"Arrival".. لمحة فنّية مُبتكرة تُنعش خيال السينما العلمي

  • نقد
  • 11:06 مساءً - 11 ديسمبر 2016
  • 1 صورة



فيلم "Arrival"

إذا أفقت يومًا ما من نومتك لتجد مجموعة من الأشخاص الغرباء قاموا باقتحام منزلك الذي تقطنه بدون سابق إنذار ولأسباب مجهولة الدوافع، يقفون أمامك وينظرون إليك مباشرةً ولا يفعلون شيئًا، فتهم بسؤالهم في فزع، من أنتم؟ وما هي غايتكم المنشودة في منزلي؟ وهنا تكتشف الصدمة الكبرى بأنهم أشخاص أجانب يتحدثون معك بلغة لا تعلم عنها شيئًا ولا تفهم فيها حرفًا واحدًا، إنهم دخلاء وأنت خائف بكل تأكيد ولكن حتى الآن لم يهاجموك وعندما تحادثهم يحادثونك ولكن بلغة مبهمة، السؤال الآن؛ ما هو التصرف الأمثل في مثل هذا الموقف؟ وماذا أنت بفاعل في ظل هذا الشعور بالتهديد؟ وكيف ستكتشف هوية هؤلاء الأشخاص وحقيقة نواياهم تجاهك؟ هل يضمرون لك الشر وينوون إيذائك أم يريدون لك خيرًا؟ هل هؤلاء الأشخاص يشكلون خطرًا حقيقيًا على حياتك أم أنهم جاءوا لغرض ما جيد؟ هل ستقدم على فعل ربما لا يحمد عقباه وستهاجمهم في خطوة محفوفة بالمخاطر ومجهولة العواقب حيث إنك لا تعلم شيئًا عن ردة فعلهم إيذاء هذا الهجوم؟ أم ستحاول إيجاد سبيل للتواصل معهم لاستكشاف ما يدور في عقولهم؟

النصيحة التي أستطيع أن أقدمها لك عزيزي القارئ وذلك بعد أن انتهيت للتو من مشاهدة فيلم "Arrival "،هي أن تتسلح بمبدأ المفاهمة لتكون الركيزة الرئيسية التي تستند عليها خلال مرحلة فك شفرة هذا اللغز، وأن تحاول إيجاد وسيلة للتواصل معهم ومعرفة نواياهم بدون التطرق إلى أي وسيلة من وسائل العنف إلا عند الدفاع عن النفس في حال إذا كشف هؤلاء المقتحمين عن أي نوايا شريرة.

وهذا بالتحديد ما يناقشه الفيلم الذي تتحدث قصته عن هبوط سفن فضائية ضخمة وغريبة على أراضي اثني عشر دولة مختلفة حول العالم، تحتوي كل سفينة على زوجين من الوحوش الفضائية ولا يوجد أي منطق محدد لتواجد هذه الكائنات وانتشار تلك السفن على هذا النحو، هبوط أحد هذه السفن في ولاية مونتانا بالولايات المتحدة الامريكية أجبر السلطات والمخابرات الامريكية على استقطاب صفوة البلاد من علماء اللغة وخبراء الترجمة وعلى رأسهم خبيرة علم اللغات Louise Banks وذلك لمساعدتهم على التواصل مع تلك الكائنات وإعطاء تفسيرات محددة ومقنعة لما يحدث حولهم، وبعد عمل وجهد دؤوبين توصلت الخبيرة إلى استنباط أكبر عدد من الكلمات التي كانت تبدو مثل لوحات فنية بعد اقترابها من الوحوش وترددها عليهم بشكل مكثف.

المخابرات الأمريكية في البداية كانت ترعى فكرة التفاهم ولكن بسبب حفاظ كل دولة من الدول الاثني عشر المنكوبة على سرية معلوماتها كما تفعل الحكومة الأمريكية أيضًا، وكأن كل منهم يبحث عن مصلحة شعبه فقط ولتذهب باقي الدول إلى الجحيم، فضلًا عن أن الحكومة الصينية استشعرت الخطر على شعبها وأعلنت قرارها بتدمير السفينة المستقرة على أرضها، فقد اتخذت الحكومة الأمريكية قرارها بإلغاء ومغادرة المعسكر المقام بجوار السفينة وعدم منح كامل الفرصة للعلماء والخبراء لإيجاد تفسير منطقي لهذه الزيارة المفاجئة.

أمر جلل مثل هبوط كائنات فضائية على الأرض يمثل تهديد للبشرية بأكملها ولا يختص دولة بعينها دون أخرى ومع ذلك تتباين القرارات بين الدول ما بين الهجوم والانتظار وهذا الأسلوب يوضح بكل بساطة حالة التخبط وعدم التوحد وتضارب المصالح في الواقع المؤسف الذي يسود أجواء العلاقات بين دول العالم الآن، والذي يتجلى وللأسف الشديد بشكل أكبر في أمتنا العربية، فقد كان من المفترض تشكيل لجنة مكونة من ممثل عن كل دولة، يتجاذبون فيها أطراف الحديث ويتشاركون فيها آراء علمائهم المختلفة للوقوف في النهاية على قرار واحد مدروس جيدًا، ولعل تلك القرارات والاجتماعات القائمة على المشاركة والتخطيط والدراسة وآراء العلم والخبراء هي ما نحن في أمسَ الحاجة إليه في عالمنا العربي لتقديم حلول جذرية وقاطعة لكل أزماتنا المعاصرة التي تعتصر جسد الوطن العربي من إرهاب وطائفية وعنصرية وفساد وفقر وجهل وهجرة غير عشوائية.. إلخ

"قصة حياتك" هو اسم القصة القصيرة للروائي الأمريكي ذي الأصول الصينية Ted Chiang، والتي جذبت إليها المخرج الكندي المتألق دائمًا Denis Villeneuve لينقل سحرها إلى شاشات السينما تحت عنوان "Arrival" طامحًا أن تلقى رواجًا لدى الجمهور يظهر صداه في إيرادات شباك التذاكر، وبالفعل كان له ما أراد، فالفيلم منذ انطلاقه بالسينمات يوم 11 نوفمبر وهو متواجد بقوة وفي ترتيب متقدم دائمًا بين أفلام Box Office بعد أن تخطى حاجز الـ70 مليون دولار في أقل من شهر، بالإضافة إلى الإشادة الهائلة من النقاد والتقييم المتميز للفيلم في مواقع عملاقة في عالم الأفلام مثل IMDB (8.4) ،Rotten Tomatoes (93%)

أؤمن تمامًا بأن النجمة اللامعة Amy Adams والتي جسدت دور الخبيرة Louise Banks باقتدار تقترب شيئا فشيئًا من حصد جائزة الأوسكار هذا العام ولأول مرة في تاريخها الحاشد بعد أن ترشحت للفوز بها في خمس مرات سابقة، أربعة منها عن أدوار مساعدة في أفلام “Junebug” عام 2006 و“Doubt” عام 2008 و”The Fighter” عام 2010 و”The Master” عام 2012، أما الترشح الأخير كان عن دورها الرئيسي في فيلم “American Hustle” في عام 2013، ولكن بعد تألقها هذا العام في عملين كبيرين وهما فيلم "Arrival" بجانب فيلم "Nocturnal animals" الذي سينطلق قريبًا في السينمات، أعتقد بأنها قامت بتثبيت وترسيخ أقدامها ضمن المرشحات لنيل جائزة اوسكار 2017 كأفضل ممثلة عن دور رئيسي.

ستكون مخطئًا إذا اعتقدت بأن الفيلم سيتركك تمضي في حال سبيلك بعد أن تنتهي من مشاهدته، فالنهاية مثيرة لعلامات التعجب والاستفهام وتدعو للتفكير العميق وأيضًا تفتح الباب للعديد من التساؤلات وربما تركته مفتوحًا عن عمد لدعوة أجزاء أخرى قادمة مرحب بها بكل تأكيد.

الخلطة السحرية المدهشة التي تجمع بين الخيال العلمي والغموض والدراما، بالإضافة إلى الإعلان التشويقي للفيلم الذي لم يكشف عن كل أسراره تمامًا كما فعلت في تلك المراجعة، فضلًا عن عنوان الفيلم الذي لا يوحي بأنك بصدد مشاهدة فيلم خيال علمي، كل هذه الأمور مجتمعة بجانب القصة الخلّاقة وغير التقليدية جعلت الفيلم أكثر جاذبية، وعندما تشاهده، ستتيقن بأن الفيلم يحفر لنفسه مكانًا ليستقر داخل رأسك، لن تستطيع نسيانه.

وصلات



تعليقات