​الكابوس.. لماذا تحول الرجال إلى ذكور؟

  • مقال
  • 02:43 مساءً - 22 يوليو 2015
  • 1 صورة



غادة عبدالرازق في لقطة من الكابوس

قالوا لنا قديما "كونوا محايدين.. لا تكتبوا عن عمل فني وأنتم متحمسون له لأنكم في النهاية لن تكونوا حيادين"، ربما كانت تلك القاعدة هي سبب تأخري في الحديث عن مسلسل " الكابوس"، الذي خاض منافسة عنيفة مع مسلسلات أخرى خلال رمضان 2015، وبعيدا عن موقع المسلسل من الأعمال الأخرى، والذي أراه متقدمًا للغاية، ولكنه، لا هو أو غيره يمكن أن يحصد لقب الأفضل، لإيماني أن "أفعل تفضيل" لا مجال لها في المنافسات الفنية، إلا أن المسلسل يكشف عن كاتبة سيناريو تمتلك من الحرفة والموهبة ما قد يرعب البعض ويدفع الأخرون إلى تطوير أنفسهم بسرعة أكبر حتي يمكنهم التصدي لهذه القادمة من أكاديمية الميهي.

نماذج وأنماط

دائما ما أنفعل حينما أشاهد مسلسلات حبكتها قائمة على الإثارة أو الغموض أو التشويق، لأن الحبكة دائما ما تأخذ من البناء الدرامي للعمل، وكثيرا ما تصيب الحبكة البناء الدرامي في مقتل فتخرج الحبكة متماسكة ومنطقية ولكن يخرج البناء مليئا بالثقوب والشروخ، وهذا ما لم يحدث مع "الكابوس"، حيث استطاعت هالة الزغندي تحقيق التوازن المطلوب بين حبكة بوليسية الطابق والبناء الدرامي القائم على رصد الأسباب الحقيقية لأزمة الرجل والمرأة في المجتمع بأكثر من شكل.

فستجد في المسلسل أكثر من نموذج متباين للرجل في مجتمعنا فهناك الرجل الحقيقي كـ"عبدالله" بكل مميزاته وعيوبه، وهناك ذكر الحنجرة والعنف كما أحب أن أسميه في نموذج "حمادة منشية" والذكر المتواكل "صبحي" وسنجد نموذجين "لابن أمه" فارس وأمجد، ناهيك عن نماذج مثل "منعم وجبر وخليل ورشاد".

وفي المقابل سنجد نماذج نسائية متنوعة ولكنها ليست بنفس قدر تنوع الرجل في هذا المسلسل، الذي يحاول رصد وطرح إجابات لسؤال واحد فقط "لماذا تحول الرجال إلى ذكور؟" عن طريق البحث في أصل المشكلة وهي الأنثي أو بمعنى أكثر دقة الأم، والجرأة هنا هي أن تناقش قضية إجتماعية من خلال حبكة بوليسية وأم تسعى للوصول لقاتل ابنها الحقيقي وفي رحلتها تكتشف أنها هي وحدها التي تستحق لقب الجاني لا القاتل، فربما كان القاتل مختلف ولكنها هي من أمسكت بيد القاتل ووضعت فيها السلاح ليفصل رأس ابنها عن جسده، بتربيتها غير السوية لابنها "الحيلة".

موضوع معقد ومتشابك وشائك، خاصة في ظل إصرارها على عدم اقتصار الرصد على طبقة إجتماعية معينة والتنقل بين طبقات المجتمع من أعلاه لأدناه بحرية وهذا ما أتاحته لها مهنة الأم والتي تم اختيارها بعناية شديدة، وبعيدا عن رمزية المهنة نفسها، فهي كانت كلمة السر التي أتاحت لهالة الزغندي التنقل بحرية بين طبقات المجتمع كأي باحث مخلص في عمله من أجل الوقوف على نماذج مختلفة في الموضوع محل الرصد.

الإبداع يكمن في التفاصيل

وإذا كانت إحدى آفات الأعمال السينمائية والدرامية المصرية هو إهمال التفاصيل لدرجة قد تدفعنا للإشادة بمخرجين مثل أحمد الجندي و محمد شاكر خضير لاهتمامهم بأدق التفاصيل في أعمالهم، جاء سيناريو الزغندي مهتما بأدق أدق تفاصيل الشخصيات وربما كان أكبر مثال على ذلك لغة الحوار المختلفة بين شخصية وأخرى، بل بين كل مرحلة في مراحل الشخصية، فـ"زيزي" المراهقة مختلفة عن "زيزي" الشابة، و"مشيرة" في مراحلها الثلاث مختلفة في الشكل واللغة، كما يظهر التباين بين لغة حوار "عبدالله" ولغة حوار "حمادة منشية" فلكل شخصية لسانها الخاص جدا ولزماتها المختلفة، كما ظهر ذلك مع شخصية "وفاء" والتي يتغير لسانها وطريقتها في الحديث حينما تعود لمنزلها.

التفاصيل لم تكن في الحوار وحسب، بل في شكل الشخصيات وملابسها والأماكن التي تعيش فيها، بل أن شدة إخلاص الكاتبة لفكرتها دفعها للجوء لطبيب نفسي، وهو الدكتور "هاني الزغندي" لمتابعة الكوابيس التي تحلم بها "مشيرة"، ورسم الحالة النفسية لمشيرة بعد تعرضها للصدمة كي لا يتهمها أحد بالمغالاة أو الافتعال أو أو أو من تلك التهم المعلبة الجاهزة في أيدي بعض الجمهور يلقونها على رأس صناع الدراما والتي أصبحت تشبه المقولة الخالدة "كل دي فلوس اتدفعت في المسلسلات مش كان أحسن اتوزعت على الغلابة"، ولكن هذا لم يشفع لها لدى هذه الشريحة من الجمهور.

وعلى الرغم من كل التميز الذي قدمته هالة في مسلسلها الأول إلا أن هناك بعد "الهنات" مثل طول بعض المشاهد أو الرغي غير المبرر، مثل تكرار مشاهد "مشيرة" و"زيزي" والظن السيء الذي تقابله "مشيرة" لتصرفات زيزي، أو المشاهد بين المقدم "نادر" وزميلة "محمد"، بل أن العلاقة بين الاثنين اتخذت صفة الاستاذية والتعليم أكثر من كونها علاقة زمالة وشراكة حتى مع اختلاف الرتب التي تصب لصالح المقدم "نادر"، فقد جاءت شخصية "محمد" من شخصيات الحشو الباهت وهو على غير عادة هالة في شخصياتها.

أما شخصية "دينا" وصديقتها وعلاقتهما فكما جاء مشهد المواجهة موفقا للغاية، جاء مشهد غير مقنع وغير ممهد وهو زيارة صديقة "دينا" لها في القسم بعد مشهد المواجهة، وهو أمر يشير إلى أحد الاحتمالين; الأول أن هالة الزغندي "اتزنقت" في مشهد فقامت بكتابة هذا المشهد وهو أمر أستبعده، أو أن المخرج قد حذف مشاهد تؤدي بنا إلى هذا المشهد لأمر في نفسه، وهو ما يخرج من قائمة الأخطاء الإخراجية إلى قائمة الخطايا الإخراجية.

أخطاء وخطايا

وكما لم يشفع إخلاص الكاتبة لفكرتها لم يشفع تماسك السيناريو وقوة الحوار وسلاسته، عن أخطاء وقع فيها مخرج العمل إسلام خيري الذي أصر كل الإصرار على التعامل مع السيناريو بمبدأ الأكشن والغموض ليتحول على سبيل المثال "مشهد محاولة ذبح حمادة منشية لشقيقته شيماء" من مشهد المفترض أن يثير فينا تساؤل حول إزدواجية هذا الذكر إلى التساؤل "هايقتلها ولا مش هايقتلها"، وانتظار المعجزة الأكشنية التي تحدث دائما حيث يتدخل أحدهم أو بعضهم لإنقاذ الفتاة.

كما أمتدت خطايا إسلام خيري للتغاضي عن أحداث، مثل أننا فوجئنا جميعا بأن "ريماس" أصبحت نزيلة أحد المصحات النفسية بل وتنقلت بين مصحة وأخرى، كما فوجئنا بأن ضابط المباحث على علم بالمخالفات الطبية الموجودة بالمخزن والتي من المفترض أن يكون علم بها من الإيميل الموجود على لاب توب "فارس"، فجاء هذا دون توضيح بصري يكفي المشاهد شر التساؤل في عمل كثرت فيه التساؤلات، وأيضا تهميش دور "رشاد" إلى هذا الحد رغم أنه خامة جيدة لنموذج جديد من الذكور، والمقصود هنا ليس تهميش كتابة أو مساحة دور بل تهميش بصري ووضع الشخصية في تكوينات بصرية تظلمها وتهمشها، اللهم مشهد المواجهة بينه وبين "زيزي" في المصنع.

توجية غائب وممثلين حاضرين

"التمثيل مسؤولية كل ممثل" هي القاعدة التي تتحول إلى كارثة إذا افتقد المخرج حرفة توجيه الممثلين، وهو ما حدث في "الكابوس" فجاء الأداء التمثيلي متباين ومختلف من ممثل لآخر، فمثلا جاء الفنان الشاب الذي أدي دور "حمادة منشية" في أقوى حالاته من فهم للشخصية والتحدث بها من خلال اللزمات الحركية وطريقة السير والشكل الخارجي، وجاء هذا كله موظف بشكل متقن لدرجة مذهلة، بينما جاء أداء الفنان محمد شاهين مرتبك وغير متزن، وكثيرًا ما وقع في فخ الكليشيه أو الأفورة فيتحدث أحيانًا بصوت خفيض ثم منه إلى الشخط المباشر، وربما كانت قمة أداءه في المشهد الأخير من الحلقة الأخيرة، كأنما أكتشف أخيرًا مفاتيح الشخصية.

أما شخصية "عبدالله" التي أداها كريم محمود عبدالعزيز فقد جاء اختياره فيها مناسبًا إلى أقصى درجة، وهو ما وجب الإشادة به، وجاء أداءه للشخصية موفقًا للغاية دون نقصان أو إفراط، بينما يؤكد عمرو عابد أنه ممثل متطور دائمًا وأن أمامه الكثير أيضًا ليتعلمه، فيما يؤكد أمير صلاح الدين أنه كالعادة ممثل جيد يدخل للشخصية التي يلعبها من بيئتها فيتشبع بها ويشبعنا حتى وإن كانت مساحة الدور صغيرة والمخرج غير مهتم بها.

وفي مشاهده القليلة جدًا، يؤكد بيومي فؤاد أنه استحق بجدارة لقب الفنان المتنوع والقادر على أداء كل الشخصيات بنفس السهولة، أما المخضرم أحمد راتب فكان وأصبح وسيظل أحد أولئك المخضرمين الذين يسيرون بيننا، وربما أدق ما قيل عن أحمد راتب هو ما قاله عادل إمام، إن أحمد راتب مثل الملاكمين الذين ينهون مبارايتهم بالنقاط لا بالضربات القاضية فيتسلل للفوز بهدوء وثقة، وهو ما احترف فعله راتب طيلة مشواره الفني في كل أدواره المختلفة، أما محمد عادل والذي قدم شخصية "منعم" فقد قدمها بتميز كاد أن يُحسد عليه لولا أنه أعطاني احساس أنه يخشى الشخصية ويخاف الدخول فيها أكثر وأكثر، بينما يصر الفنان حسن العدل على أن يكون أحد عظيمي الموهبة قليلي البخت، ويصر يحيى أحمد على نفس طريقة الأداء المسرحي والتي ينتهجها والتي ستجعلنا نخسر طاقة تمثيلية جيدة.

أيتن عامر والتي لم تتعمق في الشخصية بالقدر الكافي، تشبعت باحساسها بها فجاءت كالعادة لتقدم دليل آخر أننا أمام ممثلة من عيار ثقيل ونادر، بينما استمرت سلوى عثمان في مسيرتها المشرفة المضيئة في وضع اسمها في مصاف النجمات وصاحبات القدرات غير العادية، وتأتي بدرية طلبة لتقدم نقطة فارقة في مسيرتها الفنية فلم تعد هي نفسها الكوميديانة التي تضحكنا بعد أن أعطاها دورها في الكابوس الفرصة لتتمرد على القوالب التي وُضعت فيها منذ ظهورها، وفي حقيقة الأمر استغلت بدرية الفرصة كل الاستغلال، وأنا بشكل شخصي أنتظر منها المزيد، أما ندا موسى فهي إحدى ضحايا المسلسل وإن كنت متفق بشدة على أداءها الجيد في الحلقة الأخيرة حيث أثرت السلامة فلم تحاول الانفعال لأن أقل انفعال غير محسوب سيدخلها في منطقة الاصطناع، ومثلما تميز "حمادة منشية" تميزت شقيقته "شيماء سوستة" من حيث استيعاب الشخصية وتفاصيلها المعقدة وتقديمها بذكاء تحسد عليه، وهو ما فعلته الممثلة التي قدمت شخصية "جميلة" أيضًا، والتي جاءت مميزة بكل ما تحمله الكلمة من معاني، بينما وقعت رحاب الجمل في فخ غريب عليها وهي الممثلة ذات الباع في الأدوار المركبة، فقدمت شخصية "دينا" باستسهال غريب رغم أنني كنت منتظرًا منها الكثير والكثير.

أما غادة عبدالرازق فأنا سعيد بما قدمته بشكل شخصي لأنني مرة أخرى أفوز برهاني عليها كممثلة ذات قدرات فنية كبيرة وغير مستغلة، وربما كان حصرها في أدوار الإغراء والمرأة اللعوب في بداية مشوارها الفني سببًا في عدم استغلال كل تلك الطاقة غير العادية والتي كانت تظهر منها شذرات في أعمال مختلفة طيلة مشوارها، بينما لأول مرة تظهر كل هذه الطاقة المخبأة، وأتمنى أن يأتي يوم تخرج غادة فيه كل طاقتها التمثيلية.

همسات

ولي في ختام حديثي بعض الهمسات الصغيرة، الأولى للمبدعة نانسي عبدالفتاح رغم جودة الصورة وملائمتها للحالة إلا أننى كنت أتمنى أن تكون المشاهد التي تدور في الزمن الحاضر أكثر حياة مما قُدمت، رغم إدراكي لما قصدته من الخروج بها في صورة باهتة، إلا أن سوء استخدام المؤثرات والنقل من الحاضر إلى الفلاش باك أو الكوابيس أثر بالسلب على جودة الصورة.

لمهندس الديكور رامي دراج، لا أستطيع إلا أن أهنئك على كل تفصيلة في مشاهد الحارة وفيلا مشيرة والمصنع، أبدعت فأمتعتنا. وللموسيقار أحمد عاطف، لم أكن أنتظر رؤية موسيقية جيدة مثلما قدمت في الكابوس بل كنت أنتظر شيئًا أكثر تميزًا. وللمونتيرة داليا الناصر، رغم أنه من الخطأ أن نقول إن المونتير كان حاضرًا بلمساته في العمل الفني وإن المونتير الجيد هو الذي لا نشعر بوجوده في العمل، إلا أن مجهودك وإبداعك كان واضحًا طيلة 30 حلقة، وعلى الرغم من ذلك فقد جاء سوء استخدام المؤثرات والنقل بين الحاضر والفلاش باك والكابوس في مستوى أقل مما كنت أتوقع، وأيضًا لا يمكنني تحميلك وحدك مسؤولية هذا الأمر.

وأخيرًا للمخرج إسلام خيري، التيتر جزء من العمل، اختيار كلمات وألحان التيتر يتساوى في الأهمية مع اختيار الممثلين.. التيتر لم يكن له علاقة بأحداث المسلسل من قريب أو بعيد.. وكان عليك الاهتمام بأسماء الممثلين الشباب الذين يعملون معك، خاصةً وأنهم ليسوا نجومًا معروفة وأنهم قدموا أداءً جيدًا للغاية، فكان لابد أن يتم الاهتمام بأسمائهم على التيتر بشكل أفضل من هذا.



تعليقات