قليلة هي الافلام السينمائية التي تقدم الموضوعات الرومانسية وقصص الحب الخيالية في شكلها الكلاسيكي الذي تعودنا ان نشاهده في المسرحيات والافلام السينمائية العالمية التي تعيد تجسيد الروايات الادبية لكتاب عالميين مثل, وليم شيكسبير و موليير , لكن عندما ننظر لانتاجنا السينمائي ونبحث عن مثل هذه الموضوعات لا نجد سوي بعض الاعمال القديمة التي قُدمت في فترة الخمسينات والستينات والتي كانت تطغي عليها ملامح الشخصيات الادبية, مثل شخصية الفارس او شخصية الشاب الغني الذي يهوي فتاة فقيرة او الفتاة الثرية التي تقع في غرام شاب فقير , او قصة الحب التي تنتهي بسبب الفقر او الطموح الزائد للطرفين او بسبب تلاعب الاهل وتدمير علاقتهم , او حتي في الافلام الكوميدية التي جعلت للحموات دور في افساد العلاقة الزوجية وغيرها من القصص التي تبدو رومانسياتها زائفه بعيدة عن اي مقومات للرومانسية المتعارف عليها , الا بعض الافلام التي قدمت الرومانسية بمفهومها المتوازن والجاد القائم علي تبادل المشاعر والتضحية من اجل الاخر مثل فيلم نهر الحب وفيلم موعد غرام علي سبيل المثال لا الحصر .
اما وسط انتاجنا السينمائي الحديث لم نلمس هذه المشاعر الصافية الصادقة فيما يقدم حيث طغت افلام الاكشن والافلام الكوميدية التي يبدو بعضها هزيل ومبتذل الي تقديم مثل هذا النوع الذي بدا ينقرض في افلام السينما , وربما من الحياة بشكل عام , لكن الكاتبة الموهوبة وسام سليمان أطلت علينا بتلك الرائحة العطرة من الزمن المنقرض قدمت لنا نموذج فريد من الرومانسية الخالصة , زمن الحلم في البحث عن المشاعر الصافية الفطرية التي جسدتها وسام داخل شخصية نجوي في فيلم " في شقة مصر الجديدة " , نجوي تلك الفتاة التي استحضرتها وسام سليمان من الماضي بكل ما تحمله من عفوية رقيقة ورومانسية طاغية علي ملامحها وعذوبة تسيطر علي تصرفاتها ,هذا النموذج الانثوي المنقرض تلقي به وسام في قلب القاهرة المزدحمة بأخلاق العدوانية ومشاعر الرغبات المزيفة , ومع ذلك تستطيع نجوي بكل ما يميزها من بساطة وصدق وتلقائية ان تحول مشاعر الرغبة الحيوانية في شخصية يحيي الي مشاعر الاحتياج الانساني , من خلال قصة حب تنشا في عيون كل من يحيي ونجوي , التي جاءت من المنيا حيث هدوء الحياة الي القاهرة الصاخبة , تظل نجوي تبحث عن طيف كاذب لمدرستها القديمة التي زرعت فيها منذ الصغر مفهوم الرومانسية , لكن نجوي لن تجد مدرستها تهاني هي في الحقيقة تحاول الهروب من واقعية الحياة التقليدية الي حياة اخري حالمة , فتصطدم بيحيي " خالد ابو النجا " وهو نموذج للرجل المتحرر الذي لا يستخدم مشاعره الا لبلوغ رغبته الجسدية , لكنه يتحول مع فطرية نجوي الي انسان يحاول اكتشاف نواقصه واصلاحها , البساطة والعفوية التي تتحلي بهم شخصية نجوي هما إحدي المفاتيح السحرية التي وضعتها الكاتبة وسام سليمان امام شخصية مناقضة لها تماما مثل شخصية يحيي , رغم انه يبدو الاقوي والاكثر خبرة فهو رجل يعيش لملاذاته مع صديقة من نفس نوعه , لكن ميوله العاطفية كلها تنهار امام ميول نجوي في البحث عن الحب .
نجوي هذه الشخصية النادرة التي لم تقدم الا في الافلام القديمة لم تتأثر بضغوط المدينة ولا بعادات الاهل ولا بارتفاع سنها المتعارف عليه في الزواج التقليدي , لكنها حافظة علي شخصيتها التي تتشابه مع شخصيات الاميرات التي تطل علينا من كتب الحكايات , وكان اختيار المخرج محمد خان للفنانة غادة عادل امتداد للصورة التي رسختها غادة من خلال شخصية الفتاة الرقيقة التي قدمتها في بعض اعمالها السابقة , مثل دورها في مسلسل وجه القمر الذي قدمت فيه ايضا شخصية الفتاة الرومانسية الناعمة لكن نجوي في شقة مصر الجديدة تختلف عن سارة في وجه القمر ليس فقط لتباين مستواهم والمحيط الاجتماعي التي تربت فيه كل منهن , ولكن لبراعة غادة في اتقان دور الفتاة التي جاءت من اقاصي الصعيد بكل ما تحمله من تربية صارمة الي القاهرة المزدحمة والتي لم تتأثر بمغريات المدينة الكبيرة بل علي العكس كانت شخصية نجوي تترك تأثيرها في كل زاوية تمر عليها , واستطاعت ببرائتها ترويض غرور هذا الرجل الذي لا يعرف للحياة معني سوي معرفة النساء دون مشاعر .
افراط المخرج في ابراز مشاعر نجوي من خلال حركات عينيها التي بدت مندهشة دائما, ومنها اختلط قليلا لدينا تعبير نجوي عن دهشتها وبين تعبيرها عن حزنها او عن سعادتها او حتي عن مشاعر الحب المفاجيء الذي أصابها دون انذار , فالمخرج كثف من الاداء الحركي لنظرات نجوي حتي فقدت تأثيرها علينا , وحولت الشخصية في بعض المشاهد من فتاة ناضجة الي طفلة مسالمة ,لكن هذا لم يفقدنا الجو الرومانسي الحالم الذي احاط بكل مشهد من مشاهد الفيلم وخصوصا اللقطات الكلاسيكية التي تجمع نجوي بفتي احلامها يحيي التي تحبه في صمت وتحاول ان تلفت انتباهه بالحركات البسيطة للفتيات المراهقات , كما عاد بنا المخرج الي رائحة الزمن الماضي من خلال اغنيات ليلي مراد عن الحب وكان الحب هو حادثة مرتبطة بزمن واجواء معينة فقدناها ولا يسعني الا ان نستحضرها من خلال الاغنيات او الافلام القديمة , ولكن نجوي كانت دائما نموذج لانعكاس روح هذا الزمن الجميل في عصرنا التعس الذي بدأت فيه المشاعر تتأكل وتتحول الي مسميات اخري اكثر فاعلية .