورة أن تنفجر منه شرور العالم، لكن الأفكار بطابعها الإبداعي هي مبتدأ كل مشروع ناجح، لا العبث الفوضوي بالبركة. مراد خدمته الظروف وعناية الشروق به، صحيح، لكنه في الأصل شاب موهوب نشيط ومنظم، هذه الصفات هي ما يجب أن يُحتذى به وليس حشر الهلاوس والعفاريت والعاريات في الروايات بتقليد أعمى وقاتل.

لا تستخف بقدراتك أبدا، ولا تغرّنك الظروف العاصفة، ولك في "عصفور قمر الدين" أسوة حسنة، وهو دور الفنان الراحل عبد المنعم إبراهيم في فيلم ( سر طاقية الإخفاء)، الشاب النحيل البائس الذي تخدمه معجزة بطاقية صغيرة تمنحه طاقة خرافية تحقق الأحلام، يعرف في النهاية أنه قادر على كل هذا بالشجاعة والإيمان، ويتلقى عبرة مريرة عندما يهينه غريمه توفيق الدقن على مرأى ومسمع من أهل الحارة، حيث يجبره بحيلة شيطانية على الهتاف بين الخلق: (العلبة دي فيها فيل!)، والحق أن روحك حافلة بالكثير، ورأسك علبة تسع أفيال! هذا الفيلم أذكره هنا لأننا بدأنا بألا نبخس الناس أشيائهم وانتهينا بكسل بعض النقاد، إذ روّج بعضهم لمعلومات غريبة تفيد أن هذا هو أول فيلم من هذه النوعية genre ، طبعا هذا كلام فارغ، فالفيلم الفانتازي موجود من أيام "عصفور قمر الدين"، ولا هذا ولا ذاك ينتمي للخيال العلمي كما ذكر أحدهم، هذه آراء بائسة تجعلك تشعر باليأس فعلا.

هذا العجز النقدي واجهته رواية مراد من قبل وكان لابد أن تكون روايته التالية بهذا المستوى، فلا يوجد أي تحليل شامل أمين، هناك من تحمس ودافع عنها لدرجة التقديس، ومن نظر إليها في تقزز لمجرد أن هذا النوع من الأدب لا يروقه، وهناك من كرهها لدرجة الموت لا لشيء سوى أنه يستخسر على شاب في عمر مراد أن يُرشح للبوكر، كلها آراء انفعالية غير مهنية ولا تراعي فروق التوقيت.

المفارقة هنا هي أن الجمهور هو من بدأ يقوم بدور الناقد النائم على أذنيه، فأصبح يناقش الأضواء والأزياء وتعبيرات الممثلين، طبعا هذا رائع، لكن أرجو ألا يقتلون مراد ومروان بالتصرفات غير المحسوبة، فليس من واجبنا القومي أن نجعل (الفيل الأزرق) ضمن أفضل 250 فيلم على موقع IMDB، فهو لن يكون هناك بدافع حماسنا الشعبي المعروف (سأفترض حسن النوايا وأستبعد اللجان الإلكترونية النشيطة التابعة لمراد والشروق)، دعك بالطبع من أننا لن نضحك على الأجانب بالحركات البلدي إياها، لقد اكتشفوا الحيلة فورا وعلقوا بسخرية على صفحة الفيلم: "إن المصريين يعطون الفيلم تقييم 10 من 10 بالآلاف قبل حتى أن يشاهدوا الفيلم!"، وطبعا هذا الكلام استفز الجبهة المعادية من كارهي مراد، فحاول أصحابها إثبات أن اللعبة يلعبها اثنان، وهكذا، ضغط مستمر بنقاط ضعيفة.

لن يصبح الفيل الأزرق ضمن أبدع أفلام الكون، وليس من المطلوب أن نحمّله فوق طاقته، وفر على نفسك العناء في الدخول على هذه الأفلام الأروع وشاهدها لتتعلم وتفهم. أبطال الفيل الأزرق أمام الكاميرا وخلفها يكفيهم حبك للفيلم. أما الرأي التحليلي لعناصر العمل فأعدك أن أكتبه قريبًا إن شاء الله وكنا من الأحياء.



تعليقات