رغم أن فيلم "ولا من شاف ولا من دري" صدر ضمن سلسلة الأفلام التي جمعت بين النجم عادل إمام والمخرج نادر جلال، إلا أن العمل جاء صادمًا في بساطته المفرطة، وسطحيته في تناول القضايا، بل وافتقاده للحد الأدنى من المنطق والاحترام لعقلية المشاهد. كتب القصة فاروق صبري، وهو اسم معروف في الكتابة السينمائية، لكن الغريب أن العمل بدا وكأنه مكتوب على عجل، دون تمهل أو إحكام للبناء الدرامي. تدور الأحداث حول مرسي (عادل إمام)، مدرس التاريخ الفقير، الملتزم، الذي نشأ على القيم والأخلاق في كنف والده، ورفض في أول الفيلم...اقرأ المزيد أن يعطي دروسًا خصوصية حفاظًا على كرامته ومبادئه. لكن ما لا يمكن تبريره أو تصديقه هو هذا التحول غير المنطقي في شخصية مرسي: من مدرس مكافح يرفض حتى اللجوء للدروس الخصوصية، إلى قواد يدير شبكة علاقات غير شرعية لصالح زميلته القديمة سلوى، بل ويتزوجها لاحقًا بعد حملها من شخص آخر! وهنا هنشوف التحول الدرامي في شخصية البطل يتم بدون أي مبررات نفسية أو أحداث مقنعة تدفعه لهذا الانهيار الأخلاقي. بل الأسوأ، أنه يسمح لزوجته بمقابلة عشاقها في الغرفة المجاورة له، في تساهل غريب مع كرامته ورجولته، يتناقض تمامًا مع شخصيته الأولى التي كانت ترفض مجرد الاستغلال المشروع لمهنته. كيف يمكن لمُشاهد أن يصدق أن شخصية مرسي تمر بكل هذه التحولات في وقت قصير، دون صراع داخلي حقيقي أو لحظة انكسار قوية؟ كل شيء يتم بشكل ساذج، كأن السيناريو يتجاهل تمامًا قوانين المنطق الدرامي. وقد حاول الفيلم أن يخلط بين الكوميديا السوداء والدراما الاجتماعية، لكنه فشل في ذلك تمامًا. الكوميديا غير موفقة، والمواقف الجادة تتحول إلى عبثية، وكأن كل شيء مبني على سلسلة من المصادفات السخيفة والتصرفات الغريبة. في النهاية يحاول الفيلم أن يصنع مفاجأة في نهايته تغير مجرى الأحداث، لكنها تأتي متأخرة جدًا، وبعد أن يكون المشاهد قد فقد تعاطفه مع البطل، وأدرك أن القصة منذ البداية لم تكن تحترم عقله، ولا تقدم رؤية فنية أو إنسانية حقيقية. واعتقد أن"ولا من شاف ولا من دري" هو فيلم يطرح قصة كان من الممكن أن تكون قوية لو كُتبت بشكل أعمق، واحترمت تطور الشخصيات ومنطقها. لكن بدلاً من ذلك، جاء العمل هزيلًا، مليئًا بالثغرات، وتحول إلى مجرد فرصة لإطلاق مواقف سطحية دون محتوى حقيقي. حتى أداء عادل إمام، رغم براعته المعروفة، لم يشفع للفيلم، لأن الشخصية التي يؤديها مكتوبة بدون منطق أو مصداقية.