الأكذوبة التي صدقتها.. ليس هو!

  • مقال
  • 04:08 مساءً - 19 سبتمبر 2018
  • 4 صور



أنا من أحييتني من جديد

البقاء لله فقد توفى شخصا عزيزا علي هو ونيسي الوحيد في هذه الدنيا، هو من أصحو وأغفو على رؤيته، هو من يحتضنني في الحزن والصعاب، ويشاركني أحلى لحظات حياتي، ربتت صديقتي على كتفى يوم العزاء وهمست لي قائلة "شعرت بهذا الألم من قبل، وجعك الذي لا يحتمل ولن يحتمل لكن يمكنك قتله والتغلب عليه حتى ولو بالزيف والوهم، هل تريدي استرجاعه مرة آخرى؟".

كلما زودته بالمعلومات أصبح يشبهه أكثر

لم أفهم، صرخت في وجهها فلم أكن أعلم عن ذلك البرنامج الإلكتروني، الشيء اللاروحاني واللاخرافي الذي يسمح لك باسترجاع من آخده الموت منك، برنامج تعطيه اسم الشخص المتوفى فيتفحص كل ما كتبه أو قاله على الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي من فيسبوك وتويتر، ثم يجعلك تكتب له الرسائل على هيئة بريد إلكتروني ثم يرد عليك، نعم يجاوبك ويرسل لك كأنه هو - الشخص المتوفى- بعد أن يكون هذا البرنامج قد شكّل ملامح شخصيته وأسلوبه في الكتابة والكلام والدعابة، ثم ينتقل بك لمستوى آخر من التواصل فتستطيع أن تتصل به وتسمع صوته، صوت من دفنته وآخذت عزائه بالأمس، وتجرى معه محادثات هاتفية طويلة تعوضك عن غيابه، ثم يأخذك الوهم وتطمع في المزيد ، تريد رؤيته ولمسه والتواصل الفعلي معه صوت وصورة، فترسل لذلك البرنامج أكثر من فيديو له فتتشكل الصورة الكاملة عن من فقدته، وتتفاجأ في يوم بجرس الباب يرن فتفتحه لترى الوهم بعينيك مجسدا على هيئة إنسان كامل التفاصيل، فتجد نفسك ترى وتلمس جسدا طالما اشتقت لرؤيته وهنا تشعر أن الحياة دبت فيك من جديد ، ذلك الإحياء المؤقت، كأن شيئا لم يكن لا موت ولا جنازة ولا عزاء فمن فقدته حي أمامك، جسد من لحم لكن بدون دم وروح ومشاعر وعاطفة أو تفاعل بشري حقيقي، فهو لا يأكل ولا ينام ولا يتنفس، جسد يشبه الروبوت في نظامه ، روبوت على هيئة إنسان، يقتل وحدتك وألمك لكنه يقتل معهم أشياء آخرى أهم مثل وعيك وإدراكك واتزانك العقلي فيدفعك للجنون، وهنا تستيقظ من غفلتك وتتخلص من وهمك وتضغط على عينيك حتى تفيق من هذا السراب الذي تلمسه بيديك، ذلك الوجود الزائف الذي لا يعوض شيئا ممن فقدته، فيزيد ألمك ألما، أمامك من لا تعرف للحياة طعم بدونه ولكنه مسخ، النسخة المبرمجة منه فهو شكله فعلا، صوته نعم، كثير من كلامه وأسلوبه في الدعابة حقيقة، فهو النسخة المثالية منه في كل ما يخص العقل ولكن سرابا في كل ما يخص المشاعر.

أنت لست هو بالقدر الكافي، أنت لا شيء

هنا عليك الاختيار، ذلك الاختيار الذي من الممكن أن يفقدك عقلك واتزانك، بين يديك من رحل وتركك وحيدا لكن وجوده يزيد وحدتك أضعافا مضعفة، فلا حياة بينكما لأن ببساطة حضوره باهتا، أسئلة كثيرة ستدور ببالك، هل من أمامك هو من كان يوما جزء من روحك وكل حياتك؟، هل عاد بالفعل مرة أخرى ليخفف عنك ألم فراقه؟، وهل من يرحل بأى شكل من الأشكال يعود مرة أخرى أو يمكن تعويضه في شكل آخر، هل ستختار الوهم الذي يمثل المسكن المؤقت لألمك أم سترفض أن تعيش أكذوبة وترضي بالألم وتتبع المثل "وجع ساعة و لا كل ساعة".

فكر وواجه واختر بعد أن تتعايش مع تلك التجربة بحلوها ومرها في حلقة "Be right back" من مسلسل Black Mirror.


وصلات



تعليقات