فى مقالها المنشور فى جريدة العربى عن السينما الايرانية الذى اتخذ عنوانا فرعيا:إمكانات وتقنيات متواضعة وموهبة بلا حدود »
الواقعية اتخذت شكلا آخر بعد الثورة الإسلامية فى إيران عام 1978 »السينما الجديدة امتزجت بالرمزية واندماج روح الفيلم الوثائقى بالروائى »ظهور جيل سينمائى مهجن أوجد شكلاً فنيا لاقى استحسان الغرب وحصد الجوائز والجيل الجديد يمثل خصما قويا للرقابة الصارمة التى تفرضها إيران على السينما »ظهور جيل من المخرجات يمتلكن من الموهبة أضعاف أعمارهن .
السينما الإيرانية واحدة من أنجح السينمات العربية تمثيلاً فى المهرجانات العالمية بل تعد الأشهر والانجح عالميا بين المشاركات العربية المهترئة فى المهرجانات السينمائية الدولية، فالجوائز العديدة التى حصدتها السينما الإيرانية منذ عام 1997 بعد أن حصل المخرج الإيرانى عباس كياروستامى على أول جائزة عالمية مهمة تحصدها السينما الإيرانية فى تاريخها وهى سعفة مهرجان كان الذهبية عن فيلمه " طعم الكرز" وما تبعها من جوائز أخرى عديدة من مختلف مهرجانات العالم وأهمها شهرة وقيمة، شكك البعض فى أحقية حصولهم على هذه الجوائز، على اعتبار أنها إما تمنح لمخرجين يستغلون الوضع العام الإيرانى للحصول على تمويل غربى لإنتاج أفلامهم التى يمنع عرض العديد منها داخل إيران، أو لأنهم تحدوا سلطة الرقابة الصارمة فى فتح موضوعات اجتماعية مسكوت عنها، أو لأنهم يحاولون إرضاء الغرب وكسب تعاطفهم فى تقديم نماذج حقيقية من مشاكل المجتمع الايرانى ما جعل بعض المخرجين يبتكرون نمطا يميز أفلامهم وذلك بمزج الشكل الروائى بالتسجيلي، لكن بعضهم لم يلتفت إلى المستوى الفنى لهذه الأفلام والذى كان ولا يزال يستحق حصد المزيد من الجوائز السينمائية، أيا كانت الأسباب وراء اكتساب السينما الإيرانية ثقة واحترام جمهور السينما فى العالم. فى المقابل لم تحصد السينما المصرية إلا القليل على مدار تاريخها الطويل والتى يعتبر الإنتاج الأكبر والأوفر إلى جانب المكانة التى كانت تحظى بها مصر منفردة فى مجال السينما بين دول المنطقة، العربية قبل أن يتراجع دورها الريادى فى صناعة السينما بعد الهجوم السينمائى الخليجى الذى بدأ فى الانتعاش منذ فترة من ناحية ومن ناحية أخرى النجاح السريع للسينما الإيرانية ذات المستوى الفنى المتميز والتى سبقتنا بعدة أميال الى العالمية، رغم أن بدايات السينما فى إيران تقارب تاريخيا بداياتها فى مصر، معقل الإنتاج السينمائى العربى سابقاً.
تعود بدايات السينما فى إيران إلى أوائل القرن الماضى مع دخول أول آلة تصوير للبلاد على يد شاه إيران عام 1900 حيث جذب الاختراع الجديد انتباه الناس تدريجيا خلال أوائل الصور التى أخذت بهذه الكاميرا بتلقائية وعفوية التجربة الأولي، وتلى ذلك إنشاء دور عرض لمشاهدة ما التقطته الكاميرا بالإضافة لبعض التجارب الأوربية الصامتة التى تصل اليهم بانتظام، وظل مفهوم السينما فى إيران منتجا استهلاكيا ترفيهيا مبهرا حتى إنتاج أول فيلم ايرانى صامت على يد المخرج اوهانس اوهانيان أوائل الثلاثينيات بعنوان حجى أغا، وتوالى بعدها الانتاج المحلى ولكن بالصبغة الهندية التى اجتاحت أسلوب المخرجين المتأثرين بالعروض الهندية المنتشرة وقتها داخل السينمات الإيرانية، ولكن سريعاُ ما اعتبرت الدولة أن السينما فن يزداد انتشارا وتأثيرا على الشعب الذى بدأ وعيه يتفتح خلال التجارب الهندية والمصرية والأوربية التى انتشرت سريعا فى دور العرض، فأخذت الدولة فى السيطرة على هذا الانتشار مع بداية عرض اول فيلم ايرانى ناطق عام 1932 بعنوان "بنت لور" للمخرجان اردشير ايرانى وعبد الحسين سربنتا وعمدت الى توجيه السينمائيين الى أنواع معينة من الموضوعات التى تعرض ايران فى أفضل صورها الخالية من أى نقد أو تشويه.
الى جانب هذا النوع المفروض بقوة الضغط ظهرت بعض الأجيال المتمردة على هذا الشكل الخانق للإبداع فكان المخرج داريوش مهيروجى هو اول من كسر هذه القاعدة بفيلمه البقرة إنتاج عام 1969، تجول فيه مستخدماً كاميرته السينمائية داخل إحدى القرى الإيرانية الفقيرة والتى تخلو من اى مظاهر التمدن والتحضر، واستعان بشخصيات من الفلاحين أهل البلدة لأداء ادوار رئيسية فى الفيلم مؤسسا بذلك بداية لجيل جديد من الواقعية التى لم تعرفها السينما الايرانية من قبل، وتبعه بعد ذلك اجيال جديدة دعمت هذا الاتجاه وأوجدت منه حالة ابداعية محلية شديدة الخصوصية تميزت بها السينما الايرانية عن غيرها، واصبحت من السمات المميزة لمعظم الاعمال الايرانية التى تجول اعظم مهرجانات العالم.
اتخذت الواقعية شكلا آخر بعد الثورة الإسلامية فى إيران عام 1978 امتزجت فيه بالرمزية واندماج روح الفيلم الوثائقى بالروائى لينتج عنه جيل مهجن من السينما الجديدة ايجاد شكل فنى مبتكر لاقى استحسان الغرب وحصد المزيد من جوائز مهرجانات السينما، ووقف كخصم قوى أمام الرقابة الصارمة التى تفرضها ايران على صناعة الأفلام.
انتهى منذ أيام قليلة البرنامج الشهرى لمركز الثقافة السينمائية التابع للمركز القومى للسينما، والذى خصص شهر مارس بالكامل للاحتفاء بسينما المرأه الإيرانية، وعرض ضمن البرنامج خمسة أعمال لمخرجات كلهن من عائلة المخرج محسن مخملباف، ثلاثة أعمال منهم لابنته الكبرى المخرجة سميرة مخملباف، فيلم التفاحة وفيلم سبورات وفيلم الخامسة بعد الظهر وفيلم لإبنته الصغرى هنا مخملباف بوذا إنفجر خجلا، وفيلم زوجته مرضية ميشكينى يوم أن أصبحت امرأه، الأفلام حظيت بحضور غير متوقع من محبى ومتابعى السينما وطالب البعض بإعادة عرض الأفلام الخمسة واستكمال عرض باقى أعمال المخرجين الآخرين كمحسن مخملباف وعباس كايروستامى و جعفر بناهى وغيرهم، المدهش ليس فقط فى الاقبال على مشاهدة سينما الآخر، ولكن فى الدافع الذى جعل الإقبال عليها بهذه الشراهة والعطش لرؤية سينما مغيبة عن الجمهور المصرى لسنوات، فالسينما الايرانية كانت تشارك فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى لسنوات قليلة ماضية لكنها انقطعت عن المشاركة العربية وأصبحت تتجول فى أكبر مهرجانات العالم تقديرا لهذا الفن، وأصبح لها نصيب الأسد فى حصد جوائزها، لذلك حرص الكثيرون على متابعة هذه الاحتفالية على مدار شهر كامل توقف البعض منهم ليسأل أين تقف السينما المصرية الآن، وكيف سيكون مصيرها إذا كانت نساء ايران تصنع أفلاماً لا تتعدى ميزانيتها المائة ألف جنيه وتحصل بها على الجوائز الأولى فى كان وبرلين وفينيسيا؟!، أما السؤال المشترك فى ذهن البعض، هل تستحق السينما الايرانية كل هذه الحفاوة الدولية والجوائز التى تحصدها عالميا، فكانت مشاهدة الأفلام خير دليل للإجابة عن هذا السؤال، وإبداء رأى قاطع أن هذه الأعمال تستحق ما تحصده من جوائز وعن جدارة وإن شكك البعض فى نوايا صنعها او فى مدى استحقاق هذه الجوائز لأسباب ما.
رغم بساطة الانتاج واسلوب الطرح واستخدام الاطفال بشكل رئيسى وأفراد غير مؤهلة للتمثيل، شاهدنا أسلوب غاية فى البساطة والجدية حتى أنها أصبحت ظاهرة أكثر منها أعمالاً سينمائية، التميز الواضح للعناصر النسائية الايرانية سواء فى كتابة السيناريو أو الإخراج والتحكم فى إدارة اعداد كبيرة من الأطفال الذين ربما يرون لأول مرة كاميرا سينمائية أكبر دليل على مشاركة المرأة فى كل فعاليات الحياة سواء داخل إيران او خارجها، برغم ما يفرض عليها من سلطة اجتماعية ودينية متشددة، والأفلام الخمسة تحمل هما اجتماعيا واحدا على اختلاف الشكل والمضمون، وهو مقاومة المرأه للنظام الاجتماعى الذى يحجب عنها ابسط مظاهر الحياة باسم الالتزام بالتعاليم الدينية والاخلاقية المتوارثة. ففى فيلم التفاحة نرى ابا يسجن ابنتيه داخل أسوار المنزل اثنى عشر عاماُ خوفاُ من اختلاطهما بجيرانهم الذكور ولأن زوجته فاقدة البصر لا تستطيع متابعة بناتها، لذلك يمنعهما الاب من الظهور منذ ولادتهما وحتى سن الحادية عشرة، الى أن يقوم بعض الجيران بإبلاغ الشئون الاجتماعية ضد الاب لتحرير الطفلتين ومنحهما حقهما الطبيعى فى الحياة والاندماج مع الآخر، الفيلم هو التجربة الاولى لمخرجته سميرة مخملباف عن واقعة حقيقية، استخدمت فيه المخرجة الاشخاص الحقيقيين ودمجت بين الاسلوب الروائى والتسجيلى وحصدت به أولى جوائزها السينمائية فى مهرجان كان عام 1998 لتكون أصغر مخرجة تحصل على جائزة الكاميرا الذهبية بعمر لا يتعدى الثامنة عشر، لتعود من جديد وتحصد نفس الجائزة عام 2000 بفيلمها الثانى السبورات السوداء الذى يتابع رحلة العودة لبعض الاكراد من الحدود الايرانية الى قرية حلبجة بعد قصف الجيش العراقى لها بالاسلحة الكيميائية اثناء الحرب الايرانية العراقية عام 1988، يرافقهم الرحلة مدرس متجول من اكراد ايران لا يملك من الحياة سوى سبورة سوداء أصبحت أداة متحولة فى ايدى الجميع، فها هى سبورة المعرفة تتحول الى وسيلة للزواج بين المدرس والمرأة الوحيدة التى ترافق قطيعاً من الكهول فى رحلة العودة، وتتخذ السبورة عدة وظائف اخرى فعليها يحمل كهلا مريضاً وتكسر لتستخدم فى ترميم جرح طفل كسرت ساقة، وتستخدم كساتر يحتمى به من أصوات الطائرات الخ، وظيفة السبورة الاساسية هى العلم والمعرفة، واستخدام السبورة بشكلها المادى يصل بنا الى أن العلم والادراك يمكنه أن يحمى من الفقر والاضطهاد والمرض، وتقدم سميرة فى هذا الفيلم عدة استفهامات بخلاف عرضها لقضية الاكراد على الحدود الايرانية العراقية، فتدخلنا فى مشكلة حرمان الأطفال من التعليم وتستعرض ايضا ظاهرة استخدام الاطفال فى الترويج لبضائع محظورة على الحدود الايرانية العراقية وقد تناولها المخرج بهمان جوبادى الذى يقوم بدور المدرس الثانى فى هذا الفيلم بمفهوم أشمل فى فيلمه زمن الجياد المخمورة، ورحلة الاطفال الى الحدود مع بضائعهم المهربة هو الخط الدرامى الثانى الموازى لعودة سكان مدينة حلبجة لقريتهم، فالفيلم مليء بتوابع الاحداث السياسية التى تركت آثارها على الجميع أطفالا كانوا أو شيوخا، نساء كانوا أو رجال، ورغم تعدد الموضوعات التى تطرحها المخرجة داخل عمل واحد الا ان جميع الخيوط متجانسة مع بعضها، فمنذ انفصال المدرسين فى بداية الفيلم كل فى طريقه يبحثان عن تلاميذ يلقنوهم دروسا مقابل الحصول على الطعام، يعودان مرة اخرى من نفس الطريق دون جدوى وكل منه خسر مصدر رزقه الوحيد بشكل أو بآخر وهو السبورة، وإن لم يتقابلا ثانياُ، الا ان كلاً منهم عايش تجربته وشهد معاناة الاخرين بل وشارك فيها بشكل فعال.
أما الفيلم الثالث لسميرة هو فيلم الخامسة بعد الظهر لكنها هذه المرة تعبر الحدود لتجسد واقع المرأه الأفغانية خلال مرثية الشاعر الإسبانى لوركا، انها الخامسة بعد الظهر، يا للساعة الخامسة بعد الظهر، وبين مرثية لوركا الحزينة وحياة نوجرا بطلة الفيلم حزن مشترك فلوركا فقد صديقة فى إحدى مصارعات الثيران ونوجرا فقدت مأواها وفقدت اخاها وابن اخيها وفقدت منافستها على كرسى الرئاسة فى حادث اليم، لكنها لم تفقد حلمها فى أن تصبح ذات يوم رئيسة لجمهورية أفغانستان، الخامسة بعد الظهر هو الفيلم الثالث الذى عرض للمخرجة سميرة مخملباف ضمن احتفالية سينما المرأه الايرانية فى مركز الثقافة السينمائية الشهر الماضي، والفيلم مليء بالزخم الفنى خلال الصور الاستعراضية لمدينة كابول بعد اتمام تدميرها وتشرد أهلها وعودة النازحين من باكستان وباقى الدول المجاورة للبحث عن ماؤى لهم وسط انقاض المدينة التى تحولت بفعل القصف الى كومة من الحجارة، وسط هذه الصور المأساوية التى تعمدت المخرجة تصويرها بشكل بانورامى متواصل طوال احداث الفيلم، تتحايل نوجرا على افكار ابيها الطالبانية المتشددة وتهرع بالخروج من الباب الخلفى الى العالم الاخر الاكثر أملا فى المستقبل، تعبر من بوابة الجهل الى بوابة النور وتحلم مع صديقاتها ان يتولين ذات يوم رئاسة أفغانستان ليديراها بقلب المرأة المحب للحياة والسلام.
بوذا ينفجر خجلا، من الافلام التى حصدت عدة جوائز عالمية ايضا وهو من اخراج هنا مخملباف كأول فيلم روائى طويل لها وشاركت مع والدتها مرضية ميشكينى فى كتابة السيناريو له وهى بعمر الثامنة عشر، عرض الفيلم فى مهرجان فينيسيا وبرلين وسان سباستيان وغيرها من مهرجانات السينما وحصل على جائزة خاصة من مهرجان برلين عام 2008 وجائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان سان سباستيان باسبانيا 2008 وعدة جوائز اخري، من أمام حطام تمثال بوذا فى مدينة باميان الافغانية الذى دمرته القوات الطلبانية عام 2001 بدعوى التخلص من كل رموز الوثنية على اعتبار ان التماثيل من المحرمات، تبدا رحلة الطفلة باهتاى فى البحث عن مدرسة يمكنها الالتحاق بها بعدما حرضها جارها على البحث عن فصل دراسى تتعلم فيه القراءه والكتابة، وتبدأ رحلة باهتاى فى البحث عن طريقة لتحصل بها على كراسة تدون فيها الدروس القادمة عند التحاقها بالمدرسة، فلم تجد وسيلة الا مقايضة بعض دجاجات البيت بخبز ومنها الى نقود شحيحة لا تكفى الا لشراء كراسة فارغة، فتستعين الطفلة بطلاء الشفاء الخاص بأمها كى تستخدمه فى الكتابة، وتبدأ رحلة الكراسة البيضاء فى البحث عما يملأ صفحاتها، لكنها تمر بأوقات عصيبة، وتذكرنا رحلة الكراسة البيضاء بوظائف السبورات السوداء عند سميرة مخملباف، فالكراسة هنا ايضا تسقط عنها وظيفتها الاساسية وهى التدوين وتتخذ أشكالا أخرى مختلفة أثناء رحلة البحث عن مدرسة، فيقتطع منها عدة صفحات ليصنع منها الاطفال عدد من الصواريخ والطائرات للمضى فى لعبة الحرب التى تدخل فيها باهتاى رغما عنها، ويصنع منها مركبا تسير مع حركة الطفلة وتتوقف عند فشلها فى العثور على مدرسة، ثم تعود فى الحركة من جديد وكأنها تبعث الأمل نحو طريق أخر، لكن سريعا ما يعترض هذا الأمل انهيار جديد فتدفن الكراسة تحت ارجل الاطفال وتسقط باهتاى التى لا تجد لحريتها سبيلا الا الموت لتبدأ من جديد، دفنت الكراسة التى تمثل مجازا رمزا من رموز الثقافة تحت أقدام العنف والجهل، كما دمر تمثال بوذا وهو رمز ثقافى وحضارى ايضا تحت اقدام العنف والجهل، فالفيلم مليء بالرموز والايحاءات السياسية الصريحة خلال لعبة الاطفال للحرب فهم لا ينتمون الى جانب بعينه ولا يدركون اسباب العنف المحيط بهم، ولكنهم فقط يتشربون من ثقافة مجتمعهم التى تنعكس على أفكارهم وتصرفاتهم العنيفه دون وعى كامل، فنراهم أحياناً يمثلون دور افراد من حركة طالبان يختبئون من أصوات الطائرات ويحرقون الطائرات الورقية بزعم انها أمريكية، ومرة أخرى يتخذون أدوار الجنود الأمريكيين بزعم محاربة الارهاب، ولكن فى الحالتين تكون باهتاى هى الضحية والهدف، فهل باهتاى هى رمز لأفغانستان التى مزعتها طالبان من جهه والجيش الامريكى من جهه أخري، ربما.
اما الفيلم الخامس الذى عرض ضمن هذه الاحتفالية فهو للمخرجة مرضية ميشكينى زوجة المخرج محسن مخملباف، يوم أن أصبحت امرأه، عندما تبلغ حواء التاسعة من عمرها تجبر على ارتداء الحجاب رغما عنها، وتحرم من اللعب مع الاطفال الذكور وتحتجب كلية عن الحياة المختلطة بدعوى الالتزام بالثقافة الاجتماعية التى هى بعيدة عن مظاهر الثقافة الدينية التى تلزم المرأه بغطاء الراس عند البلوغ، فعندما تصبح حواء امرأه تتغير خريطة حياتها لا تعرف ماذا حدث وماذا ينتظرها ولكن ما ينتظرها بعد ذلك هو مزيد من الالتزام المشروط، الحياة الزوجية التى يسيطر فيها الرجل على كل رغبات المرأه بدعوى طاعة الزوج، كما فى شخصية اهورا وهى الشخصية الثانية للقصص الثلاث التى نسجها سيناريو محسن مخملباف فى هذا الفيلم من خلال ثلاثة نماذج مختلفة الاعمار الاولى لطفلة وصلت الى التاسعة من عمرها لذا عليها ان تحتجب عن حياة الطفولة وتدخل الى عالم الانوثة من وراء حجابها دون أن تدرك لماذا منعت من ممارسة طفولتها مع جيرانها واصدقائها من الاولاد، والشخصية الثانية هى لفتاة شابة تسعى لممارسة هوايتها بالاشتراك فى سباق للدراجات الهوائية مع بعض النساء على الشاطئ لكن زوجها يطاردها ويحاول أن يردعها عن هذا العصيان ويستعين بوالد الفتاة وأخواتها وشيخ من قريتهم لكنها تمضى قدما نحو هدفها دون الاكتراث لاعتراضهم طريقها ولا تهتم بطلاقها، أما القصة الثالثة فهى لعجوز تجاوزت من العمر أرذله، حصلت على ثروة ما جعلتها تعيد النظر فيما حرمت منه طيلة حياتها فتشترى كل ما حرمتها الحياة منه وما هى بغنى عنه فى هذا العمر، ولكنها تفتقد لشيء ما لم تتمكن من تذكره، لذلك لم تقم بشرائه، ربما يكون الحب التى لم تحصل عليه فى شبابها ولم يجعلها تتزوج او تنجب ابناء يكفلونها فى أواخر العمر، فتحاول تعويض ما فاتها علها تستعيد جزءا من سعادتها المفقودة. الأفلام جميعها تعرض موضوعات شديدة الخصوصية سواء بالنسبة للمجتمع الايرانى أو الجار الافغاني، بشكل بسيط وعميق فى الوقت ذاته وبإمكانيات فنية وتقنية متواضعة خلال ممثلين غير محترفين ومخرجات يمتلكن من الموهبة أضعاف أعمارهن، فما يميز هذه الأفلام هو الصدق الفنى والانسانى الكبير التى تقدم به والإيمان بمفهوم ودور السينما الثقافى وليس التجاري، فالمعالجة السينمائية انتقدت عدة قضايا ولكن بشكل حضارى بعيد عن المتاجرة بالسلبيات والتشهير بهموم الناس، فالمخرجات احترمن السينما ودورها فى تنمية ثقافة المجتمعات، فاحترمتهم المهرجانات السينمائية العالمية ومنحتهن هذه الجوائز.