"تحقيق" .. مسلسل يغرد خارج الصندوق

  • نقد
  • 02:23 مساءً - 3 اكتوبر 2022
  • 1 صورة



قدم المخرج علي عبدالخالق رسالة هامة في فيلم "جري الوحوش والذي تم إنتاجه عام 1987 بأن كل إنسان يتمتع بنعم الله بما يساوي 24 قيارط مقسمة ما بين المال والبنون والصحة والعلم والزوجة الصالحة، ولكن بشكل يختلف من شخص لآخر، بينما جاء مسلسل "تحقيق" والذي تدور أحداثه حول كتاب بعنوان تحقيق يستفز مجموعة من الأشخاص فيضعوا لأنفسهم مكان وكلاء النيابة لحل ألغازه وطلاسمه. هذا الكتاب يقول بأن هناك معادلة معينة لابد وأن تتحقق لكي يُحدث نوعا من التوازن العادل في حياتنا، وقسم المسلسل هذه المعادلة في 7 أركان اساسية ما بين الصحة والمال والجمال والعقل والزوجة والابن والستر، فإذا ارتفعت هذه العناصر بشكل كبير يحدث نوعا من التلف، بمعني آخر أن زيادة أي نعمة بشكل كبير سوف تكون على حساب الأخرى.

ضرب العمل مثالًا على فكرته بظهور كريم فهمي في الحلقة الأولى شحصية من شخصيات الكتاب مشيرا بأنه تخلص من التلف الذي يواجهة في حياته ووجد أنها زوجته والتي تعد زوجة مثالية بشكل كبير، وأن بوجودها في حياته لا يستطيع أن يحقق بقية أحلامه بما في ذلك الثراء والنفوذ كل هذا من خلال قراءته للكتاب والذي يتضمن مجموعة من الجرائم التي تحققت في الماضي لأشخاص عانوا من هذا التلف ثم قاموا بارتكاب جرائم أخرى للتخلص من هذا التلف، يوازيهم أشخاص حاليين تعرضوا لنفس الظروف ومعرضين لنفس المصير، فتحاول المجموعة منع الشخصيات الحالية من تكرار تلك الجرائم.

مع بداية كل حلقة عنوان يتم بناء الأحداث عليه، بداية من "نظرية التوازن" في الحلقة الأولى والتي تم بناء الرواية عليها مرورا بكلمة "شطرنج" والتي تمثل تحركات كل شخص من إتجاه لآخر بالإضافة إلى حلقة بعنوان "رقم 2" وهو رقم تم الإشارة إليه في الرواية ان هناك دائما طرفين لكل موقف في الحياة.

منذ مشاهدة الحلقة الأولى من العمل تشعر أنك امام مؤلف من طراز خاص يعمل خارج الصندوق وهو محمد الدباح والذي كتب شهادة ميلاده من خلال هذا العمل، فهو لا يعتمد على السرد المباشر واللغة المتعارف عليها، حيث تنتقل معه من حالة إلى حالة ومن وجهة نظر لأخرى، حيث تختلط أحيانا الأمور ببعضها وتعود بك إلى نفس النقطة، ومع مرور كل حلقة تجد هناك احتمالات مختلفة، فعلى سبيل المثال حوار كمال أبو رية مع أحمد مالك مؤكدا أن هذا الكتاب ليس أكثر من وسوسة شيطان يأتي لكل إنسان في لحظات ضعفه لدفعه إلى ارتكاب جرائم مثل القتل والانتحار والعنف، ساعد على تأكيد النظرية ظهور شخصية غير مرئية لأحمد مالك ثم اختفائها فجأة مما يرفع من احتمالات هذه النظرية بالإضافة إلى ظهور كتاب جديد باللون الأحمر على غلاف الكتاب وعنوان عهد الدم متكررا في تفاصيله إلى أن نجد نقطة تحول كبيرة في النصف الثاني من العمل حيث يتم تغيير مفهومك عن نظرية التلف والتوازن المشار إليها في جميع الحلقات، فبعد اعتقادنا أن جميع شخصيات الكتاب ضحايا يتضح أنهم جميعا مذنبون وينتابهم شعورا كبيرا بالذنب مما يشير أن هذا الكتاب هو نوعا من العقاب أو جلد الذات لهؤلاء الناس وأما بالنسبة للحلقة الأخيرة في العمل فتحتاج إلى عدة وقفات فالنهاية تنتصر للجانب التشويقي والبوليسي في العمل وتؤكد أن الغرض من هذا الكتاب هو أن الجريمة لا تختفي مهما طال الزمن وأنه لابد وأن يكون هناك قانونا لعقاب الجاني حتى إذا أفلت من أيدي القانون.

النهاية جاءت مفتوحة ومتروكة لخيال المشاهد ولكنها تؤكد أن هناك جزء ثاني للمسلسل لأن هناك أبواب وتساؤلات كثيرة تم تركها بدون إجابات مثل الفنانة فيدرا وعلاقتها بعلي قاسم بالإضافة إلى علاقة والد أحمد مالك بمحمد الصاوي، وعن الجانب الفني للعمل فبرع المخرج محمد فتحي في استخدام أحدث التقنيات في خلق جوا من التشويق والإثارة سواء في الحركة أو لغة الحوار أو استغلال بالإضاءة حتى يخرج العمل في أحسن صورة، وساعد على ذلك الموسيقى التصويرية لعمرو خالد بالإضافة إلى التوظيف الجيد لجميع أبطال العمل وعلى رأسهم أحمد مالك لأنه يعتبر من أصعب شخصيات العمل لما به من جوانب نفسية واجتماعية.



تعليقات