الأستاذ أنيس روح نجيب محفوظ...وجسد المواطن التائه

تعتبر رواية "ثرثرة فوق النيل" للأديب الكبير نجيب محفوظ من روائع الأدب المصري التي تناولت تأثير أزمة نكسة 1967 على المجتمع المصري الذي أحبط وتقهقر بعدها بعد أن كان منتصراً بالشعارات والأكاذيب التي دجج بها النظام الناصري عقله وقلبه ، فاستيقظ فزعا على واقع مغاير تماماً عن ما حكته له أمه المنافقة من قصص كاذب. ولكن بعد أن استفاق وأدرك حجمه الطبيعي الغير متضخم كما كان يظن لم يفعل شئ حيال نقصه وفقره، انما عزز بلوته بمزيد من التغييب الذي كان يصدر من قبل من أعلى حيث السلطة، فصار يصدر من أسفل أيضاً حيث الناس أنفسهم بمباركة السلطة. وقد أسقط الأديب الكبير نجيب محفوظ شخصية المواطن المصري في هذه الفترة على شخصية "أنيس" الموظف بوزارة الصحة نهاراً ووزير شئون الكيف في عوامة المساطيل (أو نخبة المساطيل) ليلاً ، ليعبر عن ازدواجية من شأنها اثبات ترنح المواطن المصري آنذاك بين العمل الروتيني الواجب أدائه وبين الهروب من الدنيا (أو النكسة) الى عالم الكيف والفرفشة في سلبية أدت في النهاية الى مقتل الفلاحة(مصر). ولكن محفوظ لم يقصد أسلوب النواح والكآبة والندم على اللبن المسكوب، فقد جعل من أنيس السم والترياق في ذات الوقت، حيث أن أنيس كان طيلة الفيلم رغم صمته واستسلامه للتيار والمزاج فقد كان يلقي باللوم على المجتمع الضائع بغرض مراجعة النفس وتدبر الحال العكر واعادة ترتيب الأوراق المبعثرة، وان كان قد قال ذلك في غالبية الوقت أثناء سيره في الطريق متحدثاً الى نفسه كالمجنون (المرادف في هذا السياق للشخص الواعي ) فعلق مثلاً مستنكراً لملابس قصيرة لامرأة تسير بالشارع مع زوجها " يبقى عنده الثروة دي ، ويتمتع بيها لوحده ، لا لازم يمتع الناس كمان ، عشان ميبقاش أناني ، راجل شهم " ، ورغم أن مسألة الملابس النسائية القصيرة عليها اعترضات دينية وأخلاقية ومجادلات حول الحرية وغيرها، الا أن محفوظ قد أثارها بشكل قومي وضمن سياق الدراما التي تهاجم التغييب المجتمعي آنذاك، والدليل على ذلك أن محفوظ لم يسلط الضوء على ملابس المرأة فقط، ولكنه ذكر ملابس الشباب الضيقة أيضاً على لسان شخصية أخرى في الرواية وهي "محمد المجند على الجبهة" العائد لفترة اجازة. ويقول متهكماً من تقصير الحكومة وتبريراتها الحمقاء أو تبرير المواطن الغير واعي بالسياسة " لما الأدوية موجودة ليه بنحتاج نكتب تقارير (عن نقص الأدوية) ، أكيد الحكومة لها حكمة في كدا ، لأننا لما بنكتب تقارير مصانع الورق بتشتغل ، ولما تكتر التقارير نضطر نحرقها تقوم مصانع الكبريت تشتغل، ولما نحرقها الكبريت هيولع في هدومنا تقوم مصانع القماش تشتغل، قصدهم يحصل اكتفاء ذاتي". وعن تناقضات القانون (أو مشرع القانون) وتحيزاته الغريبة يقول "الحشيش ممنوع والخمرة مش ممنوعة طب ليه ؟ دا بيسطل المخ ودي بتسطل المخ ، دا حرام ودي حرام ، دا بيضر بالصحة ودي بتضر بالصحة، الحشيش غالي والخمرة أغلى منه، اشمعنا القانون متحيز للخمرة ، القانون بيفوت للخمرة عشان بندفع عليها ضاريب، طب مايفوت للحشيش وندفع عليه ضرايب" وأخيراً يطلق الأسد زئيره في وجه المجتمع النائم والذي تسبب بنومه مقتل الفلاحة وهي مصر يطلق في وجهه صرخة الاستغاثة بعد أن قام بزيارة الجبهة وتألم لحالها البائس الذي عكس حال مصر كلها، فيقول مقولته الشهيرة "الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا..لازم نسلم نفسنا" "ياناس فوقوا..الحشيش اللي احنا فيه متشربهوش..فوقوا"، وإلى الآن للأسف لم يستجب أحد لصرخات الأستاذ أنيس أو أديبنا الراحل نجيب محفوظ، بل عدنا لشعارات حضارة 7000 سنة ونصر أكتوبر المجيد والشعب الأصيل المتدين ويبقى الحال في تصاعد للأسوء ما لم يوقظنا أنيس آخر.

نقد آخر لفيلم ثرثرة فوق النيل

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
الاصل الادبى والشريط السينمائي Ahmed Shawky Ahmed Shawky 4/5 3 نوفمبر 2008
العباقرة نجيب محفوظ وحسين كمال لوين محمد لوين محمد 0/0 19 مايو 2011
الأستاذ أنيس روح نجيب محفوظ...وجسد المواطن التائه Mazen Abd Elrazek Mazen Abd Elrazek 1/1 20 يوليو 2015
أحسن فيلم في تاريخ السينما المصرية !! Lass Dyarko Lass Dyarko 1/1 11 ابريل 2009
ثرثرة فوق النيل Sarah Ali Sarah Ali 0/0 14 ابريل 2023