السينما العربية في مهرجان كان 72.. عام السينما المغاربية

  • مقال
  • 09:12 صباحًا - 11 مايو 2019
  • 6 صور



فيلم (بابيشا)

ربما تكون المعلومة الأكثر تكرارًا في كتابات الصحافة السينمائية العربية المتعلقة بمهرجان كان هي أن فيلم "وقائع سنين الجمر" للمخرج الجزائري محمد لخضر حمينة هو الفيلم العربي الوحيد الذي نال سعفة كان الذهبية عام 1975، لا سيما في كتابات الأجيال الأسبق من النقاد، والذين كان كثير منهم يتعامل مع المهرجانات السينمائية بمنطق بطولات الكرة، فالفيلم العربي يشارك لتمثيل دولته وشعبها، وبالتالي فعلينا أن "نُشجع" العمل الذي يُمثلنا في المنافسة.

إلا إنه بين فوز لخضر حمينة بسعفته الوحيدة منتصف السبعينيات وبين يومنا هذا في ختام العقد الثاني من القرن العشرين، قرابة النصف قرن تغيرت فيه الكثير من الحسابات والمعايير، فخفتت بشكل ملحوظ نبرات الشوفينية القومية في أغلب المتابعات الرصينة لحساب الانتصار للمواهب حتى لو انتمت نظريًا لـ"معسكرات الأعداء". صحيح أن المشاركة العربية تظل موضوع اهتمام دائم بحكم اهتمام وسائل الإعلام وقراء اللغة العربية بالأعمال الآتية من دول المنطقة، لكن نزعة التنافسية القومية تفككت بشكل كبير، على الأقل في الكتابات التي يمكن أن نأخذها على موضع الجد. تغيير آخر جرى خلال نفس الفترة هو موضوع مقالنا هذا، وهو اختلاف موازين القوى السينمائية العربية ونقاط الثقل التي تُصدّر النسبة الأكبر من المواهب في المنطقة؛ ونظرة واحدة على اختيارات مهرجان كان الثاني والسبعين، سواء في برنامجه الرسمي أو أقسامه الموازية، تكشف عن القيمة التي صارت الأفلام الآتية من منطقة المغرب العربي تمتلكها في حسابها لدى المهرجان الأكبر في العالم.

خلاف حول العدد ثمانية أفلام عربية الإنتاج تُشارك في كان 72: فيلم في المسابقة الرسمية، فيلمان في مسابقة نظرة ما، فيلمان طويلان وآخر قصير أسبوع النقاد، فيلم في نصف شهر المخرجين، وفيلم قصير في مسابقة المدارس، بالإضافة إلى فيلم بريطاني الإنتاج عربي الموضوع ضمن العروض الخاصة، وفيلم كندي تنسبه بعض الكتابات للعرب اعتمادًا على جذور مخرجته مونيا شكري، الممثلة التي عُرفت دوليًا من مشاركتها في فيلم المخرج زافيه دولان "دقات قلب Heartbeats"، والتي تحمس مهرجان كان لفيلمها الأول كمخرجة "حب أخ A Brother's Love" لدرجة اختياره ليكون فيلم افتتاح مسابقة نظرة ما، ثاني مسابقات المهرجان أهمية. إلا أن مونيا شكري عربية بنفس قدر كون زافيه دولان مصريًا لأن عائلته هاجرت من مصر إلى كندا في ستينيات القدر الماضي، وبالتالي فوضع فيلم كندي اللغة والإنتاج والموضوع في قوائم السينما العربية هو نوع من المبالغة المرفوضة. أما الفيلم بريطاني الإنتاج عربي الموضوع فهو "من أجل سما For Sama" إخراج مشترك بين السورية وعد الخطيب والبريطاني إدوارد واتس، وهو تسجيلي يرصد حياة مخرجته داخل سوريا لمدة خمس سنوات تالية لاندلاع الأحداث الدامية في البلاد. الفيلم ينتمي لقائمة نادرة في كان وهي الأفلام التي يُعجب بها المهرجان لدرجة الموافقة على عرضها بعد مهرجانات أخرى؛ فقد أقيم العرض العالمي الأول لـ "من أجل سما" في مارس الماضي ضمن مهرجان ساوث باي ساوثويست الأمريكي ليجمع جائزتي الجمهور ولجنة التحكيم الخاصة، ثُم عرض في مهرجاني ريفرران في الولايات المتحدة أيضًا لينال جائزة أحسن تصوير، ثم في مهرجان هوت دوكس بكندا حيث لينال جائزة لجنة التحكيم الخاصة. الجوائز الكثيرة قد تكون مصدر جذب لكل مهرجانات العالم إلا كان الذي يشترط استضافة العرض العالمي الأول لأفلامه، لذا فمن المتوقع أن يوضع "من أجل سما" تحت المجهر باعتباره حصوله على هذا الاستثناء أمرًا يؤكد إعجاب المهرجان الهائل بالفيلم. ورغم أن الفيلم لا يملك منتجًا عربيًا، إلا أن موضوعه ومكان أحداثه ولغته وجنسية مخرجته كلها أمور تجعل انتسابه للسينما العربية مقبولًا، ليكون الرقم الأقرب للمنطق هو هو تسعة أفلام منها سبعة طويلة، من بينها خمسة أفلام مغاربية طويلة تجعل كان 72 هي دورة السينما المغاربية بامتياز.

فيلم (وكأنها الجنة)
المسابقة لإيليا ونظرات نسائية ما

خلال الدورة الماضية حضرت السينما العربية في المسابقة الدولية بقوة عبر فيلمي "كفرناحوم" لنادين لبكي و"يوم الدين" لأبو بكر شوقي، حضور يتراجع هذا العام لفيلم وحيد، وإن كانت درجة انتظار هذا الفيلم تجعل حضوره بالنسبة للبعض أكثر قيمة من أي أعمال أخرى. الفيلم هو "وكأنها الجنة It Must be Heaven" للفلسطيني إيليا سليمان، المخرج الأكثر خصوصية وفرادة في السينما العربية المعاصرة، والذي ينتظر الجميع خطوته التالية بعد توقف دام عشر سنوات منذ عُرض فيلمه الثالث "الزمن الباقي" في مسابقة عام 2009. في فيلمه الجديد يواصل سليمان تقديم رؤيته الخاصة للوضع الفلسطيني، بلوحاته المشهدية المشبّعة بالعبث والمهتمة بدقة التكوين والسيطرة الكاملة على كل عناصر الكادر. سليمان هو بطل أفلامه كالمعتاد، هذه المرة يسافر خارج فلسطين، إلى باريس ونيويورك وربما غيرهما، من أجل اختبار إمكانية العثور على وطن بديل. أما كون فيلم "مكتوب، حبي: اللحن الفاصل" هو الجزء الثاني من ثلاثية عبد اللطيف كشيش، والتي أتت بعد فيلمه المتوج بالسعفة الذهبية "حياة أديل – الأزرق أدفأ الألوان"، فهو أمر أغلق الباب في وجه الجدل الذي استمر قديمًا حول أفلام كشيش، المخرج الذي انطلق من السينما التونسية لكنه صار الآن فرنسيًا يصنع أفلامًا فرنسية، رائعة، بعيدة عن السينما العربية وتحديدًا عما يريد القوميون أن ينسبوه إليها! المشاركة تراجعت في المسابقة الدولية لكن مسابقة نظرة ما حافظت على اختيار فيلمين عربيين لمخرجات نساء، فبعد مشاركة "صوفيا" لمريم بن مبارك و"قماشتي المفضلة" لغايا جيجي في 2018، يأتي الدور على المغربية مريم توزاني والجزائرية مونيا مدوّر لصعود درجات مسرح ديبوسيه لتقديم أفلامهما لجمهور نظرة ما، المسابقة المعنية بالتجارب السردية المغايرة في عالم السينما.

فيلم (آدم)

"آدم" هو عنوان فيلم مريم توزاني الذي أنتجه نبيل عيوش، المخرج المغربي الشهير وزوج مخرجة الفيلم، تلعب بطولته النجمة البلجيكية مغربية الأصل لبنى أزابال، والتي تجسد امرأة حامل في الثلاثينات من عمرها تسافر من الريف إلى الدار البيضاء بعدما يرفض والد طفلها الاعتراف به، وهناك تلتقي بأرملة في منتصف العمر تعيش مع ابنتها لتنشأ بينهما صداقة من نوع خاص. أما الجزائرية مونيا مدوّر فتتنافس في نظرة ما بفيلمها "بابيشا Papicha"، والذي تدور أحداثه عام 1997 خلال ما عُرف بالعشرية السوداء التي سيطر فيها الإسلاميون المتطرفون على الحياة العامة في الجزائر، وبالطبع على ملابس المرأة وحريتها، إلا أن الطالبة الشابة المهووسة بالموضة نجمة تقرر أن تتحد مع زميلاتها لتنظيم عرض أزياء لتضربن الحائط بكل المحظورات.

فيلم (طلامس)
مغرب البرامج الموازية* وجود فيلم إيليا سليمان فرض التوازن على خيارات البرنامج الرسمي للمهرجان، أما البرامج الموازية فالسيادة جاءت فيها كاملة للسينما المغاربية، بداية من قسم نصف شهر المخرجين الذي اختار فيلمًا عربيًا وحيدًا هو "طلامس" الفيلم الثاني للتونسي علاء الدين سليم، والذي كان فيلمه الأول "آخر واحد فينا" قد توّج عام 2016 بجائزة أحسن عمل أول في مهرجان فينيسيا. يتابع "طلامس" جنديًا تونسيًا يهرب من الجيش بعد وفاة أمه لتطارده الشرطة وتصيبه إصابات بالغة، فيحتمي بغابة يقابل فيها امرأة تعيش في فيلا فاخرة. حكاية تبدو ملائمة ليواصل فيها المخرج الموهوب أعماله المينمالية المعتمدة بالأساس على الصورة واستخدام الحد الأدنى من الحوار.
فيلم (أبو ليلى)
أما أسبوع النقاد الدولي، والذي يختار سنويًا سبعة أعمال أولى أو ثانية لمخرجيها، فكان من المدهش أن يختار فيلمين عربيين بين هذه الأفلام السبعة. الفيلم الأول هو "أبو ليلى" للجزائري أمين سيدي بومدين، وأحداثه تدور أيضًا خلال العشرية السوداية وتحديدًا عام 1994، عندما يخرجان صديقان إلى الصحراء بحثًا عن الإرهابي الخطير الهارب أبو ليلى. وبينما يحاول أحد الصديقين إبقاء صديقه في الصحراء لأطول وقت ممكن خوفًا عليه من الرجوع للعنف المسيطر على المدن، يبدأ الاحتكاك بالصحراء في إظهار العنف الكامن داخل نفوس البطلين. القصة الأكثر تشويقًا يملكها الفيلم الثاني "القديس المجهول" للمخرج المغربي الشاب علاء الدين الجم، والذي يبدأ بقيام لص هارب من الشرطة، وقبل لحظات من إلقاء القبض عليه، بدفن حقيبة الأموال التي سرقها في مكان مقفر، ليقضي سنوات السجن ويخرج على أمل استعادة المال، فيكتشف أن ضريحًا لقديس مجهول قد أقيم فوق مكان دفن الحقيبة مباشرة، وأن قرية جد تكوّنت حول الضريح ترتبط حياة أهلها بوجوده.
فيلم (القديس المجهول)
فيلمان قصيران.. حضور مصري خافت التواجد العربي في كان 72 يكتمل باختيار فيلمين قصيرين، الأول هو "أمبيانس" للمخرج الفلسطيني وسام الجعفري، والذي يتنافس في مسابقة المدارس السينمائية (سينيفونداسيون) ممثلًا لكلية دار الكلمة للثقافة والفنون بفلسطين، والثاني هو "فخ" للمصرية ندى رياض، والذي يتنافس في مسابقة أسبوع النقاد الدولي للأفلام القصيرة، في حضور خافت ينقذ ماء وجه السينما المصرية التي تكاد تغيب عن المهرجان هذا العام بعد ما كان "يوم الدين" العام الماضي و"اشتباك" قبل ثلاثة أعوام ملء السمع والبصر. الغياب المتوقع يلقي الضوء على حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الإنتاج السينمائي الجاد في مصر، والتي تسفر تلقائيًا عن أعوام بها عدد من الأفلام الجيدة وأعوام خالية تمامًا من أي فيلم يمكنه الوجود حتى في مهرجانات أقل قيمة من كان، وهو الفارق الرئيسي الذي صار يميز السينما المغاربية خلال القرن الجديد؛ فبالرغم من أن عدد الأفلام المنتجة سنويًا في مصر يفوق مجموع الإنتاج السينمائي في كل من تونس والمغرب والجزائر، إلا أن طبيعة الإنتاج في هذه الدول، والجسور الثقافية والشراكات التي تربط صناع السينما المغاربيين بالعالم، جعل خروج دورة من مهرجان مثل كان دون فيلم أو أكثر من دول المغرب العربي أمرًا صار مستبعدًا، بينما يظل وجود فيلم مصري في أي من برامج كان هو الاستثناء الذي يستحق الحفاوة، لا القاعدة كما يأمل كل سينمائي مصر، وعربي ربما.




تعليقات