في إطار من الرعب والخيال العلمي، ينخرط العالم الموهوب (فيكتور فرانكنشتاين) في تجربة علمية خطيرة تنتهي بصناعة وحش غامض، وبمرور الوقت تتحول التجربة إلى طريقًا لهلاك صانعها.
في إطار من الرعب والخيال العلمي، ينخرط العالم الموهوب (فيكتور فرانكنشتاين) في تجربة علمية خطيرة تنتهي بصناعة وحش غامض، وبمرور الوقت تتحول التجربة إلى طريقًا لهلاك صانعها.
المزيدمن جديد، يعود جييرمو ديل تورو ليغوص في عوالم المخلوقات والظلال والروح الإنسانية، وهذه المرة عبر تحفته المنتظرة Frankenstein (2025)، في إعادة قراءة بصرية وعاطفية عميقة لإحدى أكثر الأساطير الأدبية شهرة في التاريخ. لا يحتاج ديل تورو إلى مقدمات مطولة، فهو المخرج الذي يُحول الخيال إلى كيان نابض بالحياة، من The Shape of Water الحائز على الأوسكار إلى Pan’s Labyrinth وMimic، وكلها أعمال تتشارك في جوهر واحد: الإنسانية خلف الوحش، والوحش خلف الإنسان. ولا يمكن مشاهدة Frankenstein 2025 دون أن يترك بصمته...اقرأ المزيد البصرية فيك، فكل لقطة تبدو لوحة فنية مدروسة بعناية؛ الضوء والظل يتحاوران كما لو كانا شخصيتين إضافيتين في الفيلم. ديل تورو يستعيد هنا عشقه للبيئات الحقيقية أكثر من الرقمية، القصور المتهالكة، المختبرات الغامضة، والسماء الباردة التي تخفي في عمقها بريق الجنون. وجاءت المؤثرات البصرية والمكياج العملي ليقدمان مثالاً نادراً على التكامل بين التقنية والإحساس، المخلوق لا يبدو من عالم آخر فحسب، بل كأنه خرج فعلاً من رحم الطبيعة واللحم والدم، هذه الواقعية المدهشة تجعل الخيال أكثر صدقاً، والوحش أكثر إنسانية. ورغم طول الفيلم (قرابة الساعتين والنصف)، فإن الإيقاع يبقى متماسكاً؛ لا ملل، ولا ترهل. حتى عندما تتباطأ الأحداث، يبقى المشهد في ذاته تحفة بصرية تشدك لمتابعته. وإذا تحدثنا عن الأداء التمثيلي فيقدم أوسكار إيزاك واحداً من أصدق أدواره في السنوات الأخيرة في تجسيد شخصية فيكتور فرانكشتاين، العالم المهووس بفكرة الخلق، الممزق بين عبقريته وجنونه، فإيزاك لا يلعب الدور كعالم بارد، بل كإنسان ينهشه الطموح والغرور، ترى في عينيه لحظات الانبهار والخوف في الوقت نفس، وكأنه يواجه نفسه أكثر مما يواجه مخلوقه. لكن المفاجأة الكبرى تأتي من جاكوب إيلوردي في دور المخلوق، فأداءه ليس مجرد تجسيد لهيئة مشوهة، بل ترجمة لجراح إنسانية عميقة، تتعاطف معه، تخافه، ثم تحبه. وقد نجح إيلوردي في أن يجعلنا نرى الوحش لا كرمز للرعب، بل كصدى لصوتنا الداخلي، لرغبتنا في أن نُفهم ونُقبل رغم اختلافنا. الثنائية بين إيزاك وإيلوردي تشكل قلب الفيلم النابض: صراع خالق ومخلوق، أب وابن، علم وإنسانية، حوار وجودي لا تهدأ نيرانه حتى المشهد الأخير. ويأتي تصميم الإنتاج، الأزياء، والموسيقى التصويرية، في كلها تتلاحم كلها في نسيج واحد متماسك، فالألوان الباردة والظلال الكثيفة تُعيدنا إلى جو الرواية الأصلية لماري شيلي، لكن بروح عصرية تُبرز عظمة الصورة أكثر من أي وقت مضى. الموسيقى بنغماتها الغامضة والمؤثرة لا تُرافق المشهد فحسب، بل تنطق بما تعجز عنه الشخصياتـ كل نغمة تبدو كأنها تنهيدة من قلب الوحش، أو صرخة من عقل فرانكشتاين. وهنا يطرح الفيلم السؤال القديم الجديد: من هو الوحش فعلاً؟ هل هو المخلوق الذي خُلق بلا ذنب؟ أم العالم الذي تحدى قوانين الحياة بدافع الغرور؟ ديل تورو لا يقدم إجابات جاهزة، بل يتركك تتأمل في المرايا المكسورة التي يعرضها أمامك، فكل مشهد، كل نظرة، تذكرك بأن الخط الرفيع بين الإنسان والوحش أرق مما نتصور. في النهاية: «فرانكشتاين 2025» ليس مجرد فيلم رعب أو إعادة إنتاج لرواية كلاسيكية، إنه قصيدة بصرية عن الخلق، والوحدة، والبحث عن المعنى، عمل ناضج ومكتمل يعيد التأكيد على مكانة ديل تورو كأحد أبرز صُناع السينما في العصر الحديث.