la la Land.. مدينة الأحلام

  • نقد
  • 12:08 صباحًا - 1 فبراير 2017
  • 3 صور



صورة 1 / 3:
صورة 2 / 3:
صورة 3 / 3:

"هذا هو الحلم، هو صراع وحل وسط، إنه مشوق ومثير للغاية"

هل يمكن أن يصبح السعى وراء الحلم، حلمًا هو الآخر؟ الطموح في تحقيق الهدف، هل يصبح شىء خيالى بعيد المنال؟ الإنسان خلال فترة حياته يبنى حلمًا ويضع هدفاً أمامه ليصل إليه، يرسم عالم فى خياله مليء بالأماني والتطلعات، ليجد نفسه يعيش في مدينة الأحلام هو فقط من بناها بكل تفاصيلها، ويبدأ فى نقل هذا العالم إلى أرض الواقع، لكن هذا ليس بالأمر السهل أبدًا.

تبدأ رحلتنا داخل مدينة الأحلام (لا لا لاند) وهي تعتبر اسم حركي لمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، نتعرف على ميا (إيما ستون) فتاة تعمل في أحد المقاهي بإستوديهات "وارنر بروس" وتتطلع لتعمل ممثلة، وفى الجانب الأخر نتعرف على سيباستيان (ريان جوسلينج) شاب يعمل عازف بيانو في مطعم ويحلم بامتلاك نادي جاز خاص به.

تتلاقى الأقدار ويجتمع ميا وسيباستيان في أكثر من مرة حتى يصبحو ثنائي؛ كل منهما يحلم أن يحقق طموحه، يقرروا أن يتشاركوا شغف الوصول للحلم معًا، فهل يستطيع الثنائي النجاح في تحقيق هذا الحلم؟

الفكرة الأساسية في محور الفيلم هو الإصرار على السعي وراء الحلم، أن يصبح لديك هدف محدد يمتلكك من كل الجوانب لا تستطيع التفكير في أي شيء آخر، تتحول إلى أسير لهذا الحلم؛ حالة من السخرية القدرية، فالحلم معروف بعفويته وتلقائيته، عالم طليق تستطيع أن تشكّله دون قيود، لكن هنا يكمن سجن عقلك الباطن، الذي لا تستطيع أن تحرره إلى أرض الواقع لتجد نفسك أمام صراع داخلى وخارجى، أنت متمسك بوجهة نظرك الفردية تجاة هذا الحلم لكن ستصطدم بواقعية العالم المحيط ومدى قساوته وستحاول جاهدًا السير فى نفس الطريق ولكن ستجد نفسك تتخلى عن تفاصيل كثيرة فقط لتستطيع التكيف.

قدم المخرج ديميان شازل عالم خيالي جميل فى لوحة مرسومة بعناية، عالم يتشكل من طموح وأمال زينها بمقطوعات موسيقية مميزة. خلال الفيلم استخدم المخرج خلفية طبيعية أكثر من مرة لتقديم المشاهد الأساسية، كان مشهد الشروق هو العامل المتكرر فمن خلال ألوان الشروق من تداخل الأزرق والأرجواني والأحمر بنسب تتشكل خلفية رائعة من خلالها يعكس كل لون معنى رمزى. الأرجواني لون يرمز الى الجمال والإبداع، فمن خلاله يهرب الإنسان من تعقيدات الواقع ليعيش في عالم الخيال حيث الانسجام والتناغم. اللون الأزرق يرمز إلى والاستقرار والعقلانية والثقة والتفاني. اللون الأحمر يرمز إلى الإفراط في مشاعر الحب والحماس والإثارة. عنصر الألوان يعتبر بنية أساسية في الخط الدرامي، فهذا المزيج من الألوان يعتبر مرآة تعكس الأفكار والمشاعر والصراعات بداخل الشخصيات، توضح المراحل النفسية التي يمر بها. ليست فقط الألوان بل أيضا التوقيت في تقديم المشاهد فاستخدام توقيت الفجر يعبر عن بداية جديدة للأحداث، يقدم أمل جديد، بالإضافة إلى تقسيم الخط الدرامي من خلال فصول السنة؛ فكل فصل يتسم بمرحلة مختلفة فى تطور الأحداث.

عنصر التصوير من أهم العناصر التي شكلت ملامح الفيلم، حيث لعب دورًا بارزا في تقديم الفيلم بصورة جمالية لا تنسى. استخدم مدير التصوير لينوس سانجرين في المشهد الافتتاحي للفيلم تقنية الـone shot وهي لقطة مطوله باستخدام كاميرا واحدة بمنظور بعيد المدى ليقدم صورة عريضة بتفاصيل كثيرة. المشهد كان مميز جدا وتم وضعه فى إطار راقص موسيقى غنائى. من التقنيات المهمة أيضًا في التصوير هي الإضاءة؛ والتي لعبت دورًا قويًا في التركيز على تكوين ملامح الشخصيات وأفكارهم الداخلية، من خلال مشهد سيباستيان الأساسي في عزف البيانو فى المطعم. وجّه لينوس الضوء المركز على سيباستيان وأظلم البيئة المحيطة وهو يعزف وفصله تمامًا عن العالم الخارجي ليوضح لنا نظرة سيباستيان وطريقة تفكيره المنحازة نحو عالم الجاز و مدى اندماجهيفى تحقيق حلمه الذي لا ينتبه إليه الناس.

الموسيقى التصويرية -بلا أدنى شك- هي ورقة الجوكر فى هذا العمل الفنى المتألق، قام الملحن جاستن هيرويز بتلحين مقطوعات موسيقية رائعة وضعت الفيلم في إطار ساحر متناغم لا تستطيع محوه من أذانك حتى بعد انتهاء الفيلم. الأغاني والموسيقى التي صاحبت الفيلم منذ البداية حتى النهاية أضافت في ناحية توضيح فكرة الفيلم والمحور الذي يعتمد عليه الخط الدرامي، فباستخدام نوتات عالية وهادئة، عكس مدى الصراعات التي واجهتها الشخصيات؛ فلا يوجد استقرار دائم ولا يوجد أيضًا نزاعات خالدة. المزيج الرائع لكلاسيكيات موسيقى الجاز والموسيقى المعاصرة شكلت تجانس موسيقي جميل تجعلك فى بعض الأحيان تشعر بالنوستالجيا للموسيقى الكلاسيكية وفى أوقات أخرى تشعر بالنشاط والحيوية تشعل الحماس لديك. المقطوعة التي تسمى"Mia and Sebastian's Theme "هى نقطة الالتقاء المهمة في الخط الدرامي فمن خلالها تعرفنا على أعماق سيباستيان واستخدمها المخرج في خلق منعطف في الحبكة الدرامية وتقديم بعد آخر للخط الدرامي فلعبت دورها كأداة لمسارين مختلفين شكلهم المخرج لتقديم فكرة الاختيار و مدى تأثيرها في شكل الحياة. من الطبيعي أن فيلم غنائي موسيقي يلفت انتباهنا إلى موسيقاه الخاصة، لكن بجانب جمال وتناغم الأغاني واللوحات الفنية إلا أنها لعبت دورًا مهمًا في نقل وإظهار تطورات الشخصيات طول الفيلم وعرض الفكرة التي تدور حولها الأحداث.

مستوى التمثيل في الفيلم يعتبر رائع وتلقائي، ريان جوسلين و إيما ستون برعا في تجسيد الشخصيات بشكل احترافي بالإضافة لجمال أدائهم الغنائى وتميز ريان فى العزف على البيانو؛ أيما ستون كانت جميلة ومرنة وتحركاتها الراقصة كانت عفوية ولها إطلالة في غاية الروعة، روحها عزبة وطفولية تأثرك بشقاوتها وملامح وجهها المعبر، ريان كان ساحر فى بساطة أدائِه فلديه كاريزما تجعلك تعشقه و تنتظره فى أى مشهد طول الفيلم، لديه لمسة كوميدية تلقائية تخطف إبتسامتك بكل سهولة. العلاقة الرومانسة بينهم كانت بسيطة فكل منهما لديه حلم يريد أن يحققه فجمعهم القدر معًا ليشارك كل منهم الأخر شغف الوصول للحلم. بنى ميا وسيباستيان عالم الأحلام الخاص لكل منهما وقررا الاستمرار في الوصول لأعلى الجبل لكن تتغير الأقدار وتصبح القرارات التي اتخذوها سبب فى تغير منعطف حياتهم؛ قرارات تحقيق الحلم للأسف لا توازي قرارات حياتهم الشخصية والاستمرار معًا، فعالم الأحلام لا تستطيع أن تبنيه على أرض الواقع وإذا تم بنائه لابد من وجود تضحيات، وستواجه الكثير من التحديات التي تؤدي للتخلي عن أشياء كثيرة فى طريق تحقيق هذا الحلم.

الفيلم لوحة فنية موسيقية فريدة من نوعها، فكل عناصر الفيلم من ألوان وتصوير وإخراج وموسيقى ورقصات تشكلت معًا لتقديم هذا النموذج الإبداعي المميز؛ كل عنصر سار في خط موازي للخط الدرامي لتوضيح أبعاد فكرة الوصول للحلم في واقع الحياة فليس هناك حلم دائم أو حلم ثابت لا يشوبه تغيير، ففي كل خطوة للأمام في تحقيق هذا الحلم تتغير الأساليب المستخدمة ويتشكل الحلم ويأخذ مسار مختلف عن وقت تكوينه فى البداية. تجربة جميلة ممزوجة بالأمل والإصرار والتعب والحب والمشاركة ليصبح عالم “اللا لا لاند” عالم خيالي يتم تشكيله على أرض الواقع ويترك بصمة لا تُنسى في عقول المشاهدين.

وصلات



تعليقات