"يوم للستات".. سنقضيه أمام حائط المبكى

  • نقد
  • 07:48 مساءً - 20 نوفمبر 2016
  • 1 صورة



يوم للستات

هناك مجموعة من المشاعر لم أستطع كتمها داخلي بعدم الارتياح وعدم الاهتمام والتوقع المسبق لشكل المنتج النهائي للمشروع السينمائي الجديد للمخرجة كاملة أبو ذكرى "يوم للستات" -يكفي اسم الفيلم ليكشف عما سيكون عليه- منذ أن سمعت عنه للمرة اﻷولى حتى مع اعترافي بجودة الفكرة في ذاتها، وذلك ﻷني كنت أعرف مسبقًا إلى أية دفة سيتم توجيه هذه الفكرة، وهذا لا يعني بالطبع أني أعلم الغيب أو أني أعرف كيف أخرج اﻷرنب من القبعة ليصفق لي الجمهور، وإنما تأتي هذه المعرفة من تراكمات هائلة من المشاهدات لعدد ضخم من اﻷفلام -خاصة في السينما المصرية- التي تتناول موضوعات ذات نكهة نسوية.

ولا أحتاج للقول إن الغالبية الكاسحة من اﻷفلام التي تتبنى قضايا نسوية دومًا ما تراهن على مواضيعها قبل الحكايات التي تقدمها، بمعنى أن عنصر الحكاية يكون في مثل هذه اﻷفلام مجرد جندي يقوم على خدمة الموضوع و"الرسالة" وليس عمودًا فقريًا للفيلم قد يكون الموضوع أحد فقراته.

على أية حال، الفيلم بالطبع وكما كان متوقعًا لا يشذ إطلاقًا عن هذه القاعدة ولا يبذل أية محاولة حتى، فكل الشخصيات النسائية -كالعادة- منسحقات ومظلومات ويقفن جميعهن في خانة الضحية، بينما تقبع غالبية الشخصيات الرجالية -إن لم تكن جميعها- في خانة اﻷشرار المتسلطين الذين يتوجب ارتكاب مذابح جماعية في حقهم من وجهة نظر نساء الحارة، وحتى مع اعترافي بوجود مشاكل جسيمة في المنظومة المجتمعية التي تعطي هيمنة واسعة للرجال على حساب النساء مما يخل بالمساواة المنشودة بينهما، إلا أن الفيلم نفسه -وبسند من اﻷدبيات النسوية- لا يفرق على اﻹطلاق بين ثقافة السلطة الذكورية وبين الرجال أنفسهم، مما يؤدي لتحويل الرجال كافة إلى أعداء.

كان أكثر مشهد جعلني أفكر في كل هذه الجوانب المتداخلة هو المشهد الذي تقرر فيه جميع سيدات الحارة إنزال عقاب جماعي بجميع رجالهن بعد سرقة ملابسهن من حمام السباحة بفعل مجهول، ويقمن بالتهليل لانتصارهن في هذه الموقعة على اﻷعداء عفوًا... أقصد الرجال"، لم أستطع بأي حال من اﻷحوال مع هذا المشهد أن أزيل من فمي الطعم المر للتحيز النسوي ضد الرجال كافة، وقد تردد بينك وبين نفسك لتقول "يا ولدي... ما يحدث لا يعبر بالضرورة عن آراء صناع الفيلم"، لكن حتى هذه الحجة لم تنطلِ عليّ.

ولا ننسى بالطبع أن الفيلم يفرد مساحات هائلة ليس لبناء حكايته وشخصياته لا سمح الله، وإنما لمنح الشخصيات كم هائل من المونولوجات الشارحة والشكاوى المستمرة عن أحوال الدنيا وقهر الرجال، وحتى مع احتواء بعض هذه المشاهد على أداء لافت للنظر بفضل تفوق "أبو ذكري" المعتاد في توجيه الممثلين، إلا أن سيطرة لغة الشكوى والتبرم طوال الوقت تسحب من هذه المشاهد ما قد تتميز به.

لكن في المقابل تقع كاملة أبو ذكري في فخ تنميط نيللي كريم أدائيًا، لن تلمس هنا أي لمحة مختلفة ولو قليلًا عن أداءتها في أعمالها التليفزيونية اﻷخيرة، وهو ما عرضها في الفترة اﻷخيرة ﻷن تتحول مع اﻹصرار على تكريس نمط بعنيه من اﻷداء أن تتحول إلى مادة ثرية للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع ذلك، تصيب "أبو ذكري" الهدف في توجيهها الممتاز لـناهد السباعي، حيث لا تتوقف عند حد استغلال ملامحها الشعبية وبشرتها السمراء، وإنما تصل بشخصيتها حتى النخاع دون الاستسلام لنمطية تقديم "عبيطة الحارة" المعتادة، مع رشاقة هائلة في اﻷداء الحركي حينما نراها وهي تسير فرحًا أو وهي تمشي راقصة أو حتى حين تسير حزينة منكسرة، مع تطور ملحوظ في تطويع ملامح الوجه.

كما تتوجب اﻹشارة -حتى مع كل مشاكل الفيلم- إلى جودة تصميمات الديكور وتماهيها مع مشاهد التصوير الخارجي حتى يشكلا معًا شيئان لا ينفصمان، وجودة كافة المشاهد المصورة تحت الماء وعلى وجه الخصوص المشهد الذي تتخيل فيه "ليلى" ابنها في مرتها اﻷولى في حمام السباحة.

لكني في الحقيقة لا أدري إلى متى سندور داخل تلك الحلقة المفرغة من تناول نفس الموضوعات بنفس الطريقة وبنفس العقلية، ومتى سنتحرر من ذلك الاستعلاء المتبادل سواء من الرجال أو من النساء، وإلا فلن يقتصر اﻷمر على يوم واحد يوم للستات، بل قد يؤدي بهم اﻷمر للعيش في جزيرة بمفردهم.



تعليقات