ونوس.. إسقاطات مباشرة أنقذها التمثيل

  • نقد
  • 11:45 صباحًا - 16 يونيو 2016
  • 1 صورة



يحيى الفخراني في لقطة من المسلسل

في شهر رمضان عادةً ما تكون نسبة الأعمال الجديرة بالمشاهدة ضئيلة بالنسبة لمجمل الأعمال الدرامية التي تطل علينا في موسم المسلسلات الأشد تنافسيّة، ولكن يحتفظ يحيى الفخراني بمكانة خاصة في جدول المسلسلات المزحوم كل رمضان، ولأنه التعاون الرابع بينه وبين السيناريست عبدالرحيم كمال بعد "شيخ العرب همام" و"الخواجة عبد القادر" و"دهشة"، كان لابد أن يتحمس الكثيرون للعمل حتى من قبل صدور المقدمة الدعائية، فعبد الرحيم كمال سيناريست متميّز، يخرج دائمًا عن المعتاد، ويبحر بقلمه خارج بحر الاحتمالات ويأتيك بما لم تتوقعه.

"ونوس" هو مسلسل مقتبس عن المسرحية الشهيرة "فاوست"، ولمن لا يعرف فاوست فهي مسرحية عن إنسان باع روحه للشيطان باتفاق بينهما، ولكن يختل الاتفاق في النهاية فيلاحق الشيطان هذا الإنسان "فاوست"، ليدمر حياته وتنتهي الرواية بهزيمة الشيطان. ولكي تعالج مسرحية بهذا التعقيد على كاتب السيناريو أن يكون شديد الذكاء ليتفادى فخاخ يمكن بسهولة الوقوع فيها.

1- إن كانت المغالاة في التمثيل هي مقبرة الممثل، فالمباشرة في النص هي مقبرة كاتب السيناريو، فالفن المرئي غايته هي نقل أحاسيس من الشاشة إلى المتلقي، لا نقل مواعظ، فالمشاهد المباشرة دائمًا مزعجة، اتذكر في فيلم "اللعب مع الكبار" أنه قد أزعجني بشدة المشهد الأخير عندما يصرخ عادل إمام في وجه ضابط البوليس الشرير "هحلم هحلم" لنفس السبب، فالفنان الحق هو من يسرد قصته برموز ومشاهد منها نفهم غايته الأساسية، لا أن يقصها علينا بشكل مجرد خالي من أي رمزيّات، ومسلسل "ونوس" بالرغم من كفاءة الممثلين وكفاءة السيناريست الواضحة كالشمس إلا أنه في هذا التحدي أخفق للأسف.

2- يمكنني بسهولة التغاضي عن مباشرة الأسماء ولكن المباشرة في النص كارثية، فمنذ الوهلة الأولى كان جليّا للمشاهد أن "ونّوس" هو الشيطان وأولاد "ياقوت" هم رمز للإنسان، ووضوح النص أكد هذه الفكرة بشكل لا يقبل الشك، الأمر الذي كان يجب أن يتوارى خلف رمزيّات تتطلب من المشاهد بعض الشيء من التفكير، وهو ما يمكن إطلاق لفظ "بساطة الطرح" عليه، وقد نتقبله، إلا أن النص ملئ بالمواعظ وهو الفخ الذي وددت لو تفاداه المؤلف، تمصير رواية نفسية فلسفية مثل هذه يوقعك دائمًا في فخ التدين لتجنب الهجوم من قبل محتقري الفن، تحديدًا في شهر رمضان، ولكن على الفنان في هذه الحالة أن يكون شجاع وألا يستسلم لهذا النوع من الابتزاز، خصوصًا أنها شجاعة مهنية في الأساس أن تقدم على معالجة رواية كهذه بشكل مصري، القصة متقنة نعم وبناءها متماسك ومنطقي، وتسلسل الأحداث مفهوم، ولكن الحوار مكتظ بعبارات رنّانة هدفها الوحيد هو المباشرة والوعظ كان من الممكن أن يستعيض عنها المؤلف بعبارات أخرى واقعيّة تعطي دفئًا بين المتلقي والعمل، لكي يشعر المشاهد بتوحد مع الشخصيات عوضًا عن الشعور بتلك المسافة تفصله عن الشاشة خصوصًا أن إنتاج العمل واقعي بحت، ولا يخضع لفئة الفانتازيا إطلاقًا، لذلك كان على النص أن يُصبغ بواقعية الدراما لا بفانتازية المسرح.

3- لعل الذي أنقذ العمل من أن يصبح كارثة هو آداء الممثلين، فالتمثيل هو حجر زاوية هذا العمل، التمثيل المُتقن جعل مباشرة النص شيء هامشي وغير مزعج بالمرة.

كاريزما يحيى الفخراني تثبت نجاحها مرة أخرى على الشاشة، سلاسة في الآداء وسهولة اكتسبها يحيى الفخراني بخبرة السنين، تطل علينا كل سنة بجرعة تمثيلية دسمة مبهجة للعين والنفس، ودور الشر هو دور لم نعتاده من يحيى الفخراني، فعادة يكون يحيى الفخراني في أعماله منحازًا لمعسكر الخير، إلا أنه في ونوس، لم يتخلّ فقط عن الخير ولكنه جسّد دور الشيطان نفسه بآداء لعوب وخبيث، ومبهج في نفس الوقت.

هالة صدقي تستحق الاحتفاء بها، لأنها أبت أن تنجرف وراء أدوار تظهر فيها كفتاة عشرينية كمعظم ممثلات جيلها، لكن هالة آثرت أن تطل علينا بدور أم، تظهر في ملامحها معالم الغُلب والشقاء وهو الدور الذي أدته هي بإتقان، لتتخلى هالة عن الكوميديا، التي ارتبطت بها منذ وقت طويل، في آداء جديد سيعلق بأذهان المشاهدين حتمًا.

حنان مطاوع، تعود للمشاركة في البطولة أمام واحد من أهم الممثلين في مصر، وواحد من أكفأ كُتاب السيناريو أيضًا للمرة الثانية، بعد "دهشة" لتسطر بهذا الدور أعماق جديدة لها كفنانة. شخصية "نيرمين" في ونّوس يغويها الشيطان بالشفاء، فابنها المُقعد هو هنا نقطة ضعفها وهو المدخل الذي سيدخل "ونوس" من خلاله لعالمها ليدمر كل شيء.

محمد شاهين، يقدم آداء سهل ممتنع لشخصية عزيز التي سيغويها ونوس بالمال، فالجشع يظهر في ملامح شخصية عزيز، في برود مشاعره تجاه امه وتجاه خطيبته التي على الأرجح خطبها بدون حب، فشخصية عزيز لا تعرف سوى حب المال، ورغبته في تقبيل خطيبته "دنيا" ما هي إلا محاولة منه لفرض لسيطرته التي خيّل له أنه يفقدها أمام اخيه الحنون عكسه، ليس حبًا فيها لكن رغبةً في السيطرة لا أكثر.

محمد كيلاني، يطل علينا لثاني مرة كممثل، في شخصية "نبيل"، "نبيل" غير المكترث بالأموال، فيغويه "ونوس" بأضواء الشهرة، ويقوده هذا لأن يتخلى عن فنه ويصاحب صوته أصوات ضرب الكاسات وتآوهات العاهرات، ليضرب "ونوس" بسقوط نبيل نبيل نفسه وأمه في نفس الوقت.

نيكولا معوض، في رأيي من أضعف الآداءات، فتمثيله بارد ولا يرقى لشخصية الشيخ الدجال الذي يغويه "ونوس" بالقوة وبالنساء في نفس الوقت، أملي أن يتحسن آداءه في الحلقات القادمة.

في نهاية مقالي أود أن أوضح أن آرائي هذه تخص 8 حلقات فقط من مسلسل مجموع حلقاته لن يقل عن ثلاثين، وهذه عيوب أود من أعماق قلبي أن يكون قد تفاداها النص في الحلقات المقبلة، لأن عمل بهذا الإتقان يستحق سيناريو وحوار على نفس القدر من الحرفيّة.

وصلات



تعليقات