"A Ciambra": دراما قويّة، ومُعايشة حقيقية..

  • نقد
  • 08:42 صباحًا - 18 نوفمبر 2018
  • 4 صور



فيلم (A Ciambra) هو واحد من أكثر الأفلام التي انتظرتُ مُشاهدتها في بانوراما الفيلم الأوروبي لهذا العام، والسبب في ذلك بسيط: إعلان الفيلم قد استحوذ كليًا عليّ عندما شاهدته المرة الأولى. يبدأ الإعلان باقتباس على لسان السيّد "مارتِن سكورسيزي" يقول فيه الآتي: "آتشامبرا" عمل قوي وإنجاز حقيقي، عالَمُهُ مُدرَك للغاية لدرجة أني شعرتُ كما لوم كنت أعيش بجانب الشخصيات".

في أي مهرجان أو فعالية سينمائية، هُناك ما يشبه الجدول الصغير (يسمونه كتالوج) فيه ملخصات قصص الأفلام المعروضة. ومُفترضًا، أن هذه القصص هي ما تجعل الوافدون على المهرجان يختارون مُشاهدة هذا الفيلم عن ذاك، ويحددون أولوياتهم حسب ميولهم ورغباتهم. هذا الشائع الحدوث في هذه الحالة.. الآن أتخيّل نفسي أقرر اختيار مُشاهدة هذا الفيلم أم لا، بعد قراءة ملخص قصته لا مُشاهدة إعلانه، الأمر كان ليكون مختلف للغاية؛ فإعلان "آتشامبرا" ليس فقط ذكي ورائع وجذاب ومثير للانتباه، إنّما الأهم من كل هذا أنه يمكن الإطلاق عليه "إعلان دعائي صادق" فعلًا، فمعظم ما ستشاهده في الفيلم هو حقًا الأجواء المنقولة لك في إعلانه.

أتذكر أني سمعت أحدًا فيما قبل قال؛ الفيلم ليس قصة فقط، بالتأكيد هُناك قصة في كل فيلم، لكن الفيلم نفسه ليس مقتصرًا على قصةً تُحكى.

شاهدتَ إعلان الفيلم؟، لنذهب إذن إلى الفيلم ذاته..

'بيو'، بين اللعب مع أصدقائه، واللعب مع الكبار

القصة تحكي عن الشاب ذو الأربعة شعر ربيعًا "بيو" (هذا هو اسم الممثل في الحقيقة أيضًا)، الذي يعيش رفقة عائلته وهم جموعة من الغجر مستوطنين في إقليم "كالابريا" بإيطاليا. بيو مراهق على أعتاب الوصول لسنّ البلوغ، لكنه لا يُعامِل نفسه على أنه يملك أربعة عشر عام، بل أربعٌ وعشرون! فبعد سجن أخيه الأكبر -والذي كان يعتبره بمثابة مثلًا أعلى له- بسبب تورطه في الأمور الغير قانونية، يجد بيو نفسه راغبًا بالذهاب عميقًا للجرائم والممنوعات كما كان أخيه يفعل، وهو الذي كان يُحضِرهُ في الحفلات والمناسبات معه، مما جعل "بيو" يتعرف على أصدقاء الأخ الأكبر ويُصادقهم، ومنهم 'آيــڤا' (كودوس سيهون) الرجل أسود البشرة الأفريقي الذي يلجأ إليه بيو كثيرًا في هذه الفترة.

إذن، فالقصة تحكي شخصيةٌ ما تسلّط الضوء عليها؛ "بيو" لديه صراع شخصي تجاه أقرانه من المراهقين والصغار في مثل سنّه، وبين الرجال البالغون الذي عاش واختبر الحياة معهم، والآن هو يعتبر نفسه واحدًا منهم، ويريد أن يثبت للجميع أنه ليس طفلًا كما يبدو، بل شخص ذكي، يتمتّع بمهارة السرقة والهرب من المطاردين، ويمكنه أن يفعل أي شيء و"قلبه ميّت".

-أنتَ بالكاد رجلًا، بيو..

=أنا رجلًا بالفعل

-حقًا؟

=نعم حقًا!

"آتشامبرا" له أكثر من سلاح يميّزه عن أي فيلم آخر يمكن درجه تحت تيمة الـ(Coming of Age)؛ فبدايةً الجو العام الذي صنعه مخرج ومؤلف العمل، الأمريكي الأصل "جوناس كاربيجنانو" قوي وعالٍ جدًا؛ مقدار المُعايشة التي تحصل هُنا كبيرة. أنتَ تفهم أولًا عالَم هؤلاء الشخصيات بسهولة (هذه إحدى نقاط قوة الفيلم فعلًا؛ أنه يعرض عالمه وبيئة شخصياته بشكل سلس وموجَز وجذاب في البداية تحديدًا)، ومن ثمَّ، تتواصل معه بسهولة.. نشاهد شكل حياة هؤلاء الناس اليومية؛ ماذا يأكلون وعن ماذا يتحدّثون، وكيف يتشاجرون ويمزحون.

هُناك مشاهد رائعة للغاية وأفراد عائلة بيو يأكلون أو يمزحون سويًا، تشعر أنها مقتطفة من فيلمٌ تسجيليّ ما لا فيلمًا تمثيليًا من فرط حقيقيّتها. أيضًا توظيف الأطفال بالفيلم كان قويًا، فمعظم المشاهد التي ظهر بها أطفال كانت مصدّقة للغاية، وهُنا نحن نتحدث عن براعة المخرج الذي قام بتوجيه ممثلينه جيدًا.

السلاح الثاني المهم للغاية في يد المخرج كان التصوير؛ فقد اختار جوناس الحركة الدائمة للكاميرا مع "بيو" وتصويره من خلف رأسه مُباشرةً (كما نرى في اللقطة الأولى من الإعلان، وفي الصورة أدناه)، أو من أمامه. هذا كان مفيدًا في جعلُنا دائما الالتصاق بهذا الكاركتر، ومُشاهدة ما يراه هو فعلًا أمامه.

الكاميرا معظم مشاهد الفيلم تأخذ هذه الوضعية؛ كأنها معلقة في مؤخرة رأس البطل

بالنسبة للشخصية ذاتها، فهي ليست شخصية بسيطة أبدًا.. "بيو" ملئ بالتناقضات وشخصيته مركّبة نوعًا ما، تعبيرات وجهه الصامتة تقول عنه الكثير حينما يقابل أحد مواقف حياته الذي يريد التصرُّف تجاهه. هناك هذه الأفلام التي تشعر كما لو أن شخصياتها مكتوبة خصيصًا لممثلينها، وهذا بالتأكيد واحدًا من هذه الأفلام. التمثيل هُنا -ومن الشخصية البطلة بالتحديد- حَدَث ولا حرج، والفيلم ذاته يركز كثيرًا على شخصياته ومنها يتحرك ناحية دفع القصة، لا العكس.

لاحظ مثلًا تعبيرات وجه "بيو" وهو يرد على أخيه؛ "نعم حقًا!" عندما يقول له قبلها "أنتَ بالكاد رجلًا"..

حتى أن القصة ذاتها يمكنك توقع بضع الأشياء فيها قرب نهايتها إذا كنت مشاهدًا جيدًا لهذا النوع من أفلام تطور الشخصيات، لكن مع ذلك، الفيلم لا يفقد جاذبيته لأن الأمر هُنا لا يقتصر على متابعة قصة نريد أن نعلم إلى أين ستسير، بل أن الحالة التي يخلقها الفيلم ومقدار التوّرط مع الشخصيات، هو ما يتبقى في مراحل الفيلم الأخيرة.

وفكرة "الصراع بين العالَمين" هذه؛ عالَم المراهقين والبالغين، ينفذها المخرج بشكل ذكي للغاية في المشهد الختامي للفيلم الذي لا أريد حرق شيء منه، لكنه مشهد يلخص الحالة التي يعيش بها بيو على مدار الفيلم.

لقطة من أحد مشاهد الفيلم الذي يغلب عليه العفوية في المزاح والتعبير

.

.

.

فيلم "آتشامبرا" من إنتاج العديد من الدول (مثل البرازيل وأمريكا والسويد وألمانيا وفرنسا والسويد)، لكنه "إيطالي" الجنسية في الأصل لأن لغته إيطالية ومُصوّر في إيطاليا. كما أن مخرجه -الذي ولد في مدينة نيويورك- يحمل الجنسية الإيطالية مع الأمريكية، وهو الفيلم الذي رشحته إيطاليا العام الماضي ليُنافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي.

الفيلم فاز بالعديد من الجوائز الدولية، رشح لـ ۳۲ جائزة حصل على ۱۳ منهم، وقد عرض العام الماضي في مجموعة من أهم مهرجانات أوروبا؛ كـ"كان" وستوكهولم، وميونخ، وتورونتو، وكارلوفي فاري.




تعليقات