بعد رائعته الأوسكارية "حرائق"، يعود المخرج الكندى دينيس فيلينف بفيلم جديد يكاد يناطح فيلمه السابق فى قسوته وتوتره وصدماته، من خلال دراما الجريمة التشويقية "سجناء" التى تدور احداثها هذه المرة فى إحدى قرى الولايات الامريكية ذات الطابع المحافظ، وهى التجربة الهوليوودية الأولى له بعد ان قرر ترك موطنه الاصلى "كندا" بشركات انتاجه المستقلة والاتجاه جنوباً نحو الموطن الأصلى للسينما بعد ان تعاقدت معه شركات الستوديوهات الامريكية ليخرج لهم أفلامه .. وأظن انه قد نجح فى معضلة التوفيق بين رؤيته كصانع افلام اعتاد العمل مع شركات مستقلة لا تفرض عليه سوى الابداع فى دول تعتبر السينما كفن قبل ان يكون صناعة وبين شركات اخرى تريد ان تسترد مالها وتربح فى المقام الاول قبل الابداع والاصالة وتعتبر السينما صناعة قبل اى شىء .. لقد صنع "فيلينيف" فى رأيى فيلماً جاذباً لشباك التذاكر وللنقاد وللمهرجانات والجوائز على حد سواء.
تدور الأحداث حول اختطاف طفلتين من عائلتين تربطهما صداقة أثناء اجتماع العائلتين يوم عيد الشكر للاحتفال وتناول لحم التركى، "أنا" و "جوى" كانتا تلعبان بجوار منزل عائلة "جوى" قبل اختفائهن، ولم يكن بالجوار وقتها سوى سيارة فان يملكها "اليكس جونز" الفتى غير السوى عقلياً الذى يقوم بدوره الممثل الرائع "بول دانو" .. ليظهر بعدها محقق الشرطة "لوكى" الذى يقوم بدوره الممثل الشاب جيك جيلينال ويقوم بعمله بالقبض على "اليكس جونز"، ولكنه بعد استجوابه لم يجد لديه ما يفيد القضية ولم يجد ضده اية أدلة فيتم الافراج عنه .. وهذا ما يثير هياج وسخط والد "أنا" احدى الفتيات المخطوفات والذى يقوم بدوره النجم "هيو جاكمان"، فيقوم بتعنيف المحقق "لوكى" بسبب افراجه عن ذلك الفتى الذى يراه الخيط الوحيد لهذه الجريمة، ثم لا يجد الأب حلولا غير ان يقم باختطاف الفتى بعد الافراج عنه وتعذيبه بأبشع الصور حتى يعترف او يدلى بأية معلومات قد تفيده فى العثور على ابنته، ثم تتوالى الأحداث.
كالعادة ينجح "روجر ديدكينس" مصوّر الروائع "نو كانترى فور اولد مين" و "اصلاحية شاوشانك" فى خلق لوحة بصرية مميزة لفيلمه، أضافت لوجهة نظر المخرج بغموضها وسودويتها واثارتها وواقعيتها فى أحيان، ابدع ديدكينس فى مشاهد مراقبة "لوكى" لـ "دوفر" بالسيارة اثناء سقوط الثلوج، وفى مشهد قيادة "لوكى" للسيارة مسرعاً فى طريقة للمستشفى لانقاذ "أنا"، وفى مشهد النهاية وتحديدا فى آخر كادر ينظر "لوكى" فيه باتجاه الكاميرا .. كما نجح كاتب السيناريو "ارون جوزيكوسكى" فى صنع حبكة درامية متماسكة وشخصيات مثيرة ومواقف مؤثرة واحداث مشوقة، وان كان يعاب على نصه الفصل الأول الذى جاء بطيئاً وتقليدياً وغير جذاب بما يكفى لاكمال مشاهدة الفيلم مقارنة بالفصل الثانى والثالت (الوسط والنهاية)، وذلك يمكن ان يؤخذ ضد المونتير أيضاً، رغم انه من الصعب تحديد مشاهد بعينها يمكن حذفها إللا ان ساعتين ونصف (زمن الفيلم) كانت مدة طويلة من الافضل اختصارها لساعتين فقط خاصة الفصل التمهيدى الذى كان يمكن تعويضه كاملاً ببعض مشاهد الفلاش باك .. اما الموسيقى فلم اشعر بوجودها بالدرجة الكافية وتم توظيفها فقط للتخديم على حالات المشاهد بدون اى تيمة مميزة ولا بأس فى ذلك على أى حال، ولكن يجب ان اذكر انها لم تجعلنى انتبه لها اللا فى مشهد "لوكى" و"أنا" داخل السيارة.
وبما اننا فى موسم الجوائز فمن المؤكد ان هذا الفيلم سيحوذ على اعجاب رابطة الممثلين الأمريكية وأعضاء الاكاديمية وسيحصل على كثير من ترشيحات الأوسكار، أضمنها فى رأيى ترشيح لـ "جيك حيلينال" فى فئة افضل ممثل مساعد، ففى رأيى ان ادائه فى دور "لوكى" لم يكن نقلة نوعية لهذا الممثل فقط، بل نقلة لشخصيات الشرطيين التى قدمت فى تاريخ السينما بشكل عام، وبرغم انه لم يكن الشخصية المثالية تماما اللا انه نجح فى اكتساب التعاطف معه اكثر من باقى الشخصيات، ان اداء جيلينال من اكثر الظواهر السينمائية التى اعجبتنى فى هذا العام .. أما عن فئة افضل ممثلة مساعدة فأعتقد ان الأوسكارية "ميليسا ليو" تستحق الترشيح عن دور "هولى جونز"، تلك الشخصية الغامضة الثابتة الواثقة التى لا يفقد صوتها رنته الرصينة الهادئة حتى فى احلك المواقف، بتاريخها المأسوى وقرارها المثير بشن حرب على الرب فلا شك انها شخصية مبهرة ولا تنسى .. وعن "بول دانو" فأنا اعشق جميع ادوار هذا الممثل الذى اعتبره اصغر العباقرة فى ممثلين هولييود المعاصرين، لكن لصغر دوره بشكل لا يؤهله للمنافسة على اى جائزة إلا اننى لا استطيع سوى ان اشكره على قبوله لتأديته ضارباً بكل العواقب عرض الحائط فقط من اجل تقديم شخصية شديدة الاغراء لأى ممثل جاد، وقد اداها بحرفية عالية شاركه فى ابداعها طاقم عمال المكياج، أما عن بطل الفيلم "هيو جاكمان" ففى رأيى لم يتخطى او يقترب ادائه من مثيله فى فيلم "البؤساء" العام الماضى ولم يكن مقنعاً بشكل كافى لى، وان كنت اظل اعتقد ان امامه فرص للترشح لبعض الجوائز ولكن هذا سيتوقف على مستوى المنافسين .. "تيرينس هوارد" و "فيولا ديفيس" فى ادوار فرانكلين ونانسى بيرش كانوا جيدين أيضاً ولكن ليسا استثنائيين.
"سجناء" ينضم لكلاسيكيات هوليوود التشويقية كواحد من أكثر الافلام التى تقدم الحياة فى صورتها القاسية، والعدالة فى صورتها الظالمة، والسينما فى صورتها الصارمة، ولكنه مشبع فنياً للدرجة التى تجعلك بعد مشاهدته تريد التوقف لفترة عن مشاهدة افلام اخرى كمن يرفض العشاء بعد وجبة غداء شهية حتى يبقى طعمها لأكبر فترة داخله.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
كان في أرض الله رجلٌ اسمه أيوب | Mohamed Gaber | 4/4 | 8 ديسمبر 2013 |
السجناء ومجموعة من الأبعاد الإنسانية المختلفة | دعاء أبو الضياء | 1/1 | 8 اكتوبر 2013 |
سجناء: كلاسيكية تشويقية عن العدالة والانتقام من القدر | Amgad Gamal | 0/0 | 19 نوفمبر 2013 |