تحية من لبنان إلى نبيهة

  • مقال
  • 12:00 صباحًا - 28 سبتمبر 2015
  • 1 صورة



نبيهة لطفي

نبيهة لطفي (1937- 2015، مخرجة من أصل لبناني وإقامة مصرية، من مواليد صيدا، قدّمها "نادي لكل الناس" للجمهور اللبناني خلال شهر سبتمبر الجاري في مترو المدينة من خلال فيلمها "الجذور التي لا تموت".

الفيلم هو عبارة عن وثيقة تؤكد للإنسانية الصماء أن ما حدث ليس كابوس طفل صغير بالغ في مطالعة القصص المرعبة ولا هذيان عجوز يخشى الحرب والموت، ما حدث في "تل الزعتر" حقيقة. تستعرض المخرجة مشاهد من القصف والدمار إلا أن ما يجعل هذا الفيلم وثيقة هو الشّهادات الحية التى قدمها مجموعة من النساء والأطفال، نعم ذهبت إليهم، إلى وجوههم، إلى لغتهم ومفرداتهم، فـهم من عاشوا الحرب، وهم من فقدوا عزيزًا، و هم من تضوّروا جوعًا، وهم من ماتوا خوفًا وقهرا وتمردا على الظلم. فـإلى من عساها تذهب غير "هم".

يستحضرني منام ودد في كتاب المخرج السوري محمد ملص "المنام مفكرة فيلم" يرويه أبو غالب عن تل الزعتر: "في الزعتر فقدت ثلاثة أخوة، وفي المنام دايما بشوفهم، على طول بشوفهم. في أيام بشوف أخوي الكبير جاي وعم يطلب مني أسقيه شاي، بيقول لي: أخوي! عطشان، إسقيني شاي! أخوي الثاني، دايما بالحلم بيكون جوعان، عم يقول لي: أخوي أنا! أنا جوعان وبدي أوكل! أخوي الصغير، عدة مرات حلمت فيه وهو عم يسبح بالمي بين السمك، سمك صغير وكتير حلو من حواليه".

أرى خوفًا في هذا الحلم من العطش والجوع لا يفسره سوى حديث النساء في "تل الزعتر" عن أزمة الماء. ومعاناة كل واحدة منهن وهي في طريقها إليه، تترك المخرجة حرية في الحوار فتبدأ النساء في روي قصصها دون ترتيب مسبق ونرى كل واحدة تقدم دعما ماديا وحسيا لتؤكد مصداقية الحدث، نعم فإن إحدهن نام أطفالها ثلاث ليال جفيني ريق والشفاه، وتبقى الغصة الأكبر من نصيب "أم زينب" التي لم تستطع أن تروي عطش جارتها وهي على فراش الموت وتصرخ قائلة "بقولو نقطة مي تبرد روح الإنسان وهو على فراش الموت، قلولنا سقوها مي، وندور ندور ما كناش نلاقي مي وماتت المسكينة وهي مطشش ريقها".

ماتت الجارة وسقطت دمعة من "أم زينب" على خدها الأيمن وسقطنا نحن كجمهور في هوة بين إنسانيتنا وهويتنا اللبنانية وانتمائنا إلى هذه القضية. وتعود المخرجة للحديث عن الحرب من خلال هذيان الأطفال أو هكذا نعتقد ، يبدأ الطفل بالسرد بطريقة متقطعة وكأن لكل حدث وقعه المباشر عليه في كل مرة يعيد الكلام عنه: "راح بي بالأول ليجيب مي، فـ ما رجعش... رجع راح خي كمان ما رجعش، بعدين راحت أختي رجعت عم تبكي".

وطفل آخر يروي قصة الرحيل وكيف ركبوا جميعا في بيكآب، وأوقفهم الحاجز وأنزلوا الرجال ويردد أكثر من المرة أنه كان بين الرجال عجوز وقد ضربه جنود الحاجز وكأنه في عجب من هذا التصرف، لم يستعجب الطفل من القتل والدمار لأن أجداده أضاؤوا نور أمامه عن خطر الحرب التي قاسوها مع العدو الأسرئيلي، لكن في قصص أجدادهم لم يبصروا الأطفال فقط الحرب إنما أبصروا فلسطين في أجدادهم.

هذا الفيلم تحية قدمتها المخرجة إلى الشعب الفلسطيني ليكون بمثابة وثيقة للذاكرة العربية، وأعاد تقديمها "نادي لكل الناس" للجمهور اللبناني ليكون سندا داعما للضمير اللبناني، هذا الفيلم تحية من الفلسطنيين إلى روح المخرجة التى فقدناها منذ أسابيع قليلة، وفقدنا معها وجها من جيل بحث عن الحقيقة السينمائية دون كلل أو ملل وقد وعد رئيس "نادي لكل الناس" الأستاذ نجا الأشقر بلقاء قريب مع أحد أقرباء المخرجة إضافةً إلى عرض أفلامها "لعب عيال وصلاة من وحي مصر العتيقة وشارع محمد علي وعشش الترجمان وتل الزعتر وعروستي ودير القديسة كاترين و كاريوكا وأخيرًا شادي عبد السلام".

نلقاكي قريبا نبيهة لطفي..



تعليقات