خرجت بالعديد من المشاعر المختلطة بعد مشاهدة فيلم " The Social Network" ل ديفيد فينشر، سعادة بقدرة فينشر على إخراج فيلم عن موقع إليكتروني مثل الفيسبوك، متعجب من الظلام الذي سيطر على فيلم يفترض أنه قصة نجاح أصغر ملياردير في العالم، منبهر للغاية بالأداء التمثيلي لمعظم أبطال الفيلم، لكن تبقي المشكلة الأساسية، لا أعرف إذا كان هذا الفيلم رائع أم رائع للغاية؟
يحكي الفيلم قصة مارك زوكربيرج ( جيسي إيزينبرج) مؤسس موقع الفيسبوك الاجتماعي الشهير وبالتوازي يحكي الفيلم القضايا التي خاضها مارك أمام مجموعة من شركائه وزملائه في جامعة هارفارد، وهي طريقة كانت موفقة للغاية من أرون سوريكن لحكي القصة التي تتضمن بعض الحبكات غير الحقيقة لكنها كانت مفيدة للغاية لدراما الفيلم.
زوكربيرج كان أهم أسباب الحيرة التي صاحبتني طوال الفيلم، يبدو وكأنه يفكر في شيء آخر، أو أنه غير موجود بشكل كامل في الفيلم، ربما كان هذا تصور سوريكن وفينشر عن شخصية مبرمجي الكمبيوتر، لكني لا أري أي مبرر فعلي لحالة عدم الانتباه الكامل لزكوربيرج طوال الفيلم، لم يظهر البطل في كامل تركيزه في أي مشهد تقريبًا، باستثناء أحد حواراته مع شون باركر (جاستن تمبرلاك) عندما بدأ في نصحه بشأن الصبر على الموقع وعدم السعي وراء المعلنين.
تبدأ القصة بفشل زوكربيرج في الإبقاء على علاقته مع إريكا ألبيرايت ( روني مارا) والتي كانت دافعًا له لإنشاء موقع ليتنافس فيه طلاب الجامعة لاختيار أجمل الفتيات وهو الأمر الذي جعله مستعد لإنشاء موقع الفيسبوك، إريكا التي ظهرت في مشاهد قليلة بدت وكأنها المحفز الرئيسي لزوكربيرج وبدا أيضًا أنه لا يستطيع تخطيه حتى نهاية الفيلم، فكرة حافز الفشل في علاقة عاطفية مستهلكة بعض الشيء بالإضافة على أنها غير حقيقية بحسب كلمات المؤلف وزوكربيرج الحقيقي، لكنها كانت السبيل الوحيد لإيجاد مبرر قوي لصناع الفيلم لتحفيز البطل طوال أحداثه، لكنها كانت ضعيفة للغاية، فزوكربيرج لم يبدو محبًا للفتاة بهذا القدر الذي يجعلها مرتبطة في كل تفاصيل نجاحاته، دوافع زوكربيرج لإنشاء الفيسبوك الأخري لم تظهر.
الفتي لا يبدو أنه يحب المال كما ظهر في العديد من الجمل الحوارية، لكن دوافع عمله في الموقع تبدو بسبب حبه للموقع وهو الشيء الذي لم يضغط عليه فينشر أبدًا في الفيلم رغم كونه أمر قوي ومؤثر وذو معاني كثيرة فأي شخص منا يتعامل مع مشروعاته الناجحة على أنها جزء منه، أما طريقة تعامل زوكربيرج في الفيلم مع الفيسبوك فبدت باهتة للغاية وكأنه لا يرغب في أي شيء سوا بقاء الموقع يعمل فقط دون الاهتمام بأي شيء آخر، عندما وصل عدد مشتركي الموقع لمليون شخص، لم يبدي زوكربيرج الاهتمام أو الفرحة المتوقعة، ربما بسبب فشل علاقاته مع أصدقائه بسبب الموقع، لكن زوكربيرج.
يظن الكثير من الناس أن الأشخاص الناجحين لابد أنهم يواجهوا أزمة كبيرة، وهي نظرية فقيرة للغاية فالنجاح لا يعني التزامه بفشل في مناطق أخري، فلا أحد يتوقع أن هناك مليونير قادر على النوم ليلاً وكأن الفقر هو سبيلنا الوحيد للسعادة، وهي نظرية صدرناها لأنفسنا لنهون فقرنا وتأخرنا عن الآخرين، فينشر بدأ متأثر بالنظرية زوكربيرج لا يوجد له أصدقاء بل ويدمر هذه العلاقات القليلة مع كل خطوة يتقدمها على موقع الفيسبوك.
ورغم قوة دراما فقدان الأصدقاء وتصدرها لغلاف الفيلم الذي كتب عليه "لا يمكن أن تحصل على 500 مليون صديق دون تكوين بعض العداوات" إلا أنها لم تكن حبكة أساسية للفيلم، لم يبدو أن زوكربيرج حزين من فقدانه لأصدقائه، لا يبدو أي تفاصيل لشخصية البطل، ليبدو لي أن فينشر ومؤلفه فشلا في معرفة حقيقة شخصية مؤسس الفيسبوك، التي تبدو مجهولة للكثيرين فالرجل لا يظهر كثيراً في الإعلام ولا يتصدر صفحات التابلويد أبدًا، وفي النهاية ظهرت شخصيته أحادية الأبعاد دون أي عاطفة.
لم يجيب الفيلم عن حقيقة ما إذا كان زوكربيرج قد سرق فكرة الفيلم أو أنه ابتدعها؟ وكأنهم يخافوا من إظهار وجهة نظرهم في هذه القضية التي تركت مفتوحة جدًا للجمهور الذي لا يعرف من يلوم، هل الأصدقاء جشعين ومحبين للمال أم زوكربيرج خانهم؟
الموقع نفسه لم يظهر له دور حيوي في الفيلم، تطور الموقع كان يتم التعامل معه على استحياء، رغم أن أي مهتم بالكمبيوتر يستطيع معرفة مدي الترنح الذي كان عليه الموقع بين تغير شكله كل بضعه أشهر، وإضافة وحذف العديد من التطبيقات، كأن الموقع يدار عن طريق مجموعة من الهواة.
الحوار في الفيلم كأن سريع للغاية، البعض اعتبر ذلك مبالغاً فيه، لكنها طبيعتنا وطبيعة معظم شباب هذا الجيل، وكانت موفقه جدًا من سوريكن.
تبقي أكثر الأشياء التي أشعرتني بالضيق طوال الفيلم وهي ألوانه، فينشر أشتهر بشغفة بتلوين أفلامه بألوان كئيبة بداية من "Seven"، مرورًا بـ "Fight Club" حتى "Curious Case of Benjamin Button" لكن فينشر نسى أنه يصنع فيلم عن قصة نجاح أصغر ملياردير في العالم وأنه لا يوجد أي دراما حقيقية في هذا الفيلم واستمر في سكب الألوان القاتمة على كادرات الفيلم بكل قوة، صحيح أن كل مخرج له طريقته الخاصة في صناعة أفلامه، لكن أخطأ فينشر عندما اعتبر اللون الأزرق أفضل ما يميزه.
أفضل ما شاهدت في هذا الفيلم كان شون باركر، تلك الشخصية الحيوية للغاية، المليئة بالتفاصيل النفسية، وكان القادر الوحيد على جعل زوكربيرج يتخلي عن حالة عدم التركيز ولو لمرة واحدة عندما تحدث معه للمرة الأولى، وأعتقد أن أداء تمبرلاك مع رسم سوريكن للشخصية كانا موافقان لأبعد حد.
قرأت العديد من التعليقات الجيدة عن الفيلم لكن أكثر التعليقات الجيدة التي استفزتني كانت إعجاب بعض النقاد بالفيلم لكونه فقط استطاع التعامل مع شيء معقد مثل لغة البرمجة أو حكاية قصة نجاح موقع إليكتروني، رغم أن هذا لم يحدث حقيقة في الفيلم، وحتى لو حدث فإن نحت تمثال على قمة جبل كليمنجارو لا يعني بالضرورة أن التمثال رائع، ورغم كل اعتراضاتي على الفيلم إلا أنني مازالت أراه جيد، لكنه فشل في الحصول على تقدير يضعه ضمن أفلام هذا العام، أو يضعه في مقارنه مع باقي أفلام فينشر، أو الأسوأ مقارنته بفيلم مثل "Citizen Kane" وهي المقارنة الظالمة للغاية، حيث كان أورسون ويلز مبهرًا للغاية في تعامله مع كين ومع سلبياته وحالته النفسية، فرغم ظهور الفيلم في الأربعينات إلا أن كين يبدو ثلاثي الأبعاد مقارنة بزوكربيرج الأحادي الضعيف.
تقديري للفيلم 7.5/10