لم يغرق فيلم ( بنتين من مصر) في الهم الخاص بشخصياته ويقدمه معزولاً عن حالة الوطن، ذلك الوطن الذي تم وضعه علي بداية المنحدر كما تقول إحدي شخصيات الفيلم تعبيراً عن رداءة المناخ العام.. يبدو الوعي السياسي لمؤلف الفيلم ومخرجه « محمد أمين» حاضراً وهو يتناول مشكلة العنوسة بكل ما تحمله من شجن وألم.
يبدو الفيلم متشائماً وحاداً في نقمته، وينجح من خلال سيناريو يتسلل إلي المشاعر في أن يحول قضية الفتاتين داليا وحنان من قضية طبيبة وموظفة تأخر بهما سن الزواج إلي قضية وطن افتقد فيه الناس حقوقهم الإنسانية البسيطة، الزواج، العمل، حرية التعبير. براعة اختيار العنوان تؤكد ذلك، فقضية العنوسة قد توجد في بلاد أخري عربية أو أفريقية أو آسيوية لكنها في مصر لها خصوصية ترتبط بظروف اجتماعية قاسية.
عنوان الفيلم باللغة الإنجليزية Egyptian Maidens أو (عذراوتان من مصر) الأقرب لموضوعه، فالبطلتان يشغلهما مصيرهما، هما عذراوتان ترفضان لأسباب دينية واجتماعية إقامة أي علاقات جنسية خارج نطاق الزواج رغم أن بعض زميلاتهما تفعلان ذلك بمبررات وتحت غطاء الزواج العرفي أو المسيار، وفي نفس الوقت شبح العنوسة يخيم علي حياتهما بعد فشلهما في الارتباط أكثر من مرة.
مشكلتهما جزء من خلل منظومة مجتمع علي وشك الغرق، بينما يصر مسئولوه علي أن تلك الرؤية المتشائمة ناجمة عن النظر فقط إلي النصف الفارغ من الكوب. تؤكد ميلودراما «محمد أمين» الحزينة أن الكوب فارغ، وأن المركب تغرق وأن التشاؤم هنا هو إدراك للواقع، يصور من خلال لقطة تتكرر قاع سفينة توشك علي الغرق أن هذا هو المصير الحتمي لحالة الإنكار والتجميل التي يمارسها البعض للواقع الكريه.
تتسلل مشاهد الفيلم بشخصياته الرقيقة إلي القلب فتحرك فيه الغضب والحنق وتوجعه، هذا الإحساس القوي بالقهر والعجز والاستسلام لدي شخصية حنان الفتاة التي تبحث عن عريس عن طريق مكتب زواج وكلما طال انتظارها تتصل بالمكتب لتحذف بعض شروطها وتقدم المزيد من التنازلات لتوسيع فرصة حصولها علي عريس، يحول «محمد أمين» مشهدًا مشهورًا في السينما المصرية للعروس التي تذهب مع عريسها للمطار في بداية رحلة شهر العسل إلي مشهد عكسي شديد القسوة والألم لفتاتين تجلسان في صالة انتظار المطار في انتظار عريس لا وقت لديه سوي 45 دقيقة سيقضيها في المطار قبل سفره معهما معاً ليختار من تعجبه، نظرات عيونهما التي تتابع طائرة تقلع الي السماء تنطق بالرجاء والأمل في الهروب من هذا الوطن الظالم.
«محمد أمين» المخرج أكثر نضجاً في فيلمه الثالث، وأكثر قدرة علي استغلال الصورة والتعبير بها، موسيقي «رعد خلف» كانت جزءًا من تأكيد حالة الفيلم الخاصة. التوازن الذي خلقه «محمد أمين» بين عمق الفكرة والبناء الدرامي السينمائي يظهر نضجه فنياً عن أفلامه السابقة ( فيلم ثقافي) و( ليلة سقوط بغداد)، الحوار في الفيلم رغم إنه مكتوب بشكل جيد، فإن الإحساس بتلقين المؤلف للشخصيات كان واضحاً، أغلب الشخصيات تتكلم تقريباً بنفس اللغة والمفردات وبعضها تركيباته غير مألوفة مثل جملة «أنا انفعلت بيكي» التي تعني «أنا أعجبت بيكي».
إنجاز «محمد أمين» الأكبر في الفيلم هو إخراج تلك الطاقة التمثيلية من مجموعة أبطال الفيلم، لا تبدو « زينة» أو « صبا مبارك» الاختيار الأمثال من ناحية الشكل لتجسيد شخصية عانستين، ولكنهما اجتهدتا كثيراً لتجاوز تلك التفصيلية ونجحتا في تقمص مشاعر وأحاسيس كثيفة دون افتعال أو مبالغة، كانت قدرتهما علي التمثيل والتعبير تتطلب من السيناريو الاستغناء عن بعض جمل الحوار المكتوبة بشاعرية والاكتفاء بأداء الممثلين للتعبير عن تلك المشاعر كانت تعبيراتهما أكثر بلاغة من حوار ثرثرة العوانس في الجلسات الجماعية في مكتب الطبيبة النفسية « نهال عنبر».
تقدم «زينة» دور عمرها في هذا الفيلم، تؤكد بأدائها شديد الحساسية أنها تمتلك موهبة لم تنجح في توظيفها حتي الآن، بساطتها في التعبير وتلقائيتها كانت أكثر عوامل نجاحها في لمس مشاعر الفتاة التي تحلم بالزواج والأمومة. «صبا مبارك» تمتلك طاقة انفعالية تجيد توظيفها أغلب الوقت إلا من فلتات تميل فيها إلي المبالغة، هي فنانة أردنية لها أدوار متميزة سابقة وأهم إنجازاتها في (بنتين من مصر) إجادتها التعبير عن أحاسيس الفتاة المصرية بالإضافة إلي اللهجة المصرية. من الأدوار التي نجح الممثلون فيها إلي حد كبير « أحمد وفيق» في دور المدون الذي يعيش في عزلة عاطفية واجتماعية، و« طارق لطفي» الشاب الذي أفني شبابه في استصلاح أرض صحراوية ومهدد بالسجن نتيجة تعثره، قدم كلاهما مشاهد قليلة ولكن بصدق وتألق وإحساس يتجاوز حجم دوريهما علي الشاشة.