أراء حرة: فيلم - أخي فوق الشجرة - 2023


أخي فوق الشجرة... هل هو تعاون أم إعادة تدوير للفشل؟

في زمن أصبحت فيه الضحكة سلعة، و"اللا منطق" هو التيمة الرسمية لأغلب الكوميديات التجارية، يطل علينا رامز جلال في أخي فوق الشجرة، وكأنه يقول: **"أنا لسه هنا... ولسه عندي نفس النكتة من 2007!"** فيلم جديد، فكرة قديمة، تنفيذ أكثر قدمًا، عنوان لا علاقة له بالمحتوى، و"توينز" بيحاول يقتسم التركة، بس بيننا وبينكم... التركة الوحيدة الحقيقية هنا هي تركة الابتذال اللي سابها لنا الفيلم تدور القصة حول شاب انطوائي يُدعى "علاء"، يعيش حياة صحية ومنضبطة، قبل أن يقتحم حياته توأمه "بهاء" الذي لم يكن يعلم بوجوده،...اقرأ المزيد ويقلب يومياته رأسًا على عقب في انتظار اقتسام ميراث الأب. ورغم أن الفكرة الأساسية ليست جديدة، وكان يمكن تقديمها بشكل طريف، إلا أن التنفيذ جاء فجًا وسخيفًا إلى حد يثير التساؤل عما إذا كان رامز جلال لا يزال يعتقد أن الصراخ المتواصل، والتلويح باليدين، والقفز على الأرائك هي التعريف المعتمد للكوميديا. رامز جلال في هذا الفيلم لا يخرج عن عباءته المعهودة: الممثل الذي يصرخ كثيرًا، يضحك لنكاته أكثر مما يضحك الجمهور، ويتفنن في إذلال الآخرين على الشاشة تحت شعار "الضحك"، سواء في برامجه أو أفلامه. المشكلة هنا أن الكوميديا التي يقدمها تنتمي لزمن مضى، زمن كانت فيه المبالغة الجسمانية والمواقف المفتعلة كافية لتحريك ضحكات سطحية. لكن الجمهور اليوم – حتى الأطفال – صار أكثر وعيا وانتقائية، ولم تعد تلك "السخافات" تُترجم بالضرورة إلى نجاح جماهيري. لؤي السيد – كاتب سيناريو الفيلم – قدم نصا يُمكن وصفه بأكثر من "تهريج". الحوارات عبارة عن تبادل أفيهات محفوظة ومستهلكة، معظمها يدور حول شكل الجسد أو اختلاف الطباع، بينما الحبكة نفسها لا تتحرك إلا بأعجوبة، وكأننا نشاهد مجموعة من الاسكتشات غير المترابطة التي يربطها مجرد وجود رامز في المشهد. لا بناء درامي حقيقي، ولا تصاعد يُذكر، ولا حتى مشهد كوميدي يمكن تذكره بعد الخروج من الفيلم. والأسوأ أن الاعتماد على "البدانة" كمصدر للضحك ما زال قائما؛ وهي تيمة عفى عليها الزمن، وتكشف عن فقر خيال حاد في فهم معنى الكوميديا أو الإنسانية. لما الفيلم يطلب من المتفرج يصدق إن شخص عاش حياته كلها في أمريكا بيتكلم مصري بنفس طلاقة رامز جلال، وبنفس نبرة الشارع المصري كمان، من غير أي لكنة أو صعوبة في التعبير — فده مش بس غير منطقي، لكنه بيهين ذكاء المشاهد. يعني فكرة إن الأم علمته عربي طول عمره ما تبررش أبدا طلاقة لغته، وكأنه مولود في شبرا مش شيكاغو! الفيلم بيطلب مننا نصدق حاجات ما ينفعش تتصدق، وكل ده عشان يغطوا على غياب أي بناء درامي حقيقي للشخصيات. بدل ما يلاقوا طريقة درامية محترمة يفسروا بيها اللي بيحصل، لجأوا لحيلة مكشوفة وضعيفة. وده بيعكس مشكلة أعمق: إن صناع الفيلم شايفين الجمهور سهل الإرضاء و**"بياكل أي حاجة"**، ودي نظرة مستفزة وتؤدي دايمًا لفشل فني حتى لو نجح شباكيًا مؤقتًا. من الناحية الإخراجية، لا يحمل الفيلم أي لمحة تميز. الكادرات عادية، الانتقالات تقليدية، وموسيقى الخلفية أشبه بصخب لا هدف له. الإيقاع مفكك، لا يعرف متى يبطئ أو يُسرع، وكل مشهد يبدو وكأنه مُصور على عجل، بلا روح أو اهتمام بالتفاصيل. فيلم أخي فوق الشجرة يُعد التعاون الرابع بين رامز جلال والمخرج محمود كريم، بعد أفلام مثل سبع البرمبة (2019)، أحمد نوتردام (2021)، ورغدة متوحشة (2018). ورغم اختلاف العناوين والواجهات، إلا أن القالب واحد: كوميديا تعتمد على المبالغة الجسدية. تيمة البطل الساذج/المنكوب وسط عالم أغرب منه. الاعتماد على نُكت مكررة، وإفيهات عن الشكل أو الوزن أو الميول. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا الاستمرار؟ ما الذي يدفع ممثل ومخرج قدما معًا أكثر من 3 أفلام متوسطة إلى ضعيفة، للاستمرار في نفس المسار؟ هل هو رهان على جمهور يحب رامز مهما قدم؟ أم أن الإنتاج لا يهمه الجودة طالما الاسم يحقق الحد الأدنى من العائد؟ أم أن الثنائي بالفعل عاجزين عن تطوير أدواتهم، ومكتفين بمنطقة الأمان دي؟ اللي بيحصل حاليًا هو إعادة تدوير لنفس الفكرة، بنفس النمط، وبنفس الكسل الإخراجي — حتى إنك ممكن تشوف مشهد من أخي فوق الشجرة وتحسبه من أحمد نوتردام أو العكس. لا في تجديد بصري، ولا في معالجة سينمائية، ولا حتى في استغلال نجومية رامز لصالح فكرة جديدة فعلًا. رامز جلال يؤدي الشخصيتين – علاء وبهاء – بنمط واحد لا يُميز بينهما إلا الملابس أو تسريحة الشعر والجسم البدين. لا نحس بأي فرق حقيقي في الطباع أو الانفعالات. بينما الأدوار الثانوية تؤدي وكأنها موجودة فقط لملء الفراغ، دون دافع حقيقي أو منطق في تصرفاتها. لا أحد يبدو كما لو كان يعيش داخل قصة، بل الجميع يتحركون كما لو أنهم يدركون أنهم في فيلم رامز جلال، ويؤدون أدوارًا مرسومة مسبقًا بلا مفاجآت. في النهاية، هذا الفيلم يتركك تتساءل: هل ما زال هناك من يرى أن هذه الكوميديا تستحق الإنتاج؟ أم أن صناع الفيلم فقدوا الشجرة، وضلوا الطريق حتى إلى ظلها؟