ليالي البوغي.. أكثر خيالاتك الجنسيّة بذاءة!

  • نقد
  • 06:44 مساءً - 24 اغسطس 2016
  • 1 صورة



بوستر الفيلم

دائمًا ما كانت هناك أزمة بين الثقافة والجنس، وهناك هجوم معلن أو خفي من المجتمع على أولئك المتحدثين عن الجنس بحرية، كما لو أن الثقافة والجنس لا يجتمعان، حتى في حديث المثقفين عادة ما يتناولوه بشكل رومانتيكي شعري، وفي إطار الزواج، وبشكل تقليدي ومعروف، ووصل هذا الهجوم لأوساط السينما فبدلًا من الهجوم على مشاهد الجنس بشكل عام، أصبحوا يهاجمون مشاهد الجنس البذيئة فقط، أصبحوا يهاجمون مشاهد الجنس غير المبررة، غير الموضوعة في إطار الزواج أو الحب أو الرومانسية، قائلين إن السينما ليست مكانًا للإباحية، كأنّه مسموح لأي شخص أي كانت هويته أن يملي على السينما ما تفعله.

أرى السينما أنها آداة خيال في النهاية، أي أن أكثر حواراتك ملحمية، التي لن تجد سياق لخوضها في الواقع، إذا رأيتها على الشاشة ستصيبك نشوة، قصص حبك الفاشلة التي تتشارك ملامحها مع البطل إذا نجحت على الشاشة ستشعر بنشوة، تلك الفتاة التي لن تُقبّلها أبدًا إذا قبّلها البطل ستشعر بنشوة، وبما أن السينما تستمد إلهامها من الواقع، كان على الجنس أن يصبح عنصر أساسي من الفيلم دون وضع تبرير لذلك، أو دون محاولة وضع المشهد داخل إطار أخلاقي معين، بعض أفعال البشر غير مبررة في الأساس، ولا يجب أن يعبّر كل مشهد عن غاية أكبر ليغفرها العامة، فرض قيود كهذه على السينما ستحولها في النهاية لفن مدعي ينقل فقط الواقع الذي يريد البشر رؤيته، وإذا تم ضرب السينما بلعنة اليوتوبيا، سيصبح فن يغلب عليه الملل في معظم الأحيان، لأنه من يريد رؤية رجل نزيه يحب زوجته ومخلص لها ثم ينتهي الفيلم بسعادة؟، من يريد رؤية رجل على الشاشة يقبل يد أمه في الصباح؟، يذهب الناس لرؤية الغدر والقتل والخيانة، لأن قُبح الإنسان هو ما يجعل الفيلم مثير وممتع.

في رأيي، كما دخلت الكاميرا في "فلل" الأغنياء كان يجب يومًا أن تدخل أحياء الفقراء، وكما صوّرت أكثر قصص الحب جمالًا، كان لابد أن تصور أكثر قصص الحب قبحًا واستغلالًا، وكما رأيت جسد مارلين مونرو المثير، عاريًا، كان عليك أن ترى جسد ممثلة أخرى مُترهل وملئ بالندوب في مشهد آخر غير مثير بالمرة، وبنفس المنطق كما رأيت أكثر العلاقات رُقيًا في علاقة ما في فيلم، كان على السينما أن تدخل أكثر غرف تصوير الأفلام الإباحية بذاءة، لا لشئ سوى لأن السينما من حقّها أن تتحدث عن كل شئ، يحدث في الواقع أو لا يحدث.

في فيلم "ليالي البوغي"، يقول بول توماس آندرسون، على لسان بطله (جاك): "لا أريد أن أصنع فيلمًا يأتي الناس فيه للسينما، ويُخرجون سائل المتعة ثم يغادرون، أريد فيلم بقصة تمتصّهم، وتجبرهم على الجلوس لمشاهدة النهاية"، وبالنظر لشخصية (جاك)، سنرى أنه حقًا مُحب للسينما ومخلص لها، وفي منتصف الفيلم سيرفض بشدة أن يصبح مخرج شرائط فيديو، لأنها غير سينمائية، أي أنه في رأي (جاك)، حتى الأفلام الإباحية يمكن أن تصبح سينمائية، وحتى أقذر خيالاتك الجنسية يمكن أن نُطلق عليها فن.

يتحدث فيلم "ليالي البوغي"، عن ممثل أفلام إباحية يدعى ديرك ديجلر، والجدير بالذكر أن فيلم "ليالي البوغي" هو إعادة صُنع لأول فيلم قصير من إخراج بول توماس آندرسون، بعنوان "قصة ديرك ديجلير"، أي أن بول توماس آندرسون، أول شئ فكّر في صناعة فيلم حوله، كان الأفلام الإباحية! وعلى الرغم من أنه ممثل أفلام إباحية، إلا أنه لا يشعر بالذنب، هو غير نادم، وتلك اللحظة التي تظنها ستأتي في النهاية، يتوب فيها ديرك عن أفعاله، لن تأتِ، بل إنه في النهاية سيدرك قسوة الحياة بعيدًا عن عالم صناعة الأفلام الإباحية، وسيعود لأحضان (جاك) بعد حين، وهذا الفيلم عظيمٌ، لأنه، تحديدًا، ينقل لك الواقع الذي يحاول البعض تزييفه أو تجميله وفقًا لمعتقداتهم وطريقة رؤيتهم للحياة، وتلك الحقيقة هي أنه ليس كل ممثلين الأفلام الإباحية تُعساء، وليس جميع العاهرات مغصوباتٍ على أمرهن، بعضهم يحب ما يفعل، بعضهم اختاره بمحض إرادته، بل إن بعضهم يجد في ذلك ملاذًا من قسوة الحياة.

بالطبع تمّت مهاجمة هذا الفيلم وقت عرضه، وهو يهاجم إلى اليوم، لأنه لا يضع الجنس في إطارٍ أخلاقي، هو حتى لا يضعه في إطار خيانة ليصبح الجنس في هذه الحالة خطأ، لكنه يعامل صناعة الأفلام الإباحية كأي صناعة أخرى، ولا يُلقي بأية اتهامات أخلاقية من أي نوع على أيٍ من أبطاله، طبعًا قد تكون من المعادين لتقنين الدعارة وتمقت صناعة الأفلام الإباحية، لكن من منّا لا يبغض القتل، لا يبغض الفقر، لا يبغض التعذيب، إلا أن كل ذلك نراه على الشاشة، لأن السينما هي مرآة الفرد، ولأن من حق السينما أن تنقل ما شاءت من الواقع إلى الشاشة، من حق المبدع أن يختار عن ماذا يريد أن يتحدث، من حق المبدع أن يصنع فيلمًا عن أيٍ كان، حتى عن الأفلام الإباحية نفسها، لأن في النهاية، السينما هي مرآة للبشر؛ أشرارٍ وأخيار، وحتى صناعة الأفلام الإباحية تصلح لأن تكون موضوع فيلم.



تعليقات