الحريف، بلا مقابل تسحقنا الحياة.

لا أدري هل صنع خان كل هذا الشجن متعمدًا أم بتلقائية؟ هل كان يعلم أنه بصنع هذا الفيلم، سيعبر عن أجيال وأجيال من المهمشين في عالم لا يكف عن سحقهم. وذلك واضح جدًا من المهن التي يتعايش منها أبطال الفيلم ، والتي ينتمون بها إلى مايعرف في اصطلاح الماركسية باسم " البروليتاريا" أو الطبقة التي لا تملك سوى عمل أيديهم ليكتسبون منه. ففارس عامل في ورشة احذية، وطليقته في مشغل تريكو، ووالده صانع اقفاص.. لذلك كان الفيلم مناسبًا جدًا للتعبير عن الفئة الغالبة التي تُسحق بلا ثمن أو تعويض. أطلق اسم الفارس قديمًا على الشخص ذو المجد، الذي يقود المعارك ويحرز البطولات.. أما "فارس" العصر الحديث فهو شخص لا يحلم بأكثر من حياة. طوال الفيلم نسمع لهاثه المستمر..، فارس الذي لا يكف عن الركض، عن ملاحقة الحياة.. فيفاجأ أنها هي التي تلاحقه.. وأنها ترفض الانصياع إليه. في أحد المشاهد بداية الفيلم كان فارس في المصعد بصحبة فتاة حسناء ورجل ثري يحاول جذب الفتاة إليه مع إباءها وإعراضها عنه. بينما في مشهد آخر يفاجأ وهو هابط بالأسانسير هاربًا من العسكري بلا مبرر ولا حتى هو فارس نفسه يعلم المبرر الذي يجعله يهرب منه لا سيما وأن العسكري يذهب فيجده قد سبقه إلى القسم، أثناء هبوطه يجد أن الفتاة بالفعل تدلف إلى شقة الثري وعلى شفتيها ابتسامة، ربما استهزاءًا وسخرية من فقر فارس ومحاربته لطواحين الهواء.. نرى المشهد من خلال كادر هابط بفعل المصعد.. كأنه رمز للقيم الهابطة، والمعاني الرخيصة.. والنقود القادرة على شراء أي شيء.. للتأكيد على أن للأغنياء كل شيء، وللفقراء فقط الانسحاق والموت. لا يتمكن فارس من الجمع بين عمله، بين علاقته بسعاد، بين علاقته بوالده، بين علاقته بابنه، بين علاقته بطليقته، بين عشقه الأول والأخير الكرة..

يبحث فارس عن التوازن بلا جدوى، لذلك يجد نفسه مشتتًا بين وفاءه لوالده رغم تأزمه، بين حبه لطليقته رغم عنفه معها، بين فرحته بابنه رغم عدم تحمله مسؤوليته، بين علاقته الجنسية مع سعاد مع كراهيته لها، وحرصه على العمل رغم كراهيته له وكراهيته لمديره.

ويجد نفسه مسحوقًا في عالم لا يأتي إلا على الفقراء.. فيهتف بحرقة عندما يلقي جاره عبد الله نفسه من سطح العمارة بسبب تورطه في جريمة قتل بسبب تأزمه المالي، " ملعون أبو الفقر"

أخيرًا يودع فارس حياة البروليتاريا ويترك عمله بسبب إهماله له بسبب الكرة، ويترك الكرة ذاتها.. يترك الفرح في مقابل النقود، يترك الهواية في مقابل الثراء، يترك الفن الذي يقدمه بقدميه، من أجل أن يركب سيارة.. هكذا يستجيب فارس تحت وطأة العالم الاستهلاكي الأعمى إلى متطلبات العصر، هكذا يستسلم بعد ضغط.. ويتحول إلى أحد المستفيدين من الانفتاح.. ليجد نفسه مهرب سيارات بفضل أحد أصدقاءه الذي فطن للمسألة من أولها وترك الكرة واتجه للعمل الحر، في نفس الوقت كانت سعاد قد أقامت علاقة مع محسن الوافد الريفي الجديد قريب فارس، مع ابتسامة من فارس وتأسيه على وضعه.

لكن بعد أن يلعب ماتش الوداع أسفل كوبري اكتوبر بميدان عبد المنعم رياض.. للتنكيل باللاعب الشاب" المختار" .. الذي يريد الاسكندراني سمسار المباريات إعطاءه لقب الحريف بعد نزعه من فارس الذي كان يرفض استغلاله له، والمتاجرة بحرفيته ومهاريته في اللعبة.. ويحتضن ابنه أخيرًا الذي يسأل: "مش هتلعب تاني يابه!؟" لينطق فارس الجملة الأخيرة في الفيلم التي تشي بانتهاء زمن الفرح وسيطرة عصر المال، تلك الجملة التي تنذر بمزيد من السحق للفقراء مالم يناضلوا كي ينضموا لطائفة الأثرياء أو حتى المستفيدون منهم. " مـا خــلاص يابـنـي، زمـن اللـعـب راح "

أريد في النهاية أن أثني على موسيقى هاني شنودة المناسبة تمامًا لكل مشاهد الفيلم والتي نجحت في استدرار دموعي، ولصورة سعيد شيمي العظيمة، وللإخراج الرائع العظيم فضلاً عن قصته لمحمد خان.

نقد آخر لفيلم الحريف

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
الحريف .عندما تحكى الشوارع مجهول مجهول 13/13 19 مايو 2011
الحريف، بلا مقابل تسحقنا الحياة. محمد سيد رشوان محمد سيد رشوان 2/3 5 مايو 2015
الحريف .. بين الألم والأمل فى الحارة المصرية Ahmed Hesham Ahmed Hesham 1/1 2 نوفمبر 2014
فارس الحريف Ronaldo Abdelrahman Ronaldo Abdelrahman 1/1 13 مارس 2016
خان يصنع الألم بدون مهندس ديكور Amr Chahine Amr Chahine 4/4 1 يونيو 2014
فيلم أكثر من رائع .. لم يأخذ حقه من التقدير Ahmad Farouk Ahmad Farouk 5/5 12 سبتمبر 2011
وجبه خفيفه دوت كوم دوت كوم 0/0 28 اغسطس 2016