حريتك أم أمانك.. حان وقت الاختيار (10/2)

  • مقال
  • 04:39 مساءً - 15 اغسطس 2018
  • 5 صور



أنت وتليفونك المحمول كالتوأم الملتصق، تحمله معك أينما كنت تسجل عليه كل لحظة بحياتك، تشارك من تعرفهم أو لا تعرفهم أدق تفاصيل حياتك من خلال حسابك الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستجرام"، تلك التفاصيل التي تتصنعها وتتخيلها ومن ثم تشكلها على هيئة صور، وفيديوهات تعبر عن سعادتك ورفاهيتك ومثاليتك، لعلك تكسب رضا متابعينك وبالتالي يزيدوا، ويزيدوا حتى يصبحوا بالآلاف، والملايين، يرون منك وجهك الذي تحلم به وتتخيله وتزيفه، لتقنع الجميع أن ذلك الوجه هو وجهك الحقيقي، وجانبك المضيء دائمًا ولا يعلمون أنه بمجرد انتهائك من تسجيل صورة، أو فيديو، يعود وجهك بدون ابتسامة أو ضحك، تنظر حولك لتجد نفسك وحيدًا سواء في بيتك أو خارجه، لا يعرفون تهافتك لتعويض نقص يتعلق بالمشاعر الدافئة والأصدقاء الحقيقيين والحب، أو يعرفون كل ذلك لأنهم مثلك يبحثون عن السعادة حتى وإن كانت لحظية زائفة، هل يمكن أن تسرح بخيالك لما هو أكثر زيفًا وتحكمًا بحياتك؟ لنرى..

خمس نجوم تتحكم بحياتك

تخيل معي أن تكون حياتك كلها بما تتضمنه من مستواك الاجتماعي، والمادي، ودرجة رفاهيتك ومقدار أهميتك وعدد أصدقائك، وإمكانية اختيار شريك حياة مهم ومؤثر، كل ذلك يتوقف فقط على عدد نجوم تقييم الناس لك، ماذا يعني ذلك؟

بمجرد ما تنظر لأي شخص تقابله في أي مكان يظهر بجانبه رقم ما من خمسة أى 4/5 أو 3/5، يعتمد ذلك التقييم على مدى تقبل الناس له ومعاملته الحسنة – دائمًا - لهم مهما كانت حالته الصحية، ومهما كان يومه صعبًا، فمثلًا تقابل زميلك في العمل صباحًا، وأنت تحمل هموم كثيرة، ويكون الحوار كالتالي:

زميلك"بابتسامة": صباح الخير

أنت "بضحك وافتعال": صباح الخير.. تعجبني ملابسك كثيرًا،

ونتيجة لذلك يحبك زميلك، ومن خلال زر بسيط بتليفونه المحمول يعطيك خمس نجوم على حسابك الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، فيرتفع تقييمك من 3/5 إلى 3,5/5، بذلك تزيد احتمالية حب الناس لك وتقديرهم لذاتك ولمجهوداتك في الحياة – بصرف النظر عن نوع ذلك المجهود وقيمته - ويلتف حولك الأصدقاء أكثر وزملاء العمل وترتقي في مناصبك الوظيفية، ويصفك من حولك بالشخص المهم المؤثر على صفحات التواصل الاجتماعي، وبذلك تستطيع أن تعيش في مستوى معيشة أعلى ومنزل فخم، ذلك المنزل الذي حصلت على خصم كبير عليه بسبب تقييمك العالي، وأيضًا تستطيع أن تقابل حب حياتك المهم المؤثر أيضًا، والمناسب لمستواك الحالي من التقييم على مواقع التواصل الاجتماعي.

اعترض فأنت الآن شخصًا منبوذًا

لكن توقف للحظات، وأسأل نفسك ماذا يتطلب منك ذلك؟، ببساطة كن مسخًا مزيفًا كاذبًا، ارتدي الوجه المبتسم الضاحك دائمًا، قل لكل شخص تقابله كم هو جميل – بصرف النظر عن مدى قبحه أو كرهك له - لا تساعد أحدًا تقييمه أقل من تقييمك، احترس من العصبية والصراخ في وجه أي أحد مهما كان مستفزًا، أحذر من الشكوى مهما كان الموقف مؤلمًا وإلا سوف تسوقك ردود أفعالك الطبيعية هذه إلى خسارتك لعملك، لأن تقييمك سيء على حسابك الشخصي، مما يمنعك من الدخول من باب مكتبك، ذلك الباب الكهربائي الذي لا يفتح إلا لأصحاب التقييم العالي، كما سوف يعاقبك رجل الآمن بإعطائك تقييم سيء كعقاب لك بدلا من محاسبتك قانونيًا، فيحاسبك اجتماعيًا - لأنه الأكثر تأثيرًا الآن – بسبب اعتراضك فقط على موقف ما حدث من أحد المارين في الشارع، وبالطبع كل من شاهد الموقف قرر أن يعاقبك أيضًا باعطائك تقييمًا سيئًا، فأصبحت 2/5 بدلا من 4/5، وهنا إشارة خطر فأنت الآن مجنون ومنعزل، ولن يساعدك أحد مهما كانت مشكلتك مثلما فعلت أنت عندما احتاجك شخص صاحب تقييم سيء، وينحدر بك الحال إلى أن ينتهي بك في السجن فالسجن حينها يصبح مجرد ملجأ لذو التقييم السيء المنبوذين من المجتمع، من أعلنوا عن غضبهم بسبب معاملة سيئة، أو صرخوا في وجه أحدهم لأنه استفزهم، أو ليس هذا أو ذاك بل ببساطة تعاملوا على طبيعتهم، وأفصحوا عن آرائهم وتعاملوا بوجههم الحقيقي، وليس من خلال القناع الذي يرتدوه ويجعلهم مسخ عبيد لذلك التقييم، وبالتالي عبيد لكل من يقابلوه في حياتهم ممن يتحكمون بهم من خلال خمس نجوم توضع على حسابهم الشخصي على مواقع التواصل الإجتماعى، تصنفهم بين السيء المنبوذ المجنون، والمهم المؤثر المحاط بالآلاف الذي فقد حريته وآدميته وعلاقته مع من يحبونه حقًا بهدف أن يكون محاطًا بهالة من الحسابات المؤثرة المهمة التي تشكله وتبقيه بخير.

استعباد التقييم على بعد عدة كيلو مترات

السؤال هنا من أنت منهما، هل تريد أن تحيا حياة طبيعية بسيطة وتتعامل بتلقائية، والأهم بحرية مهما كانت العواقب فأنت ببساطة حر سعيد، أم تريد ألا تخرج من دائرة استعباد التقييم الذي يملى عليك أفعالك وردود أفعالك ويجبرك على الزيف والخداع حتى تضمن مكانتك ودائرتك الآمنة، حتى إن كانت مجرد قشرة هشة، هل ستكون سعيد بذلك والأهم حر؟

فكرة تقييم كل من حولك من خلال حسابه على مواقع التواصل الاجتماعى ليست بالفكرة الجديدة أو مفاجآة لنا في عصرنا هذا، فنحن نعيشها وتمتلكنا شيئًا فشيئًا، منا من سببت له التعاسة ولمس الشعور بالاستعباد، فابتعد فوصفناه بالمنعزل، ومنا من سحبته لها كالدوامة وفي لحظة ما لن يستطيع الخروج منها ومن هنا يحدث "الانحدار". مازال لديك الوقت و التفكير لاتخاذ القرار، فناقوس الخطر يدق وفي نفس الوقت ما زال لديك قدر من الحرية التي لن أضمنها لك كلما يمر الوقت.

عايز اللى يساعدك إتفرج على حلقة nosedive – مسلسل black mirror- على Netflix.


وصلات



تعليقات