« لا تراجع ولا استسلام» حلقة جديدة في سلسلة الأفلام الحديثة التي تسخر من تكرار المشاهد والتيمات في أفلام تدخل ضمن نطاق تراثنا السينمائي، لكن يختلف هذا الفيلم عن غيره بأنه قائم على السخرية من ألفه إلى يائه.
هل يحق لصنّاع السينما السخرية من تراثنا السينمائي تحت شعار سينما «الباردوي» التي عرفها العالم؟ ما أسباب هذه الظاهرة؟ هل هي رغبة في البحث عن أنماط جديدة في الكوميديا أم لأن الضحك فيها مضمون والإيرادات كذلك؟
سبق «لا تراجع ولا استسلام» ل أحمد مكي فيلم « رشة جريئة» للمخرج سعيد حامد، ومجموعة من الأفلام ل رأفت الميهي، و في محطة مصر ل كريم عبدالعزيز، و جواز بقرار جمهوري ل هاني رمزي...
يؤكد مكي أن فيلمه لا يسخر من أفلام معينة إنما من أسلوب يتكرر في الأفلام كافة، ولأن ظروف صناعة السينما في مصر لا تساعد الفنان على تقديم الأفضل تراجع مكي عن فكرة السخرية من أفلام معينة واكتفى بالسخرية من التيمات المكرّرة في الأفلام.
سخرية حائرة
يعلق الناقد طارق الشناوي على الموضوع قائلاً: «السخرية من المشاهد المكررة والتيمات القديمة أمر عادي وقدّمت في السينما عبر مشهد واحد وبشكل خاطف».
يضيف الشناوي: «لم ينجح «لا تراجع ولا استسلام» في توظيف هذا النوع جيداً لأنه وضع الجمهور في حيرة من أمره وجعله يتساءل: هل ما يراه هو قصة الفيلم الحقيقية أم يسخر من فيلم آخر؟».
يعود العيب في الفيلم، في تصوّر الشناوي، إلى المخرح الذي فشل في إيصال الفكرة الى الجمهور، «وارد ألا يكون المشاهد قد تابع المشهد الذي يسخر منه الفيلم، لأن الضحك هنا ينبع من الحالة نفسها، بمعنى أنه لا بد من المقارنة بين المشهد الأصلي والمشهد الذي يسخر منه الفيلم ليتحقق الضحك».
بدورها، ترى الناقدة ماجدة موريس أن المشاهد القوية في الأفلام هي التي تُقلّد في أفلام أخرى، لأنها مؤثرة ويحفظها المشاهد ويحترمها لذا تظل خالدة في الذاكرة، «مثلا المشهد الأخير من « شيء من الخوف» يمثل للمرة الأولى قوة المرأة وتمرّدها في تلك المرحلة، ما دفع البعض إلى عدم تصديقه والسخرية منه في أفلام أخرى بشكل كوميدي بهدف الإضحاك وليس الاستهزاء».
تضيف موريس: «الأفلام القديمة رائعة ولها بنية درامية وفكرية قوية، لذا لن تؤثر فيها السخرية». وتوضح أن السخرية مقبولة إذا اقتصرت على مشهد واحد وسريع وموقف موظف جيداً، «لكن عندما يقوم الفيلم بأكمله على السخرية من أعمالنا القديمة فهو أمر غير مستحب ويعدّ إفلاساً في الأفكار، وقد يثير غضب الجمهور لا سيما إذا طاولت السخرية عملاً قديماً يحبه ويحترمه ويعتبره تراثاً لا بد من الحفاظ عليه وتقديره وليس الاستهزاء به، وخير مثال على ذلك عندما قدم محمد سعد أغنية ل أم كلثوم في فيلم « اللمبي» ثارت عليه نقابة الموسيقيين واضطر إلى حذفها».
بين الترحاب والشجب
تختلف الناقدة ماجدة خير الله مع ما طرح سلفاً مشيرة إلى أن هذه النوعية التي قدّمها مكي، مع أنه غير معتاد عليها، حققت حالة من الضحك والبهجة للمشاهدين على اختلاف أعمارهم وفئاتهم، «لأن الفيلم تعمّد السخرية من التيمة نفسها التي سبق أن قدمت في أفلام أخرى، ولا تعني السخرية من الأفلام القديمة أنها سيئة إنما السخرية هنا من التكرار، من هنا قد تنجح سينما «الباردوي» في مصر شرط توافر الجودة وصياغة المشاهد بشكل يحقق الضحك».
في هذا السياق، لا يرحب السيناريست بشير الديك بالسخرية من أفلامنا القديمة لأنها تعكس روح الفترة الزمنية التي صورت فيها، «مثلا عبارة «أنا نازل يا نينة» التي كان يستخدمها عماد حمدي في أفلامه، تعكس اللغة المستخدمة في تلك الفترة ولا يجب أن نسخر منها، ثم لا يرقى الممثلون الجدد والشباب إلى مستوى ممثلينا القدامى كي يسخروا من أفلامهم أو من مشاهد معينة قدموها».
يضيف الديك أنه كأحد أهم رواد السينما القديمة يرفض أن يهزأ الجيل الجديد بمشهد قدّمه في أحد أفلامه.
سخرية من العناوين
لم يقتصر مبدأ السخرية على مشاهد معينة لكنه امتد إلى أسماء الأفلام أيضاً وهذا ما حدث مع « الثلاثة يشتغلونها» حيث يسخر الاسم من اسم فيلم « الثلاثة يحبونها» من بطولة سعاد حسني، « حبيبي نائماً» ل مي عز الدين تقليد لفيلم « حبيبي دائماً» ل نور الشريف و بوسي، « جعلتني مجرماّ» ل أحمد حلمي تقليد لفيلم « جعلوني مجرماً» ل فريد شوقي وغيرها من الأفلام التي وردت أسماؤها على وزن أسماء لأفلام قديمة وشهيرة.
في هذا الإطار، يؤكد المخرج علي إدريس أن اسم «الثلاثة يشتغلونها» ليس سخرية من اسم «الثلاثة يحبونها» لكنه مناسب لموضوع الفيلم وبعيد عن السخرية، ولا يعتبر هذا الأمر استهزاء بالقديم بل تكريم لأفلامنا القديمة التي حققت نجاحاً، خصوصاً أن الجيل الحالي يحترم من سبقوه.