"الخواجة عبد القادر" الصنعة المتقنة التي تصرخ إبداعًا

إذا ما كنت تبحث عن عمل درامي متكامل أتقن فيه الكاتب حبك قصته وسردها في سيناريو متماسك ومنسجم وحوار ذكي ودقيق، وأتقن فيه المخرج التنقل بين مشاهده وإبراز ملامح شخصياته وانفعالاتها ونجح في إخراجه بصورة بديعة وأبدع فيه كل الممثلين بأدوارهم المتعددة والمتباينة وصدقت فيه الصورة المقدمة بأحدث التقنيات وموسيقى تصويرية عذبة تنقلك إلى الأجواء بلا تكلف .. فمسلسل الخواجة عبد القادر هو المنشود. ﻻ أستطيع أن أقترح أو أسمي عملاً بلغ هذا الحد من اﻹتقان والجودة في العقدين اﻷخيرين على اﻷقل .. الكاتب/ عبد الرحيم كمال ، بعد عمله الرائع (شيخ العرب همام) ، يقدم ملحمة صوفية من أعلى طراز تفوق فيها على نفسه ولدقة معلوماته عن شمال السودان وصعيد مصر وعن طبيعة الحياة في كليهما أيام اﻻستعمار وعن تأثير مشايخ التصوف وتزكيتهم للنفوس والمحبة الخالصة لله ولعباده مهما اختلفت ألوانهم وجنسياتهم وملتهم، بل واقتاد القصة في سلاسة بوضع اﻹرهاصات بدءً برؤى الخواجة المنامية ومن ثم نقله لمشاعره المكتئبة الرافضة للشر ورغبته في الموت ثم انتقاله للرغبة في الحياة ومعرفة الله واﻹسلام ومن ثم رحلة بحثه عن الحب التي اصطدم فيها بشرور النفوس التي استسلمت للأهواء وابتعدت عن ربها، ونجح في عرضها سياق رحلة بطل أسطورية ..

يحيى الفخراني : الخواجة عبد القادر : تفوق على نفسه وقدم دورًا يليق بمستواه كفنان عظيم بل وأبرز من الشخصية أكثر مما كان يحلم مؤلفها.. نجح أن ينقل لنا بكل براعة روح الخواجة الطفلة البريئة والشفافة الكارهة للشر المحبة للخير والحياة .. حتى إنك لتلمس حالة اﻹيمان والوله بالله صادقة من قلبه ﻻ تكلف فيها وﻻ رياء والضحك يخرج منها صافيًّا والمرح والغضب للحق والدهشة والحيرة والخوف وكل هذه المشاعر رسم لوحتها وتعابيرها بكل براعة على وجهه بأداء يستحق أعلى درجات التقدير والتكريم واﻻحتفاء .. ﻻ أزال متأثرًا بالمشهد الرائع الذي كان يسمع فيه نصيحة شيخه السوداني (عبدالقادر) بالسفر إلى صعيد مصر وسؤاله الممزوج بالخوف والتأثر:" وإذا أنا رجع مش مبسوط تاني" ومن ثم نظراته التي تشبه طفلاً تائهًا يتعلق بأمله اﻷخير في العودة لبيته وهو يردد عبارة الشيخ : " يا حي يا قادر .. فك أسر عبد القادر" كان يرددها في أداء مؤثر حد البكاء .. هذا اﻷداء المخلص انعكس على فريق العمل ككل .. فهذا هو (كمال الصغير) الذي قام بأداء دوره الطفل الموهبة أحمد خالد (وﻻ أدري من اكتشفه) بدا وكأنه تأثر بأستاذية الفخراني ليجاريه في تقمص شخصيته والتعمق في اﻷداء بالتعبير واﻹقناع، الصغار اﻵخرين كانوا جيدين جدًّا في حدود أدوارهم الصغيرة، لكن كمال الصغير في دوره المحور أبدع وأمتع وأقنع، وهذه (سلافة معمار) الممثلة السورية الرائعة التي جمعت بين الجمال المنشو في شخصية (زينب) واﻷداء المتمكن في إتقانها لللهجة الصعيدية ونقلها أحاسيس الفتاة التي كانت ضحية وتحسب نفسها بفضل زوجة أخيها الماكرة (سلطنة:سوسن بدر) "عفشة ..! ومدبوبة ..!!" ومن ثم انفراجة حياتها بعد ما لامست روحها روح الخواجة الشفافة لينتقلا في رحاب محبة الله إلى المحبة الطاهرة والعشق الحلال في أرقى صور الرومانسية .. التي فاقت (في تصوري) قصة روميو وجولييت التي أخذت تحكيها لابن أخيها بعد ما سمعتها من الخواجة "كان في بنت حلوة قاوي قاوي قاوي .. واسمها جولييت " .. أما اﻷداء الخارق لأحمد فؤاد سليم: الحاج عبد الظاهر .. فهو برع في نقل كل جوانب شخصيته فرغم أنه هو الشرير فقد كان صديقًا للخواجة في البداية ومحبًّا لأخته زينب حبًّا زائدًا مبالغًا فيه، وكان متسلطًا وجبارًا وكان دائمًا ما يصلح الخواجة جبروته بطيبته وبساطة تعبيره ولكن في النهاية غلبت عليه شقوته وقرر بنفسه أن يحرق أخته وزوجها الخواجة .. كل هذه اﻷبعاد النفسية نجح في نقلها هذا الممثل البارع .. محمود الجندي: كمال الكبير وراوي قصة الخواجة والذي خاض حياته الخاصة من خلال رؤيتنا نحن المتابعين عبر المسلسل مع مشكلات ابنه وقضية المقام التي أرقت صلاح رشوان:يوسف عبد الظاهر ،كلهم برع في دوره وقدمّه على أكمل وجه .. حتى ﻹن ذلك يحمد للمخرج الذي نجح في إخراج هذه التحف اﻹبداعية من كتيبة الممثلين التي كانت بحوزته ، ليقدم عملاً استحق كل مليم دفع فيه للإنتاج . بالطبع لن أنسى الممثل السوداني البارع (عبد الخالق محمد عمر) الذي دخل قلوبنا بأداءه الرائع والجميل لشخصية فضل الله المحبوبة والتي أحببناها مع الخواجة وتأثرنا بها كم تأثر بها الخواجة، وكأنه كان يقارع الفخراني أداءه، وكذلك الممثل (إبراهيم فرح) الذي قام بدور الشيخ السوداني على أكمل وجه ، الفترة التي قضاها الخواجة في السودان نجح المخرج شادي الفخراني في نقلها بصورة مماثلة للواقع دون السقوط في خطأ التعميم واستجلاب ممثلين من النوبة ليتحدثوا بلهجة مغايرة عن لهجة أهل شمال السودان بل نقل صورة السودان الصافية النقية دون تقليل أو تجريح أو جهالة مما دل على المجهود الجبار الذي تم بذله في هذا الشأن بل إن المشاهدين جميعًا تعلقوا كما (الخواجة) بالفترة التي قضاها في السودان ووصفوها بالجميلة . لتأتي اﻷيقونة الموسيقية التي أضفاها (عمر خيرت) على المسلسل باستيحاء اللحن الصوفي للنشيد (والله ما طلعت شمس وﻻ غربت .. إﻻ و ذكرك مقرون بأنفاسي) مكمّلة للتصوير البارع الذي نقل لنا مشاهد حيّة وغنيّة في عمل يصعب تكراره ويصعب على المخرج شادي الفخراني رحلته في طريق الدراما المقبلة وقد رفع رصيد التوقعات إلى أعلى درجة . مهما تحدثت فلن أوفي المسلسل حقه وقد تجاوزت العديد من تفاصيله التي تستحق التعليق واﻻهتمام . لكنه العمل الدرامي اﻷفضل عربيًّا في الفترة الحالية إن لم يكن اﻷفضل على اﻹطﻻق.

نقد آخر لمسلسل الخواجة عبدالقادر

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
الخواجة يحيى الفخرانى ... أيقونة النجاح mohamed Hamed mohamed Hamed 8/9 20 اغسطس 2012
"الخواجة عبد القادر" الصنعة المتقنة التي تصرخ إبداعًا ميسـرة صلاح الدين ميسـرة صلاح الدين 6/6 5 اكتوبر 2012
ابدااااااع !!! Mohamed Ahmed Mohamed Ahmed 0/0 16 نوفمبر 2014