الوحش داخل الإنسان... عندما لم يظهر "الوحش" كما ينبغي

يُعد فيلم الوحش داخل الإنسان (1979) للمخرج أشرف فهمي محاولة لتقديم معالجة مصرية جديدة لرواية تريز راكان للأديب الفرنسي إميل زولا، بعد أن تناولتها السينما المصرية من قبل في أفلام مثل لك يوم يا ظالم والمجرم لصلاح أبو سيف. كتب السيناريو والحوار عبدالحي أديب، الذي استطاع أن ينقل الخط الدرامي للرواية إلى بيئة مصرية مناسبة من حيث الملامح الاجتماعية والنفسية للشخصيات. القصة في جوهرها ثرية ومليئة بالصراع الإنساني، فهي تدور حول الزوجة العاشقة التي تقع في حب رجل آخر وتتورط معه في جريمة قتل زوجها الأبله أملاً في حياة حرة، لكن الذنب يطاردها وتتحول علاقتهما إلى جحيم من الندم والصراع النفسي، إلى أن يتدخل القدر ليُنهي هذا العذاب بطريقة مأساوية. أشرف فهمي، المعروف بحسه الجمالي وقدرته على رسم أجواء درامية مكثفة، حاول أن يقدم معالجة عاطفية وإنسانية للقصة، لكن التنفيذ لم يكن بنفس قوة الفكرة، فبينما كان يمكن للقصة أن تخرج في صورة فيلم قوي ومؤثر لو توافرت عناصر الانسجام بين الإخراج والأداء، جاءت النتيجة أقل من المتوقع. من ناحية الأداء، لم يظهر محمود ياسين وناهد شريف في أفضل حالاتهما؛ فهناك إحساس بأن التمثيل كان مفتقدًا للتركيز والانفعال الداخلي الحقيقي، مما جعل الشخصيات أقل إقناعًا رغم ثراء أبعادها النفسية، وربما يعود ذلك إلى ضعف التوجيه الإخراجي أو إلى الاعتماد على النجومية أكثر من الغوص في التفاصيل النفسية للشخصيات. وعلى الصعيد التقني، يمكن القول إن الموسيقى التصويرية كانت من أكثر العناصر ضعفًا في الفيلم؛ إذ لم تخدم الموضوع أو تضيف أي بعد شعوري للمشاهد، بل في كثير من اللحظات لا تشعر بوجود موسيقى من الأساس، وكأن الفيلم يفتقد هذا العنصر الحيوي في بناء الإحساس الدرامي. كذلك كانت الإضاءة غير موفقة في كثير من المشاهد، خصوصًا تلك التي كان يُفترض أن تنقل توترًا أو صراعًا داخليًا؛ إذ بدت بعض اللقطات غامقة أو غير واضحة، مما أضعف التأثير البصري العام. وإذا قارنا معالجة أشرف فهمي بمعالجات صلاح أبو سيف السابقة لنفس الرواية (لك يوم يا ظالم والمجرم)، سنجد أن صلاح أبو سيف كان أعمق في اختياره للممثلين وأدق في رسم البيئة الاجتماعية والنفسية التي تحيط بالشخصيات، مما منح أفلامه مصداقية ووقعًا أكبر على المتفرج. في النهاية يمكن القول إن الوحش داخل الإنسان فيلم مقبول من حيث الفكرة والمعالجة الأدبية، لكنه لا يرتقي إلى مستوى أعمال أشرف فهمي الأخرى التي عُرف عنها الجرأة والعمق البصري والنفسي. فهو عمل يظل عند حدود المحاولة الطيبة، لكنه لم يستطع أن يُخرج لنا "الوحش" الكامن في الإنسان بالصورة التي كنا ننتظرها.

نقد آخر لفيلم الوحش داخل الإنسان

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
الوحش داخل الإنسان... عندما لم يظهر "الوحش" كما ينبغي دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 0/0 4 نوفمبر 2025