"كلب بلدي".. ودب رومانسي!

  • نقد
  • 02:20 مساءً - 15 اكتوبر 2016
  • 1 صورة



كلب بلدي

في مجال الكوميديا تحديدًا، يكون للفكرة الجديدة بريقها الخاص وقيمتها الفريدة؛ فهي قادرة على خلق مساحات جديدة للضحك، وإتاحة الفرصة لصياغة مواقف وإفيهات غير مألوفة للمتلقي، وهي عوامل ترفع من رصيد العمل الكوميدي وتّزيد من استقطابه لإعجاب مُتلقيه، وإذا ما تم استغلال هذه الفكرة الاستغلال الأمثل، يصل العمل الكوميدي إلى أبهى صورة يمكن مشاهدته بها.

في فيلم "كلب بلدي"، استطاع السيناريست شريف نجيب ومعه النجم أحمد فهمي طرح العديد من تلك الأفكار التي تتسم بأصليتها - أو كما ندعوها Original - في نَص فيلمهما، بدءًا من بطلنا "روكي"، وهو طفل لأم متمرسة ومحترفة بالسرقة، يُجانبها الحظ بأن تداهمها الشرطة بينما لا زال طفلها الجديد رضيعًا، فلا يجد شقيقه الأكبر مفر سوى الركض به وتركه في خرابة قبل أن تُحكِم الشرطة قبضتها عليهم. وفي تلك الخرابة، تتولى كلبة رعاية "روكي" مع أولادها وترضعه مثلهم تمامًا، فيصير الطفل نصف إنسان ونصف كلب في مجمل طباعه، ويكتسب قدرات الكلاب، التي نفهم مع مرور الأحداث أنه لا يستطيع استخدامها إلا في أوقات غضبه أو استثارته، مثلما نرى في عملية تحوّل الرجل الأخضر أو The Incredible Hulk.. الفكرة مجنونة وجديدة، بمجرد التخيل فقط أن هناك بطل خارق بمثل تلك المواصفات، هو أمر مثير للضحك بحد ذاته، هذا لا جدال عليه، ولكن هل استغل مؤلفا الفيلم فكرتهما البرّاقة الاستغلال الأمثل؟.. فهذا الأمر محل نقاش.

فكرة جديدة أخرى طرحها المؤلفان، وهي أن الشخصية الشريرة بالفيلم، رجل الأعمال "وردة"، والذي قام بأدائه أكرم حسني، رجل أعمال وتاجر مخدرات، لكنه ليس تاجر مخدرات كما عهدنا غيره من تُجار المخدرات، حيث سنجد مخدراته هي طوابع ابتكرها، عندما تُلصَق على مؤخرة رأس أحدهم - أو كما نقولها بالدارجة "على قفاه" - تُوحِّد الموجات التي يتلقاها رأس الضحية في موجة واحدة فقط لا غير، يتحكم فيها وردة بأجهزته الإلكترونية وتُمكِّنه من السيطرة التامة على ضحاياه؛ ومن ثَم توجيههم إلى ما يرغب. هذه فكرة راقتني بشكل شخصي، وشعرت فيها بلمحات من الخيال العلمي الذي لا تتطرق له أفلامنا كثيرًا، وأعجبني أيضًا معالجة الفكرة وتطويرها، فنجد "روكي" يستغل قدراته الخاصة في النهاية لتوحيد صفوف كلاب المدينة وحثهم على إنقاذ البشر، حيث أن الطوابع تفقد مفعولها عند الكلاب ولا تأثير لها على أدمغتهم، فهم القادرون على إنقاذ البشر بعد أن قام وردة بتوليد موجة يأمر فيها ضحاياه، بأن يقوم كلُ منهم بصفع من يقف بجواره على قفاه ولصق الطابع عليه، فتتسع رقعة سيطرته أكثر وأكثر، ويتزايد عدد ضحاياه. راقتني معالجة الكاتبيّن لفكرة طوابع "وردة" وملائمة قدرات بطلهما مع ظروف هذه المعضلة، حتى جملة "روكي" وهو يعتلي الكبري خاطبًا في عشائره من الكلاب: "من انهرده مش عاوز حد في مصر يتضرب على قفاه"، كانت جملة ذكية وفي موضعها دون اجترار قيّم واستعراض وجهات نظر لا مكان لها بالفيلم، كما صرخت الجملة بملائمتها لظروف النص وتطورات فكرته. ولهذا شعرت بأن فكرة طوابع "وردة" – بعيدًا عن هزليتها - لاقت المعالجة الأجود بين أفكار المؤلفين الجديدة.

فكرة جديدة أخرى، وربما هي مُلاقية الاستحسان الأعظم من مُشاهدي الفيلم لتفردها وغرابتها البالغة، ألا وهي "الدب نور"، وهو دب قطبي يُسخّره "وردة" أسفل فيلته، وقد هيأ له الأجواء القطبية التي تعينه على الحياة، بل الأدهى هو قيام "وردة" بتهجين جينات الدب الوحشي ببعض من جينات النجم تامر حُسني! لتُكسِبه بعض الحنو والرفق؛ فيتمكن "وردة" من السيطرة عليه وقتما شاء، كما سيتمكن من توجيهه للفتك بضحاياه وقتما شاء. وبهذا وجدنا أنفسنا مع كلب بلدي نصفه بشري، ودب رومانسي يحمل في جيناته طباع تامر حسني! فكرة لم نتعرض لها من قبل أو حتى تخيلنا للحظة أن نصادفها في فيلم عربي، ولكنها لاقت بهزلية الفيلم المقصودة وعدم ارتكانه - المقصود أيضًا - لأي منطق قد يحكم الأمور أو يُقيّد مجريات النص ومساحات الخيال والضحك فيه.

بهذا سنجد أن كُتاب الفيلم صاغوا العديد من الأفكار الجديدة البرّاقة، التي سمحت لهم بتخليق مواقف غير مألوفة وكوميديا مُبتكرة، حتى أن جهدهما واضح في صياغة بعض الإفيهات والإسكتشات الجديدة التي ظفرت بضحكات الجمهور في أوقات من الفيلم. لكن تظل المشكلة، أن أفكارهما كانت تسمح بما هو أكثر بدرجات، وكان من الممكن أن تكون معالجة فكرة الفيلم الرئيسة مصقولة بكوميديا وتطورات تفوق ما شهدناه من بعض الإسكتشات التي كان من الميسور الاستغناء عنها، وربما أن المعالجة على هذا المنوال كانت سبب في إحباط عديدين بعد رفع سقفهم إلى السماء السابعة.

سنجد أيضًا أن صُناع الفيلم اختاروا له أن يكون هزليًا تمامًا وبعيدًا عن أي منطق يحكمه، وهو أمر مفهوم مع أفكار بتلك الجنون، كما أنه أمر واضح منذ عرض تتر الفيلم، بدايًة من إعلان صُناع الفيلم عن مشاركة بيومي فؤاد في الفيلم خلال التتر، بجملة: "وطبعًا: بيومي فؤاد"، كذلك كان الهزل بيِّن في مجريات الفيلم، مرورًا بمشاهد عِدة تُجهِض المنطق إجهاضًا، مثل مشهد شجار "كوكب" - والدة "روكي" - مع رجال "وردة" والفتك بهم بحركات النينجا! ونهايةً بمشهد ردع الدب نور، الذي انتزع ضحكات الجميع وربما قهقهاتهم.. وقد تكون سيادة الهزل على مجريات الفيلم وغياب المنطق هو سبب ضيق العديد من مشاهدين الفيلم، كما كان سببًا في رضا البعض أيضًا، والأهم أنه كان مناسب تمامًا لأجواء الفيلم المجنونة وأفكاره التي تحتاج لمثل هذا الهزل في عرضها.

هناك شيء لا يمكن إغفاله بالنسبة لي، وهو اجتهاد المخرج معتز التوني، الذي سبق وأعلن عن اجتهاده في فيلم "جحيم في الهند"، ويعلنه أكثر هذه المرة. المشاهد الذي يستخدم فيها "روكي" قدرات الكلاب، كان بها مجهود إخراجي واضح للغاية، وخرجت المشاهد بشكل جيد جدًا، ومشاهد تجميع الكلاب وهجومها في نهاية الفيلم أيضًا بها مجهود إخراجي واضح، غير مشهد النينجا الذي تقاتلت فيه "كوكب" مع رجال "وردة"، لنجد "دينا ويزو" تقفز وتطير في الهواء كالساموراي الأخير، كان المشهد متميز في مؤثراته وإخراجه بشكل راقني كثيرًا.

أما عن الأداءات التمثيلية.. حمدي الميرغني ودينا ويزو في أدوارهما "بوما" و"كوكب"، أراها أفضل أدوارهما السينمائية حتى الآن، حمدي الميرغني كان تلقائيًا في أدائه للغاية، وكان سلسًا طبيعيًا في إلقائه إفيهاته؛ فيثير ضحكاتك بنعومة ويسر. ودينا ويزو بحركاتها وتعبيراتها الحركية لائمت تمامًا شخصية "كوكب". أكرم حسني كان لا بأس به، لكنه لم يقدّم جديدًا عن أسلوبه المعهود، كذلك أحمد فتحي لم يّزِد شيئًا عما عهدناه فيه. ندا موسى كانت رقيقة مشرقة كما اقتضى دورها ولا أكثر. وأحمد فهمي كذلك أدى ما هو مطلوب لدوره.

الفيلم جيد وجديد ومضحك بعض الأوقات، أراد صناعه تقديم شيئًا مختلفًا، لتشهد معهم طوابع تُسلبِك إرادتك العقلية وكلب بلدي ودب رومانسي! وبأفكاره الفريدة تلك، رفع المشاهد سقفه لأعلى نقطة، ولم يبلغها بعد المشاهدة.. الفيلم جيد. لكن تظل مشكلته، أنه كان من الأجدر له أن يكون ممتازًا.

وصلات



تعليقات