لا أحد يستطيع أن يحدد على وجه الدقة من الذي يملك أن يقدم حياة الشخصية العامة وهل صحيح أن الورثة هم أصحاب السطوة أم أن لهم دائماً مآرب أخرى؟!
دعكم أولاً من تحديد مفهوم المآرب الآن لأن الكل سوف ينكر مؤكداً أنه لا مكاسب خاصة سوى أنهم فقط يريدون أن تقدم الحقيقة بلا رتوش أو إضافات.. مؤخراً أعلنت الفنانة " برلنتي عبدالحميد" أنها انتهت من كتابها "الطريق إلى قدري"تروي فيه سيرة زوجها المشير "عبد الحكيم عامر" وأنها لن تسمح بتقديم أي أعمال فنية إذا لم تستند إلى هذا الكتاب.
كان السيناريست " ممدوح الليثي" قبل ثلاثة أعوام قد انتهى من تأليف فيلم "ناصر وعامر" ويستعد لإخراجه " خالد يوسف" متناولاً تلك الصداقة التي جمعت بينهما منذ لقاءهما في الكلية العسكرية وظلت الصداقة قائمة بل وتزداد رسوخاً حتى بعد أن أصبح "عبد الناصر" رئيساً لمصر فلقد كان دائماً للمشير "عبد الحكيم" مكانة خاصة فهو الشخصية الثانية في مصر وكان "عبد الناصر" يسمح له فقط بين كل رفقاء السلاح بأن يناديه بجمال أو "جيمي" على الملأ أثناء جلسات مجلس الوزراء.
إن النقطة الفارقة دائماً في تلك العلاقة هي هل انتحر المشير كما أعلنت الدولة أم أنه تم دس السم له في شراب الجوافة كما ردد ذلك قطاع أيضاً من الناس وجزء لا بأس به أيضاً من المسئولين.
الرواية الثانية هي التي تؤكدها بالطبع السيدة "برلنتي" لأن المشير مؤمن ولا يمكن أن يقدم على الانتحار.
إن هذا الموقف يدين كل القيادات وعلى رأسها "جمال عبد الناصر" فليس من المفترض أن يغتال إنسان فما بالكم بالمشير الرجل الثاني في مصر ولا تتحرك أجهزة الدولة إلا إذا كانت أجهزة الدولة مشاركة في الجريمة ولهذا فإن هذا الملف الشائك الملغوم ليس من مصلحة أحد أن يفتحه لأنه سوف ينكئ جراح غائرة!!
السيناريو في فيلم "ناصر وعامر" حاول أن يقدم نهايتين واحدة لإرضاء الدولة وواحدة لإرضاء خيال الناس ولكن لا الدولة ولا "برلنتي" وافقوا على هذا السيناريو وتوقف المشروع وأظنه سيتوقف لفترة زمنية قادمة لأن الأجهزة الرقابية لدينا لا تملك بيدها القرار ودائماً ما تعود إلى أجهزة حساسة في الدولة تتحفظ في كل ما يتعلق بتلك العلاقة إلا أن هذا لم يمنع بالطبع أن نرى المشير "عامر" في أكثر من عمل درامي تناول "عبد الناصر" آخرها مسلسل " ناصر" الذي عرض في شهر رمضان الماضي ولم يرض المسلسل أسرة "عبد الحكيم" واعترضت "برلنتي" بينما أرضى على المقابل أسرة الرئيس "جمال عبد الناصر" حيث أشرفت السيدة "منى جمال عبد الناصر" على السيناريو وأمدت الكاتب " يسري الجندي" بكل الوثائق.
السيناريو عبر بالتأكيد عن التوجه الناصري لصناعه وسبق أيضاً للسيدة "برلنتي" أن اعترضت على فيلم " جمال عبدالناصر" الذي أخرجه السوري " أنور القوادري" ولعب دور "عبد الناصر" الفنان " خالد الصاوي" وأدى دور المشير " هشام سليم".
وكانت أيضاً أسرة "عبد الناصر" قد اعترضت بسبب ظهور الرئيس "جمال عبد الناصر" وهو يرتدي البيجامة في أكثر من لقطة قالوا كيف نقدم الزعيم مرتدياً البيجامة؟!
بينما قالت "برلنتي عبد الحميد" كيف نقدم المشير "عامر" بهذه الخفة لاهثاً وراء الستات.. الورثة لديهم جانب واحد فقط يريدون تقديس مورثهم.
نعم أحترم رؤية السيدة "برلنتي عبد الحميد" وأتفهم أيضاً رغبتها في تلك الصورة الأحادية التي تراها فقط في المشير ولا ترضى بغيرها بديلا لكنها تنسى أن المشير كان إنساناً أولاً وله بالتأكيد سلبياته.
نعم شخصية المشير "عبد الحكيم عامر" تستحق عملاً فنياً وكان الراحل " أحمد زكي" من بين أحلامه الإبداعية أن يقدم المشير وقال أنه أخذ موافقة شقيقة الفريق "حسن عامر".. فهل مات الحلم مع رحيل "أحمد زكي"؟ الحقيقة هي لا.
المشير شخصية تحمل كل المقومات الدرامية الجاذبة لكل صناع الأعمال الفنية ولكن سيظل هناك أكثر من معوق ليس فقط الورثة ولكن أيضاً الدولة فلو تصورنا أن منتجاً قرر أن يحيل "الطريق إلى قدري" إلى فيلم أو مسلسل فسوف يصطدم بحائط لا يمكن اختراقه اسمه حسابات وحساسيات الدولة!!