فيلم مقاولات بوعي سياسي وإخراج ذكي

عند الحديث عن فيلم درب الهوى (1983) للمخرج الكبير حسام الدين مصطفى، غالبًا ما يُصنف ضمن ما يُعرف بأفلام "المقاولات" – وهي الأفلام التي طغت على السوق المصري في فترة الثمانينات، وسادت عنها سمعة أنها تهدف فقط للربح السريع دون عمق فني أو رؤية سينمائية واضحة. لكن الحقيقة أن درب الهوى يُعد استثناءً لافتًا في هذا التصنيف، خاصة حين ننظر إليه بعين نقدية أكثر وعيًا بسياقه وزواياه المضمرة. فحسام الدين مصطفى، رغم أنه معروف بأسلوبه التجاري، كان مخرج شاطر يعرف كيف يستخدم أدوات السينما بشكل ذكي لخدمة القصة. في درب الهوى، يشتغل على توازن صعب بين تقديم فيلم يجذب الجمهور جماهيريًا، وفي نفس الوقت يطرح قضايا شائكة بذكاء غير مباشر. اشتغاله مع السيناريو اللي كتبه مصطفى محرم أعطى الفيلم روح مزدوجة: ظاهرها الترفيه، وباطنها انتقاد اجتماعي وسياسي. الفيلم استفاد كثيرًا من ثلاث ممثلات كانوا في قمة عطائهم وقتها: مديحة كامل، يسرا، وشويكار. كل واحدة منهن قدمت شخصية مختلفة، لكن كلهن اشتركوا في القدرة على التعبير عن نساء مهمشات، محكوم عليهن بالانزلاق في "درب الهوى"، لكن كل واحدة منهن عندها حكاية، ودافع، وصراع مع مجتمع قاسي، أو ذكوري، أو فاسد. حسام الدين مصطفى قدر يخرج من كل ممثلة أفضل ما عندها، وده في حد ذاته إنجاز. السيناريو اللي كتبه مصطفى محرم بيوظف قالب بيت الدعارة كموقع، علشان يقدم انتقاد واضح لمظاهر الفساد السياسي والاجتماعي. يظهر ده من خلال شخصيات زي "الباشا" وأعوانه، والسلطة اللي بتستفيد وبتغض النظر عن استغلال النساء، بل وفي لحظة من لحظات الفيلم بيتطرح موضوع تقنين الدعارة وكأنه حل تنظيمي للمشكلة، في إسقاط واضح على تواطؤ الدولة ومؤسساتها مع الفساد، بدلًا من مواجهته. اللي بيخلي درب الهوى فيلم مختلف فعلًا، هو قدرته على تمويه رسائله داخل فيلم يبدو تجاريًا تمامًا. مافيش خطابة مباشرة أو محاضرات عن الفساد. لكن فيه شخصيات بتمثل أطراف الصراع المجتمعي، وفيه مواقف بتخلينا نشوف كيف السلطة بتدير القمع، وكيف بيتم تبرير الفساد بقوانين ومصالح. الفيلم كمان بينتمي لمرحلة سياسية حساسة، فإدخال موضوع زي تقنين الدعارة مش مجرد إضافة جريئة، لكنه كان إسقاط سياسي له دلالة. من أبرز العناصر اللي استخدمها مصطفى محرم ببراعة لطرح أبعاد سياسية في درب الهوى كانت شخصية "الباشا"، اللي قدمها الفنان الكبير حسن عابدين. "الباشا" مش مجرد زبون دائم لبيت الدعارة أو شخصية أرستقراطية عابرة، لكنه رمز واضح للطبقة الحاكمة القديمة، ولتواطؤ السلطة مع الفساد الأخلاقي والاجتماعي. في لحظات كتيرة في الفيلم، كان وجوده بيكشف كيف إن السلطة مش بس متورطة، لكن كمان بتحاول تقنن وتشرعن الانحراف. وده بيخلينا نشوف قد إيه فيه محاولة لتبرير الانحلال من فوق، من النخبة، مش من الشارع. وده بيرجعنا للسياق الأوسع: إزاي المجتمع كله بيتآمر على تهميش النساء ودفعهم لطريق الدعارة، ثم يتعامل معهم كـ"سلعة" أو "عار" رغم إنه شريك في صنع الطريق ده. هنا يبان إبداع السيناريست مصطفى محرم: هو مش بيقدم فتيات الليل كرمز للفساد أو الإغراء، لكنه بيركز على أسباب انحرافهن، وده واضح جدًا في خلفيات الشخصيات. الفيلم بيوضح إن الانحراف مش اختيار فردي دايمًا، بل نتيجة لضغوط اقتصادية، تفكك أسري، قهر اجتماعي، وتواطؤ رجال في مواقع سلطة. وهنا الباشا مش بس شخصية درامية، لكنه أداة تحليل طبقي وسياسي. درب الهوى مش مجرد فيلم تجاري ببطلات جميلات وبيت دعارة كخلفية. هو فيلم فيه توظيف ذكي للسيناريو، وتمثيل عالي الجودة، وإخراج قادر على التلاعب بالتصنيفات. حسام الدين مصطفى أثبت فيه إنه مش مجرد مخرج "مقاولات"، لكنه صانع أفلام يعرف متى يخفي رسائله ومتى يلمح لها.

نقد آخر لفيلم درب الهوى

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
فيلم مقاولات بوعي سياسي وإخراج ذكي دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 0/0 22 سبتمبر 2025