حين تكون السذاجةُ هدفا

حين تكون السذاجة هدفًا .. الحبكة مهلهَلةٌ بشكلٍ لا يمكن جحوده .. البطل يختفي من التاكسي الذي يقوده غريمُهُ بشكلٍ غير مبرَّر وموغِل في السذاجة .. لا يمكن أن نتصوّر صانعي الفيلم على قدرٍ من السذاجة تسمحُ لهم بأن يظنوا المشاهدين سينطلي عليهم هذا المشهد من الفيلم .. لكنّ قاعدة الاتفاق الضمني بين صانع الفيلم والمتلقّي تمتدُّ هنا إلى ضرورة القبول بكل الحِيَل الساذجة للمُضِيِّ في تذوُّق الفيلم .. إسماعيل ياسين ظاهرةٌ من الضحك .. لا أكادُ أنسى مشهد دخولِهِ منزل الآنسة هويدا (زينات صدقي) ، حيثُ يسأل عنها خادمتَها (سهير الباروني) فتجيبه بأنها تنتظرُهُ على نار ، فيقول: "ليه ، انتو بتشووها؟!" .. (زينات صدقي) يدَورِها مذهلة ، خصوصًا حين تجسد شخصية العانس المتلهفة على العريس .. مشهد تقبيلها ذراع (سُمعة) في النادي الليلي، والذي يستدعي على الفور كل مشاهد الرجال الذين يقبلون أذرع حبيباتهم العارية في السينما، أقول ، هذا المشهد لا يمكن إلا أن يدفعك إلى الضحك .. أما (فوزي) ملك الأناقة (عبد السلام النابلسي) فقد التصق بشخصية (التِّنِك) إلى أبعد الحدود .. أصبح النمط الأقرب إلى تصورنا .. انغرس في وعينا المصري الجَمعي بهذا الشكل .. (لولو) أيضًا بلكنتها الفرنسية التي هي مرادفٌ عالميٌّ للإغراء كانت الأنسب ربما لهذا الدور .. تتابع مشاهد (عباس كامل) سريعٌ بما يحاول أن يطرد أي مللٍ يمكن أن ينشأ نتيجة الأحداث التي تبدو مُقحمةً بطول الفيلم ، وعلى رأسها بالطبع الفاصل الغنائي للرائعة (فايزة أحمد) في مطعم السمك الشعبي (أبو جلمبو) ..

يُذَكِّرُني حضور (فؤاد المهندس) و(خيرية أحمد) في دورَي (محمووود) وزوجته بفيلم (النافذة الخلفية The Rear Window) لألفريد هيتشكوك .. ربما لا يبدو الشبه واضحًا لأول وهلةٍ ، لكن ماأقصده هو حالة الولع بالمشاهدة Fetishism التي يبدو تمكُّنُها من (خيرية أحمد) حيث لا تفتؤ تراقب ما يدور في بيت جيرانها (أسرة سُمعة) طوال الفيلم ، وتحكيه لزوجِها اللامُبالي .. فارقٌ هامٌّ بين فيلم (هيتشكوك) وهذا الفيلم ، هو أن بطل فيلم (هيتشكوك) يجد نفسه في نهاية الفيلم متورطًّا في الأحداث ويتحول دوره إلى الإيجابية في كشف مجرمٍ ما .. أمّا دور السيدة (خيرية أحمد) في هذا الفيلم فهو دورٌ سلبيٌّ تمامًا ، حيث تعيش هي وزوجها على هامش الفيلم ، حتى تجده منتحرًا في النهاية ولا تفهم ماذا حدث له .. أتصور دور (خيرية أحمد) هنا معادلاً موضوعيًّا للدهشة الطفولية التي يتلقى بها الإنسان البسيطُ العالَم .. كل ما يجري من احداثٍ في بيت (سُمعة) مثيرٌ لدهشتِها، وزوجُها لا يطيق ذلك ، ولذا فهو يريد التخلص منها ويحاول قتلَها بدهشتِها ، ولا ينقذها من محاولاته الكوميدية إلا دهشتُها الكوميديةُ كذلك .. قد لا يكون هذا غير مقصودٍ ، لكنه جميلٌ على أية حال .. الفيلم جديرٌ بالمشاهدة في رأيي .. إنه درسٌ في كيفية صناعة فيلمٍ جميلٍ رغم ضعف حبكتِهِ بالاعتماد على تقديم الشخصيات في مبالغاتها النمطية لإدرار الضحك حتى آخر لحظة ..

نقد آخر لفيلم عريس مراتي

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
حين تكون السذاجةُ هدفا Mohamed Salem Obada Mohamed Salem Obada 1/2 6 فبراير 2012