"ليه ﻷ".. وما استجد في صراع اﻷجيال

  • نقد
  • 02:42 مساءً - 15 يوليو 2020
  • 3 صور



تعاني الدراما المصرية من حالة إفلاس فكري كبرى، فعلى مدار السنوات الماضية، معظم الأعمال التي شهدت نجاحًا ملحوظًا كانت إما مأخوذة عن فورمات أجنبي أو إعادة إنتاج لعمل أدبي قديم أو أعمال أكشن تجارية، ولكن أحيانًا يطل علينا بعض الكتاب بمجموعة من الأفكار أو القضايا الهامة التي بحاجة إلى معالجة، وعلى رأسهم الكاتبة مريم نعوم والمهمومة دائمًا بقضايا المرأة وما يخصها، والتي أطلت علينا بالتعاون مع ورشة عمل تحت قيادتها بعمل هام وهو مسلسل ليه ﻷ للفنانة أمينة خليل والذي لم يحالفه الحظ للحاق بالسباق الرمضاني، ولكن يتضح بعد ذلك أنه في صالح العمل نظرًا لأنه شديد النعومة والهدوء، ومن الأفضل أن يتم متابعته خارج رمضان علمًا بأنه يناقش قضية في غاية الأهمية، وتعد موضوع الساعة، وهو صراع الأجيال والفجوة المستمرة بين الآباء والأمهات ومحاولة كل طرف منهم فرض أفكاره على الآخر، خاصة مع التطور التكنولوجي والانفتاح على العالم الخارجي، مما يجعل المسافة بين الأهل وأولادهم تزداد، والسؤال الهام الذي يفرض نفسه باستمرار من المخطيء ومن الذي علي حق؟ وهل من الضروري أن يكون هناك طرف مخطيء وآخر على صواب أم أنه لا بد وأن يكون هناك جسر من التواصل من أجل تقارب الأفكار بين الأجيال حتى لا يصلوا إلى طريق مسدود مثلما حدث مع أمينة خليل وهالة صدقي في المسلسل. تبدأ أحداث المسلسل بمشهد صادم وهو هروب أمينة خليل ليلة زفافها، الأمر الذي يجعلها في موقع الاتهام من الكل، وعندما تخبر والدتها بأنها لا تريد الزواج، تنهال عليها بالضرب وترفض الاستماع إليها حتى تقرر عاليا الانفصال عن والدتها، وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا بين المشاهدين ففكرة استقلال البنت عن أهلها مرفوضة بشدة في المجتمع المصري ما لم يكن هناك سبب أو مبرر قوي لذلك، إما أن تكون لاستكمال دراستها في الخارج أو في بعثة أو فرصة عمل جيدة، غير ذلك فالأمر مرفوض تمامًا خاصة بالنسبة لشخصية عاليا (أمينة خليل) المليئة بالتناقضات، فهى فتاة هادئة مطيعة لأهلها لا تستطيع الاعتماد على نفسها في أي شيء ويعتبر تصرف هروبها ليلة زفافها غريب أو بمثابة صرخة داخلية بداخلها، فالعمل لم يظهر أي شيء سلبي في شخصية خطيبها هاني عادل يجعلها ترفضه بل الرفض الكامن بداخلها، فكان للحياة التقليدية والقيود المفروضة عليها حتى في الزواج لمجرد أنها بلغت سن الزواج أو أن العريس مناسب.

يتناول المسلسل نماذج مختلفة من الشخصيات النسائية مع مراعاة شعرة الفرق بين كل بنت وأخرى، ومنهم رضوى التي تلعب دورها مريم الخشت وهى الفتاة المطيعة لأهلها والتي تنصاع لأوامر والدتها تارة، ولخطيبها مرة أخرى والذي يرغب في تشكيلها مثل العجين في يده حتى يصل الأمر لاختيارها بين صديقتها وبين إتمام زواجه منها. ومع تدرج الشخصيات نجد صديقة أمينة خليل المقربة فرح (عايدة الكاشف) وهى النقيض تمامًا من شخصية رضوى فهى نموذج للفتاة صاحبة الشخصية القوية والتي تسبق صديقتها بخطوة دائمًا حتى تسمح لنفسها بإقامة حفلة رأس السنة في شقة صديقتها دون استئذان فهى النموذج للفتاة المتحررة والملتزمة في نفس الوقت والتي تضع حدود لجميع تصرفاتها، وأما بسنت شوقي فهى نموذج للفتاة التي تعيش علي النمط الأوروبي وهى لا تمانع من الاقامة مع صديقها محمد الشرنوبي في أي مكان في العالم إلى أن تفاجأ برد فعله كرجل شرقي برفضه الزواج منها بعد لقاؤه بأمينة خليل. فكرة المسلسل لم تقتصر فقط علي علاقة الأبناء بالأهل أو عن حدود حرية البنت، فالسيناريو تطرق إلى مواضيع أعمق بكثير، فالعمل ببساطة يدعو إلى تحطيم أية أفكار عتيقة أو روتينية لا زلنا متمسكين بها، وأنه لا بد من الخروج من عنق الزجاجة أو الشكل التقليدي للحياة، فنرى على سبيل المثال شيرين رضا خالة أمينة البالغة من العمر 45 عامًا والتي ترغب في الزواج من شاب يصغرها بعشر سنوات فتقابل برفض شديد من أهل الطرفين إتباعًا للأعراف والتقاليد ونظرة المجتمع حتى تقرر هالة التمرد على كل هذا وإتمام زواجها دون النظر إلى أي عواقب مبررة على ذلك علي حد تعبيرها في المسلسل بأن الزواج ليس بالضرورة أن يكون (بداخل كتالوج الزواج الكلاسيكي)، وتم الزواج داخل مطعم محمد الشرنوبي وبملابس اعتيادية دون بهرجة، وعلى الجانب الأخر نرى صدقي صخر (آدم) ابن محسن محيي الدين وعلى الرغم أنه رجل إلا أنه يعاني هو الأخر من سيطرة والده في العمل ورغبته في إقحام أفكاره القديمة في سير العمل وعدم مواكبة الأذواق الجديدة حتى يرفض خط جديد للإنتاج من تصميم ابنه وابنة شقيقة أمينة خليل إلى ان يقرر الاثنان تنفيذ خطتهم دون علم الأب والذي يثور بعلمه بالأمر حتى نشهد بداية نقطة التحول للأم هالة صدقي والتي تقف في صف ابنتها لأول مرة وتحاول الاستماع لوجه نظر الجيل الجديد، وتحاول إقناع محسن محي الدين بالأمر مما يعني أننا لا بد وأن نلتقي في منطقة وسط.
المسلسل يمتلك قماشة كبيرة تجعل من كل حكاية منهم عمل منفرد تم توليفه وكتابته بحرفية شديدة، وعلى الرغم من كونه 15 حلقة فقط، إلا أنه شهد بعض البطء في سير الأحداث في عدة حلقات، وتحديدًا في طول المشاهد الحوارية بين أمينة خليل ومحمد الشرنوبي وتجولهم في وسط البلد كثيرًا، ولكن ربما يكون ذلك متعمدًا من أجل العودة إلى البساطة في كل شيء سواء في شوارع وسط البلد القديمة أو حتى في اختيار ملابس أمينة خليل الكاجوال وعدم وضعها الماكياج أو تصفيف شعرها بخلاف شكلها في الحلقات الأولى وملابسها الرسمية. وأما بالنسبة للنهاية والتي أثارت استياء البعض بسبب انحياز العمل لوجهة النظر الشبابية، ولكن هذا لا يعني أن العمل يخالف عاداتنا وتقاليدنا فلم نرى أي من البنات تتصرف بشكل منحرف أو غير لائق، حتى شخصية بسنت شوقي الوحيدة التي تتصرف بشكل غربي لم يتزوجها محمد الشرنوبي، ولكن من الطبيعي أن النهاية تميل إلى التغيير وكلمة (ليه لأ) ليست منحصرة على استقلال البنت واعتمادها على نفسها فقط بل هى دعوة صريحة لتغيير نمط الحياة التي نعيشها، سواء في أسلوب العمل وأنه ليس بالضرورة أن يكون روتينيًا بداخل مكاتب أو يرتبط بساعات محددة أو حتى في الزواج فليس من الضروري أن يرتبط بسن معين أو يتم بشكل تقليدي، وكان لا بد وأن تبدأ الأم هالة صدقي بتغيير أسلوب تفكيرها والاستماع إلى أفكار ابنتها.


وصلات



تعليقات