Interstellar: إعادة توزيع ناقصة لأوراق اللعب

  • مقال
  • 06:09 مساءً - 20 نوفمبر 2014
  • 1 صورة



ماثيو ماكونهي وماكانزي فوي في مشهد من Interstellar

بداية، وبشكل شخصي، أنا لست من محبي أفلام كريستوفر نولان على غرار الكثيرين، ولدي مشكلة كبيرة مع الطريقة التي يصوغ بها نصوصه السينمائية، فهو يشبه إلى حدٍ بعيد لاعب ماهر يصر على أن يضع كل أوراق اللعب الخاصة به في خانة واحدة، وعلى الرغم من أن طريقته في اللعب تلك تساعده بالفعل على الفوز، إلا أنه على المدى البعيد قد ينقلب السحر على الساحر في أي وقت، وعلى نحو قد لا يتوقعه نولان نفسه.

الخانة التي يحرص نولان على المجازفة بكل أوراقه عليها كل مرة هي خانة الفكرة، والتي يحرص أن تكون مركبة وجذابة في الوقت ذاته، ويعمل مرة تلو المرة على تسخير كل عناصر الفيلم لصالح فكرته، وللدرجة التي تصل به إلى لي عنق المنطق وأي شيء آخر في سبيل ذلك، واختلاق الكثير من المنعطفات الدرامية التي لا لزوم لها في سبيل أن تظهر فكرته على النحو الذي يبتغيه وينتظره منه جمهوره المخلص، وربما كانت أكثر الأمثلة وضوحًا في تطرفها The Prestige و Inception و The Dark Knight Rises.

بالنسبة لفيلم Interstellar المرتقب منذ فترة ليست بالقصيرة، فقد أمضى الفيلم سنوات تحت الإعداد في "المطبخ" السينمائي منذ أن كان مجرد فكرة قائمة على نظريات البروفيسور كيب ثورن العلمية، مرورًا بحماس ستيفن سبيلبرج في البداية لإخراج الفيلم الذي كتب له السيناريو جوناثان نولان قبل أن يغير رأيه لاحقًا، ليؤول الأمر في النهاية إلى كريستوفر نولان لكي يتولى المسئولية كاملة كمخرج.

المدهش في الأمر أن الفيلم في نصفه الأول كان مبشرًا إلى أقصى حد بعمل سينمائي مختلف وأكثر نضوجًا على الصعيد الدرامي مما كان يقدمه نولان من قبل، وكان يبدو أنه قد قرر هذه المرة أن يعيد توزيع أوراق اللعب من جديد، وأنه لن يبذر كل رهانه بالكامل على الفكرة، فهو يمنح فيلمه على غير العادة أساس درامي بالغ المتانة، خاصة فيما يتعلق بعلاقة كوبر ( ماثيو ماكونهي) بابنته مورف (ماكانزي فوي/ جيسيكا تشاستين)، والتي يحافظ على قوتها الدرامية حتى النهاية رغم كل مشاكل النصف الثاني، ويصير معها دافع كوبر للانتهاء من رحلته الطويلة والعودة هو دافع صادق، وليس دافع مُعلب ومسبق التحضير، وتظل كل تفاصيل علاقتهما حاضرة في الأذهان حتى بعد انتهاء الفيلم.

نقطة آخرى تستحق التقدير، وهى نظرة نولان للعالم المستقبلي الذي يرسمه لفيلمه، ومثلما فعل سبايك جونز العام الماضي في فيلمه المتميز Her، فهو يحرص أن يكون هذا العالم قريبًا للغاية من الواقع الحالي في عام 2014، ويرتكز فيه على مشاكل محورية تشكل هذه الأيام أشياء مؤرقة وتدور حولها العديد من النقاشات فعليًا، فعلي سبيل المثال، إذا كنت من المتابعين لمجلة National Geographic في الأشهر الأخيرة، وتابعت الملف المسلسل (مستقبل الغذاء)، ستكتشف مدى جدية وإلحاح مسألة التفكير في تأمين الغذاء في العقود القادمة، والتي يتخذها الفيلم من إحدى منطلقاته للمستقبل الذي نشهد وقائعه خلال الأحداث.

مشاكل الفيلم تبدأ في الظهور في الأفق بعد انطلاق كوبر في رحلته ذات الملامح الأدويسية التي لا تخطئها الذاكرة المعرفية، وخاصة في النصف الثاني من الفيلم، حيث يبدو فيه أن نولان قد تراجع عن طريقة توزيع الأوراق المختلفة التي انتهجها في النصف الأول رغم أنها كانت السبب في تفوق ما قدمه، وعاد لطريقته المعتادة والمفضلة في اللعب، والتي يبدو أن جمهور نولان المخلص كان ينتظرها بحرارة بالغة، حيث يخلق عدد من التشعبات الدرامية الفرعية التي تنحرف بالفيلم عن مساره المفترض وتشتته، وربما كان المثال اﻷكثر وضوحًا على ذلك هو الخط المتعلق بالدكتور مان ( مات ديمون) الذي يقتطع من وقت الفيلم جزء لا يستهان به وكان من الممكن استغلاله على نحو أفضل دراميًا.

مشكلة آخرى لا يزال نولان مصرًا عليها حتى الآن، وهى أنه يحب أن يغرق فيلمه بالكثير والكثير والكثير من الحوارات النظرية، لدرجة قد يكون معها المشاهد في أمس الحاجة لأن يكون في يده جهازًا للتحكم عن بعد لكي يوقف الفيلم بين الحين والآخر لكي يستوعب ما قد قيل للتو، ثم يستكمل الفيلم مجددًا، وما لا يعيه نولان أن كل هذا الكم من الحوارات والتفاصيل الصغيرة التي تعتمل بين السطور قد يكون فوق طاقة الكثير من المتلقين، وقد يُشعر بعضهم بأنهم أغبياء، أو أن المستوى الفكري للفيلم أعلى منهم، وهو بالتأكيد شيء غير مستحب خاصة للجمهور العادي.

على الصعيد الإخراجي، يبدو أن نولان يحاول أن يكون مختلفًا - ولا يشترط ذلك أنه يعني التميز - في منهجه البصري لتقديم عالم الفضاء إلى المشاهدين، لكن ذلك أوقعه في عدة مشاكل فنية، أولها إصراره العنيد على كادرات تصوير ثابتة تتكرر أكثر من مرة طوال الفيلم لحد الملل، مثل المشاهد المٌصورة من جانب السفينة الفضائية، وثانيها هو حصره للأبطال معظم الوقت داخل السفينة وعدم استغلاله للفضاء على نحو أمثل بصريًا مثلما فعل ألفونسو كوارون العام الماضي في Gravity، وثالثها هو استخدامه الغريب والمفرط للمونتاج المتوازي بمناسبة وبدون مناسبة، وتتضح غرابة الاستخدام أكثر في النصف الثاني من الفيلم.

أما عن توجيه الممثلين، فكان هناك خلل في توازن كفة الأداءات، ففي مقابل التفوق الأدائي لماثيو ماكهوني وجيسيكا تشاستين وماكانزي فوي، تظهر كذلك مدى اعتيادية أداء مات ديمون، لكن الخطأ الفادح الذي يقع فيه نولان للمرة السادسة هو قولبة وحصر لا يغتفران لـ مايكل كين في نمط واحد من الشخصيات، فلن تعرف أبدًا ما الفارق في الشخصية التي يمثلها هنا عما قدمه في ثلاثية باتمان أو في Inception أو حتى في The Prestige.

لكن الشيء المحزن في كل هذا هو عدم إدراك نولان لمدى قربه الشديد من صناعة عمل درامي متميز ومختلف عما قدمه طوال مسيرته السينمائية، لكن تصميمه على طريقة ثابتة لتوزيع أوراق اللعب قد تجعل ألعابه التالية مملة على المدى البعيد، وقد يبدأ جمهوره المخلص لاحقًا في الابتعاد عنه والبحث عن لاعب مختلف، من يعلم؟



تعليقات