كمال الشيخ وبورتريه الانتهازية

شاشة كمال الشيخ والتي دائما ما تتناول قضايا المواطن وهمومه، وخاصة الحالات السياسية وتأثيرها في المجتمع، راسمًا من خلالها صورة لعلاقة الحاكم بالمحكوم في محاولة لنسج نماذج للتأمل، وتصحيح أوضاع اجتماعية هامة. وبفيلمه (الرجل الذي فقد ظله) والذي يفصلنا عنه ثمان وأربعون عاما تقريبا على تقديمه، يتناول صورة من صور الانتهازية الاجتماعية بل أبشع صورة لها وهي الصعود على اكتاف من صغر خده لك؛ لتحقق أحلام ونجاحات عظيمة، ومتحرشًا بطريقة غير مباشرة بالحالة السياسية في مصر وقتها. وذلك من خلال رواية الكاتب الكبير (فتحي غانم) التي تحمل نفس الاسم ولاقت نجاح كبير، واعتبرها النقاد من أبدع وأهم الرويات التي مثلت الانتهازية وتناولت عصر من أهم العصور في مصر والتي علت فيها أصوات عدة مطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية السياسية. ومثلما يقولون "علمته الرماية فلما اشتد ساعده رماني"يقدم فتحي غانم شخصيات روايته لتصوير تلك العلاقة متخذا فكرة الصراع بين الخير والشر داخل النفس البشرية أساسا لها، مشيرا إلى أن الانتهازية تنهش في عظام المجتمع وتخوخه حتى تقضي عليه؛ وذلك من خلال الصحفي المتسلق يوسف الذي يستغل علاقته باستاذه وصديقه لتحقيق طموحاته منتهزا حبهما له ومساعدتهما فيتخلى عن كل ما يعرفه من قيم ومبادئ وأخلاق، ليكن أستاذه هو أول من يوجه له ضربته في الوقت الذي ثار فيه صديقه (شوقي) على النظام ولم يتنكر لطبقته الاجتماعية ولم يتبرأ منها بل سعى لمساعدتهم والمناضلة من أجلهم لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن المعروف أن فتحي غانم من أكثر الكتاب وأبرعهم في تناول الحياة الاجتماعية والسياسية في روايته وكذلك الشخصيات الصحفية، والوسط الصحفي بصفة خاصة فمثلا نلاحظ قصته (زينب والعرش) والتي أخرجها المخرج الكبير يحيى العلمي للتلفزيون عام 1979 وكانت من أكثر المسلسلات نجاحا وقتها وتناولت نفس الحقبة الزمنية في مصر ونفس الشخصيات الفنية، وقد عرض غانم من خلال روايته (الرجل الذي فقد ظله) علاقة الصحفي يوسف وكيف تجاوز استاذه ناجي، واستطاع بناء شبكة كبيرة من العلاقات التي استفاد منها كثيرا في حياته وتحقيق ما بغى دون النظر إلى الوسيلة، وقد أثارت هذه الرواية جدلا واسعا وقت نشرها حول تعرضها لشخصية الكاتب الكبير (محمد حسنين هيكل) وقيل أنه المقصود بشخصية يوسف.وكانت سببا في فصل فتحي غانم من وظيفته بالجريدة التي كان يعمل بها. وبنفس القوة يأتي دور المؤلف (علي الزرقاني) في كتابة سيناريو وحوار قوي، ومحكم يتسم بالرصانة والسهولة في السرد مستخدما التوجهات السياسية، والخطابات التي عرضها فتحي غانم في روايته لتسليط الضوء على ما يحدث في البلد وقتها ومحاولا الكشف عن الذين سقطوا أمام أهوائهم الشخصية وسيطرة عليهم وخانوا مبادئهم، وبلدهم وتعلقوا بكل ما هو رخيص. ويكملها بمتعة حقيقة أخرى اعتمد عليها كمال الشيخ لتقديم جوانب فنية بتقنية وجودة عالية في التنفيذ بالرغم من قلة اﻹمكانيات وقتها، أخذا في الاغتبار العديد من الأبعاد الاجتماعية، ومسلطا الضوء على الصراعات التي تجري داخل المجتمع المصري وبعيدة عن أعين الناس، لصلتها الكبيرة بالمعارك السياسية والمشاكل التي تدب بين الحكام وداخل الغرف المغلقة والتي في رأيه الشخصي خلفتها ثورة يوليو، ويذكر أن الشيخ قدم من خلال مسايرته السينمائية العديد من الأعمال التي تناولت نفس القضية منها أفلام (شروق وغروب) عام 1970 ، و(شيء في صدري ) عام 1971 (وعلى من نطلق الرصاص) عام 1975 والتي طرحت فكرة الهزيمة والانسحاب بعد 67 وذلك من خلال تحليل قوي لرواية عظيمة وبمجموعة من المشاهد ، واللقطات المحكمة بحرفية ومدارة بمثالية فائقة، وبأسلوب سينمائي أقرب إلى تحقيق شامل؛ تصل انفعالات وتعبيرات الممثلين إلى الجمهور صادقة لا يشوبها شائب مؤكدة على جودة الصنعة وبراعة الأداء هي الباقية في الأذهان.

نقد آخر لفيلم الرجل الذي فقد ظله

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
كمال الشيخ وبورتريه الانتهازية دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 2/2 17 فبراير 2016