
وبينما اعتدنا في كل موسم ظهور عمل أو اثنين يثيران الجدل، جاء هذا العام ليقلب الموازين تمامًا، فاندفعت المسلسلات إلى الواجهة بطرح جريء، ومعالجات غير مألوفة، وحكايات كسرت قواعد السائد، فاشتعلت النقاشات على مواقع التواصل، وازدحمت العناوين بالتحليلات والردود والتصريحات الرسمية. وفي خضم هذا الزخم، برزت أعمال تعرضت للمنع أو الإيقاف، وأخرى وُصفت بأنها “صادمة” أو “مستفزّة”، مقابل مسلسلات وجدت إشادة واسعة لما قدمته من جودة فنية ورسائل عميقة، رغم ما أثارته من جدل، وبين الهجوم الشرس والدفاع المستميت، وبين قرارات رسمية وردود جماهيرية، ظل المشاهد هو الحكم الأخير في موسم يمكن وصفه بأنه الأكثر سخونة منذ سنوات.
وفي هذا المقال نستعرض المسلسلات التي خطفت الأضواء هذا العام، وكيف تحولت من مجرد أعمال درامية إلى موضوعات رأي عام… بين المنع والهجوم والإشادة.

في العراق، كان المنع رسميًا، إذ قالت هيئة الإعلام والاتصالات إن بث أعمال تاريخية جدلية قد “يثير السجالات الطائفية ويهدد السلم المجتمعي”، بينما في إيران منع الدبلجة والبث بسبب تقديم المسلسل “رواية جديدة” لحياة معاوية ومحاولة “تطهير الأسرة الأموية”. من جانب ديني، اعتبرت جهات مثل قسم الفقه في جامعة الأزهر أن تجسيد صحابة على الشاشة قد يثير الفتنة ويُعد غير جائز.
رغم الميزانية الضخمة للعمل، التي تصل إلى نحو 100 مليون دولار، واجه المسلسل نقدًا على “مغالطات تاريخية” أو رواية منحازة أو ضعف في الدقة، إذ لم تتوافق بعض الأحداث والشخصيات كما عُرضت مع المصادر التاريخية. هذا دفع المشاهدين والنقاد إلى التشكيك في مصداقية إعادة تفسير الأحداث، خصوصًا في قضية حساسة مثل “الفتنة الكبرى والخلافة بعد عثمان”.

واجه مسلسل «سيد الناس» انتقادات شديدة بسبب الإفراط في الشتائم والألفاظ الجريئة، إذ اعتُبرت بعض المشاهد «خارج إطار الذوق العام»، ما دفع جمهورًا واسعًا للسخرية والهجوم. وتطور الجدل إلى خطوة رسمية، حيث قُدم بلاغ للنائب العام ضد المسلسل بتهمة “ازدراء الأديان ومخالفة القيم المجتمعية”، خاصة على خلفية مشهد في الحلقة الثامنة، ما أثار تساؤلات حول خطورة ما يُقدَّم على الشاشة.
البعض رأى أن المسلسل يفتقر إلى عنصر التشويق أو العمق، معتبراً أن الحبكة تعتمد على الصراعات والصخب أكثر من الدراما المدروسة، ما خفّض من قيمته. من جهة صُناع العمل، رد المنتج على الانتقادات بالقول إن “الصوت العالي والصخب” جزء من طبيعة الدراما الشعبية، وهناك جمهور يفضل هذا الأسلوب، رغم إعجابه الشخصي بنبرة أقل حدّة.
في أحد أشهر مشاهد المسلسل، صرخت ريم مصطفى في وجه المتهم قائلة: «أنت اللي قتلت ابني يا مجدي»، مما أثار ردود فعل متناقضة بين تقدير الأداء ورفضه. رأى بعض المتابعين أن انفعالاتها مبالغ فيها، وتعبيرات وجهها مصطنعة، ما دفعهم للسخرية ومقارنتها بأدوار كوميدية شهيرة. بينما أشار آخرون إلى أن المشكلة لم تكن في التعبير وحده، بل في ملامح وجهها التي بدت متأثرة بعمليات تجميل، ما أضعف مصداقية الانفعال الطبيعي.
وعلقت ريم مصطفى على الانتقادات قائلة إنها شعرت بالفعل أن المشهد “لم يخرج بإدارتها بالكامل”، وأنها لم تتخيل انتشار صورته بهذا الشكل، وأضافت أنها شعرت بـ"خضة" عند مشاهدته لأول مرة.

لام شمسية هو مسلسل درامي مصري عُرض في رمضان 2025، من تأليف مريم نعوم وإخراج كريم الشناوي، وبطولة مجموعة من النجوم من بينهم أمينة خليل، أحمد السعدني، محمد شاهين، يسرا اللوزي وآخرون.
يميز المسلسل جرأته في تناول قضية حساسة جدًا، وهي تحرش الأطفال وسوء معاملة الطفولة، بطريقة مباشرة ومكثفة. في الحلقة الأولى، تم التمهيد لصراع كبير حين تُكشف محاولات تحرش لطفل، ليضيء المسلسل جراحًا مسكوتًا عنها في المجتمع.
تلقى العمل إشادة كبيرة من جمهور ونقاد على حد سواء، نظرًا لواقعيته، وجرأة طرحه، وأداء أبطاله التمثيلي. ووصف كثيرون الحلقة الأولى بأنها “أقوى افتتاحية” في دراما رمضان لهذا الموسم، مشيدين بشجاعة المؤلف والمخرج في الاقتراب من موضوع عادة ما يُهمَّش أو يُتجنّب.
مع ذلك، لم يخلُ المسلسل من الجدل؛ فقد اعتبر بعض الجمهور أن طرح قضية التحرش بهذا الشكل المكشوف قد يكون مؤلمًا للغاية، خاصة لمن مرّوا بتجربة مشابهة، وأن مشاهد المسلسل قد تُعيد فتح جراح قديمة. كما أثار استخدام طفل في دور الضحية جدلاً بشأن التأثير النفسي عليه على المدى الطويل.
في المجمل، ليس “لام شمسية” مجرد مسلسل للترفيه، بل هو محاولة جريئةوربما جدلية لإلقاء الضوء على واقع مأساوي غالبًا ما يُترك في الظل، وفتح نقاشًا مهمًا في الوسط الفني والاجتماعي حول مسؤولية الدراما في مخاطبة الأزمات الحساسة، وكيف يمكن للفن أن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم.

«ابن الباشا» هو مسلسل درامي – تشويقي عراقي عُرض خلال رمضان 2025 عبر قناة MBC العراق. العمل من تأليف حامد عنقا (قصة وسيناريو) وإخراج جوليان معلوف.
تتصاعد أحداث المسلسل لتشمل خيانات، أسرارًا، صراعات أخلاقية واجتماعية، وخيارات صعبة، في إطار درامي يمزج بين التشويق والدراما والقضايا المجتمعية. يسعى العمل إلى إظهار التناقضات بين السلطة والقيم، وبين طموح الأفراد والضغوط التي قد تدفع البعض إلى طريق الفساد، ما جعله من الأعمال التي تلامس الواقع الاجتماعي أو المخاوف المجتمعية.
رغم اهتمام الجمهور الكبير بالمسلسل، واجه العمل انتقادات لاذعة؛ إذ اتهمه بعض المتابعين بأنه «استنساخ» لمسلسل إيراني، مع تشابه واضح في الفكرة والحبكة والأحداث، وحتى في بعض أسماء الشخصيات. أثار هذا الاتهام جدلًا واسعًا على مواقع التواصل، ما قلّل من مصداقية المسلسل لدى شريحة من الجمهور الذين رأوا أن العمل يفتقر إلى الأصالة.
مع ذلك، أشاد مؤيدو المسلسل بجودته، مشيرين إلى أن «ابن الباشا» يقدم دراما عراقية قوية من حيث الإنتاج والتمثيل والحبكة المشحونة، ويتميز بجرأة في تناول قضايا السلطة والفساد، وهو ما نادرًا ما تقدمه الدراما المحلية.

«ورد وشوكولاتة» مسلسل درامي‑رومانسي اجتماعي من إنتاج 2025، من بطولة زينة ومحمد فراج. العمل مكون من 10 حلقات، وعرض حصريًا على منصة Yango Play. تبدأ أحداث المسلسل بحب رومانسي يجمع بين مروة (زينة) إعلامية لامعة وصلاح (محمد فراج) محامٍ نافذ. في البداية تبدو العلاقة مثالية، لكن مع تقدم الأحداث تنقلب الأجواء: يتحول الحب إلى علاقة معقدة مليئة بالخداع، والتلاعب، والصدمات النفسية، والكشف عن أسرار دفينة، فتبدأ رحلة صراع نفسي وعاطفي تقود الشخصيات إلى قرارات صعبة.
ظهر في المسلسل مشهد قتل عنيف، حيث تُقتل البطلة (مذيعة) على يد زوجها داخل مزرعة، مع محاولة التستر على الجريمة. أثار هذا المشهد صدمة كبيرة بين الجمهور، خاصة لأن كثيرين ربطوه بالقضية الحقيقية للإعلامية شيماء جمال، التي قُتلت عام 2022، ما أعاد ملف الجريمة والدوافع إلى واجهة النقاش. تقدم عضو في نقابة المحامين بشكوى رسمية طالب فيها بـ«وقف عرض المسلسل» و«مساءلة القائمين عليه»، بسبب ما اعتُبر تحريفًا لصفة المتهم في القضية؛ ففي الحقيقة كان القاتل قاضيًا، بينما قدمه المسلسل كمحامٍ، ما اعتُبر «تشويهاً لاسم مهنة المحاماة». وأكدت النقابة أن هذا يشكل «تزييفًا للواقع» وتحريفًا للوقائع، وليس مجرد معالجة درامية، مشددة على أن الحرية الفنية لا تبرر التضليل أو الإساءة لسجل مهني محمي. من جانبه، قال المنتج جمال العدل إن المسلسل «مستوحى من قصة حقيقية»، لكنه نفى أن يكون «تجسيدًا حرفيًا» لقضية بعينها.

تدور الأحداث حول شاب مسالم يُدعى يوسف، تتحول حياته بعد حادث مفاجئ إلى مأساة، فيدخل في صراع نفسي ويسعى للانتقام، ما يدخله في شبكة من التوترات، الصراعات الطبقية، والتحولات الشخصية.
مع بدء عرض المسلسل في أواخر أغسطس 2025، أعلنت وزارة الإعلام الكويتية إيقافه مؤقتًا، وإحالة طاقم العمل والشركة المنتجة للتحقيق بعد رصد “تعديلات” أُضيفت إلى النسخة النهائية دون موافقة رسمية، واعتُبرت مخالفة للضوابط الإعلامية. بعض المشاهد وُصفت من قبل الرقابة بأنها “خادشة للحياء” أو لا تتوافق مع “قيم المجتمع”، ما كان السبب وراء القرار الرسمي بالإيقاف.