البداية كانت تحرير المرأة
منذ بداية ظهور السينما شغلت قضايا المرأة المصرية العديد من المثقفين خصوصا اللذين اختلطوا بالمجتمعات الغربية في شبابهم ولمسوا الفارق الشاسع بين معاملة المراة في الشرق والغرب , فكتبوا وانتجوا واخرجوا اعمالا تنادي بتحرير المرأه وتغيير النظرة النمطية التي إعتاد أن يلصقها المجتمع العربي بالنساء علي انهم جنس مسلوب الارادة امام الرجال .
السينما المصرية كانت في مقدمة الانشطة الحقوقية التي دعت الي مشاركة المرأة في مجالات الحياة العامة الي جانب الرجل علي انها نصف المجتمع وليست تابع لرغبات الرجل الشرقي ,
فمنذ بداياتها قدمت السينما العديد من الافلام التي ارتبطت موضوعاتها بقضايا معاصرة تمس اوضاع المرأة المصرية من اهمها مشاكل تعليم المرأة وخروجها الي مجال العمل الي جانب الرجال , وارتباط سلوك النساء بالعادات والتقاليد الشرقية وأخذت قضية تحرير المرأة تسير كقضية ذات أهمية موازية لقضية تحرير الوطن , وبدا الانتاج الادبي والفني حول هذا الاطار في الازدهار , ففي عام 1914 أصدر الدكتور محمد حسين هيكل رواية زينب التي أعتبرت أول رواية في الادب العربي الحديث , ومن ثم بدا تدفق الانتاج الادبي الذي يتناول صور واقعية لقضايا المرأة المصرية والمتناقضات التي تحيط بها في المجتمع الحديث بين التمسك بتطبيق الموروثات والمحافظة علي قدسية العادات التي ينادي بها البعض تحت اسم الدين وبين التغيير والتطوير المستمر والسريع للمجتمع , وهذا ما شاهدناه بكثرة في مؤلفات الاديب نجيب محفوظ .
المرأة و الريف
وكانت المرأه الريفية من أكثر النماذج التي مثلت المرأه المصرية في السينما , مع اختلاف مواضيع الافلام التي تتناول أحداث تتعرض لها المرأه الريفية , ففي عام 1941 قدم المخرج توجو مزراحيفيلم ليلي بنت الريف , حيث نموذج الفلاحة التي تصطدم بحياة المدينة بعد تزويجها من ابن خالتها العائد من اوربا والذي يصطدم هو الاخر بطبيعة ليلي الفطرية , فينشأ بينهما تنافر سببه اختلاف ثقافة كل منهم , فيحاول كل منهم الانسلاخ من جلده وارتداء جلد الاخر لارضائه , هذه التيمة التي قدمت في فترة الاربعينات جسدت حالة اجتماعية سادت في المجتمع المصري وهي عودة بعض من جيل الشباب بعد تلقيهم التعليم في اوربا , وتشربهم لمظاهر الحياة الاوربية بكل ثقافاتها وانفتاحهم علي كل مغريات الغرب , ثم صدمتهم وعدم قدرتهم علي الذوبان داخل المجتمع الشرقي المناقض لتقاليد الغرب , ثم جاءت نوعية اخري من الافلام التي تقدم مشاكل اكثر تعقيدا تتعرض لها المراه الريفية , فكان فيلم الحرامالذي اخرجه هنري بركات عام 1965 واحدا من هذه الافلام التي عالجت قضية هامة جدا في تلك الفترة وهي خروج المرأه واضطرارها للعمل من اجل لقمة العيش , وتصوير وحشية ما ينتظرها خارج جدران منزلها من اطماع الجنس الاخر مهما بالغت في الحفاظ علي نفسها , ثم ينقلنا المخرج صلاح ابو سيف الي نوعية اخري للمراه الريفية من خلال فيلم الزوجة الثانية , حيث القهر الاجتماعي والتسلط الراسمالي الذي يمارسه العمدة صاحب المال والنفوذ علي اهل البلد , وعلي عائلة بسيطة ينتزع منها الزوجة طمعا فيها , لكن ابو سيف قدم في هذا العمل نموذج بالغ القوة بالنسبة لأمرأه فقيرة من الريف , تعودنا علي صياغتة هذه الشخصية في سياق اكثر ضعفاً وخصوصاً امام قوي المال والنفوذ , لكنه يبقي نمط مختلف عن السائد وموجود بالفعل سواء في الريف او في المدينة , وقد نلمس تطور واضح في تناول المواضيع التي ترتبط بالمراة في الريف المصري , ففي عام 1971 قدم المخرج شفيق شامية فيلم حادثة شرف , عن قصة فتاة ريفية يتهمها اهل القرية في شرفها رغم براءتها من هذه التهمة التي تدفع أخوها الي محاولة قتلها , وجرائم الشرف التي جاءت في تاريخ الانتاج السينمائي لا ترتبط فقط بعنصر المكان اي بالريف المصري فقط , لكنها تمتد الي ثقافة شعب بالكامل ولكن هناك بعض النماذج التي تمتلك وعي خاص او هوية ثقافية محدودة تمثل هذه القضية ركناُ اساسياُ من معتقداتهم ، ففي عام 1959 قدم المخرج هنري بركات فيلم دعاء الكروان عن رواية الاديب طه حسين , وفيه تفقد فتاة حياتها علي يد خالها بعدما فقدت شرفها , وتحاول الاخت الصغري الثأر لاختها , والفتاتين هما نموذجان لبنات من البادية يختلفان ايضا في العادات والتقاليد مع حياة المدينة التي لم يستطيعوا استيعابها سريعا , فقضية ضياع شرف الفتيات لم تصاغ وحدها علي انها الحدث الرئيسي للفيلم ولكن هناك خطاً موازياُ من خلال شخصية الأخت الصغري التي تحولت بدافع الالم والرغبة في الانتقام من عفوية التفكير الي حالة التماسك والصلابة والرغبة الملحة في الانتقام والثأر الذي هو دائماً فعل الرجال والضحية دائماً كانت هي الأنثي .
المرأة مرآة للمجتمع
تناول المرأة في السينما المصرية علي مر السنين يتباين حسب مفهوم التغيير الذي طرأ علي حالة المجتمع نفسه وتوجهاته , السينما فن يرتيط ويتأثر بتغيير المجتمع والذي يتغير هي المشاكل التي تتعرض لها النساء , منذ الخمسينات وحتي اوائل الستينات كانت قضية التعليم وعمل المرأه هي الشغل الشاغل لصناع السينما , فيلم الاستاذة فاطمة انتاج عام 1952 عرضت مأساة المرأة المتعلمة والصعوبات التي تحول بينها وبين حصولها علي حقها الطبيعي في ايجاد فرصة عمل مناسبة في ظل الحرب الذكورية عليها وايهامها انها مجرد كائن مكان عمله الطبيعي هو البيت وبالفعل جاء الفيلم ليرسخ هذه الفكرة رغم ما حققته شخصية البطلة من نجاحات في مجال العمل تفوق نجاحات الرجل الا ان النهاية الكلاسكية جاءت مرضية جدا لمجتمع الرجال حيث التضحية المتعارف عليها من النساء مقابل توفير حياة اكثر راحة للاسرة , ثم بدا بعد ذلك تغيير الصورة الفنية واستغلال موضوعات الروايات الادبية حيث ان معظمها في فترة الستينات كانت تتمتع بالحس الواقعي والخوض بموضوعات وملفات اكثر جرئة تمس المجتمع الشرقي , ومن ثم تطورت صورة المرأة المغلفة داخل غلاف العادات والتقاليد الي صورة المرأة المتطرفة المتحررة الي حد الإنحراف الأخلاقي مثل فيلم انا حرة او المراهقات , وفي أكثر من عمل اخذت معظمها من الروايات المحفوظية التي تحولت الي اعمالا سينمائية تركت بصمة فنية في تاريخ صناعة السينما , لكنها بصمة تحمل اكثر من دلالة فنية وتاريخية لا تقف عند منظور واحد وهو إدانة جنس المرأة البغي كونها تفرط في شرفها دون حساب او خوف من ثورة المجتمع المحافظ عليها , لكنها كانت مجرد رمزاُ لحالة التردي السياسي التي أصابت المجتمع في تلك الفترة .