تراب الماس... الجريمة تفيد أحياناً

  • نقد
  • 12:59 صباحًا - 20 اغسطس 2018
  • 6 صور



كان نجيب محفوظ حريصاً على أن يكتب سيناريوهات لأفلام عن قصص لأدباء آخرين، ويترك مهمة نقل أعماله الروائية للشاشة لكتاب سيناريو غيره ليسوا بالحتم أكبر منه حرفة ولا موهبة! وكان رأيه أن الأديب عندما يكتب روايته فقد أودع خلالها كل ما يريد أن يقوله، من المعاني والصور والشخصيات والأحداث والأراء السياسية والاجتماعية، بحيث أنه يبدو وقد فرغ تماما من تلك الحالة وأفرغ ما في روحه وعقله منها، ثم يأتي كاتب سيناريو يتعامل مع عناصر الرواية ويضيف لها أو يراها بمنظور مختلف أو يستخرج ما كان منها مختفياً ما بين السطور، أو يحذف منها بعض ما يراه عبئا ثقيلا على العمل السينمائي! هذا عن نجيب محفوظ ولكن بالتأكيد في العالم كتاب رواية شاركوا في صياغة سيناريوهات عن أعمالهم الأدبية قبل تحويلها لأفلام سينمائية! أما تجربة أحمد مراد في أفلامه الثلاثة التي قدمها مع مروان حامد فاعتقد أن أفضلها وأكثرها ارتباطا بالشكل السينمائي كانت مع "الأصليين" وهذا لا يعني أن تراب الماس ليس فيلما مهما! بل أنه ممتع حقا ويحتوي على نقاط إجادة وتميز سوف نستعرضها لاحقاً، ولكن سيناريو الفيلم الذي كتبه أحمد مراد نفسه، يزدحم بالتفاصيل والأحداث والشخصيات والأزمنة التي كأنها أحدثت ارتباكا وزحاما أطال مدة عرض الفيلم بلا داع، ومن أول قواعد كتابة السيناريو أن الاختزال في الحدث والشخصيات كلما أمكن يجعل إيقاع الفيلم أكثر اتساقا بحيث لا تتوه الأفكار والمعان التي يريد الفيلم أن يقدمها للمشاهد.

المقولة التي ترددت مع بدايه الفيلم، أن الأخطاء الصغيرة يمكن أن ينتج عنها كوارث كبيرة حتى لو تم الاعتذار عنها، وتعود بنا الأحداث إلى زمن بداية ثورة يولية 1952 مستعرضا دور محمد نجيب أول رئيس جمهورية بعد انتهاء زمن الملكية ورحيل الملك فاروق عن أرض مصر، ثم يستعرض السيناريو ما حدث مع محمد نجيب وإزاحته أو الانقلاب عليه من عبدالناصر وبقية من أطلقوا على أنفسهم الضباط الأحرار!! وهنا يحق لنا أن نتساءل ما هى الأخطاء الصغيرة في هذه الحكاية؟ هل ما حدث مع محمد نجيب؟؟ وما تبعه من كوارث دفعت ثمنها مصر وشعبها؟؟ أم الأخطاء الصغيرة هى ما تم ارتكابه في حق الملك فاروق، وعائلته وأقربائه وكل من كان له قيمة أو يتمتع بثروة قبل حدوث الانقلاب! ربما لم يستطع السيناريو شرح وجهة نظره بشكل واضح، لأسباب عدة نستطيع أن نتفهمها، إذن لم يكن هناك داع للمرور على هذه المرحلة من التاريخ، وخاصة وأن كل ما نتج عنها لم يكن له مردود في سير الأحداث، وإذا كان المقصود هو شرح العلاقة بين الطفل "حسين الزهار" والصائغ اليهودي"بيومي فؤاد"، الذي ورث عنه سر تراب الماس فكان الأكثر حكمة أن تكون تلك العلاقة هى نقطه البداية، ومرحلة انطلاق أحداث الفيلم، وخاصة وأن اليهودي قد دفع ثمن خيانته بتراب الماس، المادة القاتلة التي تسبب لمن يتعاطاها نزيف مستمر يؤدي إلى الوفاة في نهاية الأمر! عرج السيناريو إلى سنوات صبي حسين الزهار "محمد الشرنوبي" وهزيمة يونية ونهاية عصر عبدالناصر، ثم انتصار أكتوبر، ثم إصابه حسين الزهار تلك الأصابة التي جعلته قعيدا لا يغادر كرسيه المتحرك وقد أصبح "أحمد كمال"، والحدث المفصلي الأساسي يبدأ عند مقتل حسين الزهار، وإصابة ابنه الصيدلي "طه" أو آسر ياسين بضربه على رأسه كادت تلحقه بأبيه! يطرح الفيلم عده أسئلة تتحول إلى ألغاز أولها من الذي قتل حسين الزهار؟ ولماذا؟ يحاول الابن طه بعد أن قضى فترة غيبوبة، أن يحث ضابط المباحث العقيد "وليد سلطان" أو ماجد الكدواني بضرورة محاولة فك طلاسم الجريمة التي أودت بحياة والده القعيد، ولكن ضابط المباحث ينصحه بالانصراف إلى حياته لأن الشرطة لن تكلف نفسها عناء البحث الإ لو كان الضحية من صفوة القوم أو VIP.

تلعب الصدف دورا كبيرا في فك وحل طلاسم القضية، ويكتشف طه حسين الزهار بين أوراق والده كتيب صغير يحمل أسراراً مرعبة، وعلاقته بأشخاص وعائلات تمتد من الماضي، عاشوا لينشروا فسادهم في قلب المجتمع، وأن من يعتقد أنهم حماة القانون والقيم، هم أصل البلاء، وكما كان "تراب الماس" له مفعول قاتل في التخلص من كل من أفسد أو ساعد على فساد، تستمر الجرائم ويتساقط المذنبون قتلى، ولكن هل بالقتل تتحقق العدالة بحيث يتحول اﻹنسان مهما كان درجة نقائه إلى قاض وجلاد في آن واحد، وما هى الحدود الفاصلة بين تحقيق العدل واقتراف الجريمة؟ الأحداث تبدو مثيرة بعد انقضاء الثلث الأول من الفيلم، وأحيانا تستطيع أن تتوقع ما سوف يحدث وخاصة في طبيعة العلاقة بين الإعلامى الشهير"شريف مراد" أو إياد نصار وبين "سارة" أو منة شلبي مديرة إنتاج برامجه الناجحة!

من مميزات السيناريو أنه لم يلجأ للحلول الأخلاقية التقليدية بأن القاتل لابد وأن ينال جزاؤه وأن الشرطة لابد وأن تقبض على الجناة في النهاية، الحمد لله مفيش الكلام ده ، ولهذا السبب كانت فرحة الجمهور بالنهاية، ذلك أن داخل كل متفرج أو مواطن مصري الرغبة في القضاء على الفساد الذي يرتع في البلاد بكل حرية، وأن من افسدوا حلال فيهم القتل بأكثر الطرق وحشية.

تراب الماس يضاف إلى سلسله إبداعات مروان حامد، الذي أصبح نجما للأفيش يجعل المشاهد يقبل على مشاهدة الفيلم بمجرد قراءة اسمه، وتعاونه مع أحمد مراد أضاف للكاتب كثيف الإنتاج نجاحا في مجال السينما، اختيار أماكن التصوير وزوايا الكاميرا وحركة الممثل داخل الكادر ، وحجم اللقطات يستخدمها مروان حامد بحرفة بالغة تضيف معان تغني عن الكلمات، ولكن كان من الممكن الإستعاضة عن مشهد تقطيع جثة "السرفيس" محمد ممدوح، بالشنيور بإسلوب مختلف وخاصة وأن تفاصيل مشابهة تابعناها في فيلم المرأة والساطور لسعيد مرزوق!

اختيار الممثلين من أهم عناصر جودة فيلم تراب الماس، أفضلهم على اﻹطلاق "ماجد الكدواني" الذي لا يمكن بحال أن تتوقع خطوته أو حركته التالية، سيطرة كاملة على ردود افعاله، وتنقله بين الحالة المزاجية والأخرى بمقدره فائقه، بحيث كان الفيلم يمكن أن يفقد أهم أسباب نجاحه بدون ماجد الكدواني، وفرصة جيدة يستحقها "أحمد كمال" في شخصية حسين الزهار، نقطة التحول المؤثرة، وحامل الأسرار ومحرك أحداث الفيلم حتى بعد غيابه، شيرين رضا مبدعة مهما كان حجم الدور أو نوعيته اختياراتها تدل على ثقة شديدة في موهبتها، محمد ممدوح في شخصية السيرفيس آلة القتل العدوانية، الذي يفتقد للعقل والضمير، في دور لا يمكن ان يقدمه الإ ممثل مرن الموهبة، عاشق لتحدي قدراته، دور صابرين مالهوش أي تلاتين لزمة، وجودها تعطيل للحدث بلا مبرر، ممكن أن تنسى وجودها قبل أن تغادر قاعة العرض، منة شلبي منبع المشاعر والأحاسيس، وخاصة في علاقتها المرتبكة بإياد نصار، وما يمكن أن يطلق عليه العشق المدمر، عزت العلايلي في دور صغير الحجم لعبه بإقتدار رغم قلة الحوار واعتماده على ملامح الوجه، وتقلباته، أما آسر ياسين فهو يقدم الإجادة المتوقعة كأن يحرز محمد صلاح هدفا في مباراة يشارك فيها، فهذا هو المستوى المنتظر والمتوقع منه، ولكن السؤال الذي كان يدور برأسي أثناء متابعة الفيلم كيف ضحى أحمد حلمي بفرصة عمره في إعادة اكتشاف ذاته وتغيير نمط أدواره؟؟ هذا بالطبع لا يقلل من قيمة أداء آسر ياسين لشخصية طه حسين الزهار بكل تطوراتها، ولكن أنا اتحدث عن الفرص الضائعة لنجم مثل أحمد حلمى يقف في منطقة حرجة ومع ذلك يركل فرصة فنية قد لا تأتي كثيرا لممثل.

إبداع كاميرا أحمد المرسي وإضاءة المشاهد الداخلية، والحركة داخل مساحه شقة ضيقة مكتظة بالأثاث وأرفف الكتب، من أهم عناصر الجمال التي تخدم سير الأحداث، وإضافة لمواقف التوتر، مونتاج أحمد حافظ وأزياء ناهد نصر الله من العناصر الفنية المميزة، غير أن موسيقى هشام نزيه لم تكن بمستوى ما قدمه من إبداع في أفلامه السابقة.


وصلات



تعليقات