السماح بـ "عرض هذا الفيلم يعرِّض الوحدة الوطنية للخطر!".... عبارة براقة مثيرة صاحبت عرض فيلم بحب السيما، الذي زايد البعض عليه حتى اتهموا مؤلفه هاني فوزي ومخرجه أسامة فوزي بـ "المس بالذات الإلهية، وازدراء الأديان، والتطاول على قدسية الكنيسة"، بل وأضافوا إلى قائمة المتهمين ممثلي الفيلم وعلى رأسهم الطفل يوسف عثمان، ولكن العاصفة مرت وحقق الفيلم نجاحاً على المستوى النقدي والجماهيري.
بدون شك يتشابه الفيلم المصري مع فيلم " سينما باراديسو " للمخرج الإيطالي جيوسيبي تورناتوري، خاصة وأن البطل الرئيسي في كلا الفيلمين طفل مرتبط بالسينما، وأن كليهما يدوِّن سيرته الذاتية من خلال حب السينما والانقطاع لعوالمها الفنية والجمالية.
لكن الفيلم المصري يبتعد تماماً بالمضمون عن الفيلم الإيطالي لأنه يتعرض لقضايا أكثر عمقاً كالعلاقة بين الذات البشرية والذات الإلهية، وما أصابها من كذب وزيف، كما يتناول الفيلم حقيقة الإيمان بالله ويجرده من الأهواء والعواطف، من خلال استعراض أسرة قبطية وكل ما يحيط بها من مقدسات شكلية وتطرف خانق.
وينتصر الفيلم في النهاية لحرية الاختيار الفردية، التي لا تخضع إلى تأويلات رجال الدين الذين ينظرون إلى الحياة من خلال نظارة سوداء، ويكرهون الدنيا بحثاً عن الآخرة، من خلال تعلّق الطفل بالسينما وهو ما يرمز إلى التعلّق بالحياة الجميلة التي ينبغي أن نخوض تجربتنا الشخصية من خلالها دون حد أو خوف، مُكتشفين من خلالها كل ما يمكننا إكتشافه مكتسبين خبرات ما تمكننا من الحكم الصحيح على الأمور.
ولهذاأراد صناع العمل أختراق التابوهات الثلاثة من خلال أسرة مسيحية مصرية مكونة من أب أرثوذكسي متشدد جداً وهو عدلي " محمود حميدة " يعمل أخصائياً إجتماعياً، وأم بروتستانتية إنجيلية متفتحة قليلا ، وهي نعمات " ليلى علوي " تعمل مديرة مدرسة، تخلت عن عشقها للرسم، وأبنائهما نعيم ونعيمة، وكذلك الخالة نوسة التي تقوم بدورها منة شلبي. كذلك باقي العائلة والجيرة والاجواء المحيطة بالأسرة، كي يعطي صورة موسعة وشاملة عن الأسرة حياتها اليومية العامة. ويركز الفيلم من خلال هذا على المتضادات التحريم والتحليل، ومبدأ الثواب والعقاب الذي طرحه الأب عدلي بطريقة مخيفة بثت الهلع في نفوس أفراد العائلة جميعاً.
كما طرح مفهوم الجنة والنار من وجهة نظره الدينية المتشددة، ومفهومه لشهوات الجسد، وللرغبات الإنسانية بشكل عام، ونظرته إلى الفن بمختلف أشكاله وتجلياته من خلال الطفل الصغير، الذي يقوم بدور الشاهد على كثير من خطايا الكبار والناضجين في الأسرة، والمبتز لهم في الوقت نفسه، والفيلم هنا لم يقتصر على الديانة المسيحية فقط، وإنما هو في مضمونه يشمل الديانات السماوية كلها،ولم يختزل الأمر في الدين المسيحي أو الأسرة القبطية كحالة خاصة بل يتناول الأسرة المصرية بمفهومها الأوسع والاشمل.
يناقش الفيلم أيضا من خلال الاب عدلي التشدد الذي يرفض الحياة ككل حتى أنه يصوم في العام 200 يوم ويرى الجنس عبارة عن "نجاسة" ولا يجوز إلا في حالة الرغبة في الإنجاب، بل ويضطر اذا مارسه إلى إطفاء النور والأسراع في الانتهاء منه وكأنه ذنب يرتكبه، مما يثير غضب الزوجة.
ويتبع ذلك تمرد كل أفراد الاسرة على سطوة الاب المتزمت فتجنح ابنته الى ارتداء الملابس الضيقة دون علمه، وتعاود زوجته الرسم، وكذلك الطفل نعيم االذي يلاحظ تمرده من خلال عدة مشاهد مثل وهو يرفع مريلة إحدى التلميذات الصغيرات، أو مشهد الصور العارية في ورق القمار، أو مشهد الأم وهي تستحم أمام أنظار ابنها الذي يراها أجمل وهي عارية، " يا واد بص قدامك أنت مش مكسوف؟ ما هو ربنا شايفك مش مكسوف ليه؟
وربطه للجنة بالسينما واعتبار تذاكر السينما صكوكاً للغفران.
ثم يموت الأب عدلي على سجادة الصلاة بعد انكساره واعترافه في أحد اقوي مشاهد الفيلم للفنان محمود حميدة، وهو يسمع خطاب التنحي لعبد الناصر الذي يعترف بهزيمته هو الآخر ويطلب من الناس أن يساعدوه على تحقيق هذا القرار. و بعد موت الأب تتولى الأم سلطة البيت، ثم تحرضها الجدة على الزواج لكنها ترفض حتى الفنان يوسف الذي أعاد لها رغبتها الفنية، ثم تطلب نوسه الطلاق من زوجها الكذاب،ويفارق الجد الحياة ونعيم يدير ظهره لهم ويفتح شاشة التلفاز بعد أن اصطحبه والده إلى السينما على كتفيه. ونكاية بكل السلطات فقد بال نعيم عليهم جميعاً من شرفة أحلامه، ونافذة خياله . إن فيلماً يتمتع بكل هذه الجرأة والشجاعة النادرتين، فضلاً عن تمتعه بالمواصفات الفنية الأخرى كان لابد أن يتم إختياره ضمن أفضل الافلام في تاريخ السينما المصرية ككل خاصة مع إكتمال كل عناصره من إخراج وقصة وتصوير وديكور وأداء تمثيلي أكثر من رائع.
فيلم "بحب السيما" هو الأفضل في الالفية الجديدة ومن ضمن أفضل 10 افلام في تاريخ السينما.