Chappie: قبل أن يأكلك الآخرون.. فأنت تأكل نفسك بنفسك

  • مقال
  • 01:47 مساءً - 17 مارس 2015
  • 1 صورة



ملصق فيلم Chappie

مع حلول عام 2009، كان يبدو أن المخرج الجنوب أفريقي نيل بلومكامب سيكون من أبرز مجددي الدماء في شرايين أفلام الخيال العلمي على مستوى العالم، والفضل كان يعود في ذلك الوقت إلى التوليفة الفريدة التي مزج عناصرها معًا في عمله الهام District 9: نزعة تسجيلية في التصوير + تحول جسدي مفجع + مشاهد حركة ومطاردات تأتي من حيث لا تحتسب + نقد اجتماعي يتكئ على الموروث التاريخي من حقبة الفصل العنصري (الأباريتد) في جنوب أفريقيا + خط رومانسي رقيق + أماكن تصوير غير مألوفة تبتعد عن الجانب البراق من جنوب أفريقيا، مما فرض الفيلم كمنجز سينمائي فريد يصعب تجاوزه، وهو ما دفع الأكاديمية الأمريكية لمنحه أربعة ترشيحات لجائزة الأوسكار منها أفضل فيلم في أول عام يطبق قاعدة ترشيح عشرة أفلام بدلًا من خمسة أفلام فقط كما في السابق.

وبناءً على نجاحه في District 9، كان الجمهور المتعطش يتطلع للمزيد من فيلمه الثاني Elysium الذي صنع بميزانية أكبر، وتصدر نجمان أوسكاريان لبطولته وهما مات ديمون و جودي فوستر، لكن هذه المرة كان هناك تفاوت كبير في الآراء، فرأى الكثيرون أنها تحمل الكثير من أصداء التجربة الأولى مع تغييرات طفيفة، فبدلًا من الصراع بين البشر المنعمين في ضواحي جوهانسبرج والفضائيين المعذبين الذين يعيشون في العشوائيات، يصير هنا الصراع طبقيًا بين الأغنياء الذين يعيشون على محطة فضائية وبين الفقراء المقيمون على الأرض بعد خرابها.

في أحدث أفلام بلومكامب Chappie والذي صدر مؤخرًا، كانت الحقيقة الساطعة أمام مرأى الجميع هو استمراره في محاولة محاكاة أسباب النجاح في العمل الأول، لكن الأمر هذه المرة كان واضحًا لدرجة لا يمكن تمريرها بسهولة أو حتى تجاوزها، خاصة مع كون كافة عناصر الفيلم مُعلبة وجاهزة التحضير بدون الكثير من الاجتهاد في البحث عن توليفة مختلفة قد تظل حاملة لبصمته المميزة، لكن ليس لدرجة نقل التوليفة كما هي من فيلم لآخر مع بعض التغييرات العارضة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، الأمر الذي يشبه طبخ نفس الصنف من الشوربة في كل مرة لكن مع إضافة الحبهان في المرة الأولى، أو جوزة الطيب في المرة الثانية، أو الفلفل الحلو في المرة الثالثة، وهكذا...

المصيبة الفادحة هو أن بلومكامب قد حفر لنفسه حفرة ووقع فيها دون أن يلاحظ وقوعه في هذه الحفرة، فعلى عكس فيلمه السابق الذي تدور أحداثه في مستقبل بعيد للغاية حين سنكون نحن وأبنائنا وأحفادنا وأحفاد أحفاد أحفادنا قد انتقلنا جميعًا إلى الرفيق الأعلى وصرنًا نسيًا منسيًا، فإن أحداث Chappie تجري في عام 2016، أي العام القادم بالضبط، وهو ما يتطلب معه أن يكون العالم المستقبلي على قدر من المعقولية والتناسب مع المنجزات المتحققة علميًا في الحاضر، أي في عام 2015 وهو العام الحالي إذا لم يكن بلومكامب يلاحظ هذه الملحوظة التافهة.

إذن، لماذا بحق السماء يرى بلومكامب أنه بإمكاننا في العام القادم أن نحول البشر إلى مجموعة من البيانات العصبية، والتي يمكن برمجتها وتداولها -ببساطة شديدة تشبه بساطة خبز العجين- على "فلاشة" لا يتعدى ثمنها 20 جنيه من مركز البستان بمنطقة وسط البلد، بينما لا يزال العالم حتى هذه اللحظة التي تكتب فيها هذه الكلمات مستمرًا في أبحاثه حول الاستنساخ أو تاريخ نشأة الكون على سبيل المثال، إذن بهذا المنطق لو كان قد تعامل مع القصة بمنطق الفانتازيا وليس بمنطق الخيال العلمي، لبدا الأمر أكثر معقولية وإتساقًا.

وبعيدًا عن اهتراء الصورة الكبرى، فإن تفاصيل القصة تنطوي على كم لا يحصى من الثغرات التي تنشأ عن محاولات بلوكمامب وزميله تيرى تاتشيل لتسيير الفيلم بالقوة الجبرية سواء بالتغاضي أو بلي الأعناق أو حتى بالتهوين، وما يلي ثلاث أمثلة عملية على هذه الثغرات:

1-عندما هدد المخترع ديون ( ديف باتل) العصابة بتبليغ الشرطة وتركهم مع الروبوت الذي صنعه، لماذا لم يخطر على بال أحد من أفراد العصابة الثلاثة أن يحاول منعه أو عرقلته أو حتى التفاوض معه، هل كانوا –مثلًا- فاقدين للسمع في هذه اللحظة فقط ، ثم رد الله إليهم أسماعهم بعد خروجه؟

2-إذا كان فنسنت ( هيو جاكمان) غيورًا لهذه الدرجة من إنجازات ديون التي لا يستطيع مجاراتها، ثم علم بأمره مع العصابة التي سرقت الروبوت الذكي، لماذا لم يقم بالحل الأسهل والأبسط، وهو أن يوشي به لدي رئيسة مجلس الإدارة بدلًا من اللجوء إلى هذه الخطة المعقدة، والتي لجأ إليها الكاتبان فقط لكي يكون هناك مشهد حركي بالغ الضخامة في خاتمة الفيلم؟

3- عندما أصيب ديون برصاصة طائشة إثر صراع الجبابرة الذي جرى في أواخر الفيلم، لماذا لم يخطر على باله وهو مصاب بهذا الشكل البالغ أن يطلب من تشابي الروبوت – وهو المزود حسبما ذكر في مشهد عابر بـGPS أن يتوجه به لأقرب مستشفى مثلًا – وهو الأمر الطبيعي الذي يحدث لبنو البشر حينما يصاب أحدهم إصابة بالغة- بدلًا من نسخ بياناته العصبية، وذلك فقط لكي يرضي ولعه بفكرة التحول الكافكاوي (نسبة إلى الكاتب فرانز كافكا) الذي نفذها من قبل في فيلمه السابقين؟

لكن السؤال الذي جاهدت في الإجابة عليه: ما الذي يفعله هيو جاكمان هنا بالضبط؟ هل هو موجود في هذا الفيلم فقط من أجل ضمان تسويق الفيلم على نحو أفضل؟ إن الخانة التي يرميه فيها بلومكامب قد أضرت به ضررًا بليغًا، المسألة ليست فحسب في حصره ليتولى مهمة أن يكون شرير الفيلم، بل إن الدافع الدرامي الذي يحرك شخصيته وهو الغيرة قد جعل منه مجرد آلة تتحرك من أجل تنفيذ أوامر مسبقة الصياغة، وكذلك ديف باتل الذي يطبق كل التفاصيل المتعلقة بشخصية العبقري الأخرق على نحو مبرمج سلفًا دون أي تفاصيل مختلفة أو جديدة تذكر، وهو ما يجعل أبطال مسلسل The Big Bang Theory أكثر واقعية وانسانية.

الخطورة الأكبر أن بلومكامب لا يدرك أن مشروعه السينمائي يتأكل ذاتيًا بسرعة قد تجعله لا يلحظ هذا الأمر لأنه مشغول للغاية بمحاولة استنساخ نفسه، وهو ما يجعله أشبه بـ كريستوفر نولان الذي يعتمد على في كل أفلامه على معادلة واحدة: أفكار براقة + تنفيذ فقير + حوارات بالغة التعقيد.



تعليقات